مقالات

قراءة في مشهدية أحداث سورية والشرق الأوسط: المؤشرات والدلائل بقلم الدكتور رياض العيسمي

بقلم الدكتور رياض العيسمي

قراءة في مشهدية أحداث سورية والشرق الأوسط: المؤشرات والدلائل
بقلم الدكتور رياض العيسمي
على مدى ثلاثة أشهر منذ أن انتخب الرئيس ترامب في ٥ نوفمبر تشرين الثاني العام الماضي، ٢٠٢٤، حصلت العديد من الأحداث المفصلية المتواترة والمتناغمة في سورية والشرق الأوسط، وبمعدل حدث في كل شهر. والتي من المتوقع أن تتسارع أكثر وسيكون لها تداعيات كبيرة وتبعات مصيرية تؤطّر بداية مرحلة جديدة في المنطقة والعالم. وكان أولها سقوط النطام السوري في ٨ ديسمبر كانون أول العام الماضي. وانتخب العماد جوزيف عون قائد الجيش رئيسا للبنان بعد شهر في ٩ يناير كانون ثاني ، ٢٠٢٥، وبعد تدخل مورغان أورتيغاس نائبة مبعوث الرئيس ترامب للشرق الأوسط ستيف ويدكوف ، تمكن وئبس الوزراء اللبناني المكلف القاضي نواف سلام بتشكيل الحكومة في ٨ شباط. ولأول مرة سيكون البيان الوزاري خاليا من عبارة الشعب والجيش والمقاومة. وسيتم التركيز على الشعب والجيش والوطن. وهذا ما يدلل على أن الحكومة الجديدة في لبنان تسير إلى تطبيق القرارات الدولية، ١٩٥٩ و ١٧٠١ وبقية القرارات ذات الصلة والقاضية بإبعاد حزب الله إلى شمال نهر الليطاني ووضع السلاح في عهدة الدولة وترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان. والذي سيتوج بمعاهدة سلام وتطبيع العلاقة بين البلدين. والعملية السياسية هذه التي تم فرضها في لبنان بضعط من الولايات المتحدة وعبر التوافقاتت الدولية والإقليمية هي نفسها التي يجري تطبيقها بشكل موازي في سورية. وذلك لتحقيق ذات الهدف. وكما اختير العماد جوزيف عون ليكون رئيسا للبنان دون غيره بسبب علاقته المميزة مع الولايات المتحدة والمواصفات العسكرية والقيادية التي يمتلكها وتتطلبها المرحلة القادمة للتعامل مع نزع سلاح حرب الله وحماية الحدود مع إسرائيل، تم اختيار القائد الإسلامي احمد الشرع بعناية ودراية وتأهيله ليكون الرئيس الذي يقود سورية ذات الطابع الإسلامي السني، والذي يتجاوب مع حكم الإسلام المعتدل في تركيا. وكذلك علاقة الشراكة بينه وبين الولايات المتحدة في الحرب على داعش وتطميناته لإسرائيل عبر حل الجيش السوري وإلغاء التجنيد الإجباري. وبهذا تكون مهمة الجيش الاحترافي الجديد في سورية كمهمة الجيش اللبناني محاربة انصار إيران في سورية وحماية الحدود مع إسرائيل. والتي سيتم ترسيمها وفق خطة الرئيس ترامب وإسرائيل.
وإذا ما طبقنا منطق أرسطو الاستدلالي القائم على مبدأ “المقدمات تدلل على النتائج” ، يمكن ان نستنتج بأن الحكومة الجديدة في سورية ستتشكل بين الأول والثامن من آذار، أي بعد معدل شهر من تشكيل الحكومة اللبنانية في ٨ شباط. وكما كانت الحكومة الجديدة في لبنان احتزافية وتشبه شكل الوطن بطوائفه المتعددة، ستكون الحكومة السورية الجديدة احترافية وتعكس شكل سورية الجديدة، طغيان الطائفة السنية ذات الطابع الديني عليها وإشراك الأقليات بشكل رمزي. ولهذا سيكون هناك تطعيم للحكومة القائمة. واستقبال وفد الاتلاف المعارض الذي انتهى مبرر وجوده بسقوط النظام في دمشق من قبل السيد الشرع بعد أن رفض استقباله أول مرة يدلل على التوجيه بإشراك اشخاص بعينهم من الاتلاف في العملية السياسية المرتقبة. خاصة وان ثقل حركة الاخوان المسلمين في الاتلاف كان وازنا. كما وأن اجتماع وزير الخارجية الدكتور أسعد الشيباني مع كبار المستثمرين السوريين في الامارات يدلل على النية الدولية للإعمار والاستثمار في سورية. والولايات المتحدة لن تساهم ماليا في إعمار سورية ولبنان، وانما في إعمار غزة. السعودية وقطر والإمارات وبقية دول الخليج هي التي ستدفع للشركات التركية والأمريكية والروسية، ولربما الصينية لاعمار سورية. أما الاستقرار فهذه قضيةآخرى تحتاج إلى وقت. ففي الوقت الذي توحي المؤشرات بقرب نزع سلاح قسد وابعاد عناصرها الدخيلين من لمنطقة الشرقية برغبة أمريكية تركية مشتركة، ولا تعارضها روسيا، تبقى قضية الأكراد في الشمال الشرقي قضية معلقة وتحتاج إلى حل غير تقليدي لا يستطيع وضع سورية الجديدة استيعابه إلا بتركيبة الأقاليم كما حصل في العراق. كما وأن ترك الحكومة في دمشق منطقة الساحل والمنطقة الجنوبية في درعا والسويداء تعيش حالة شبه مستقلة غير مشمولة بكل قرارات الدولة الجديدة، ما عدا بعض المظاهر الشكلية البسيطة يصب في نفس اتجاه الأقاليم الذي لا يمكن أن يبت فيه بغير سن دستور جديد وتوقيع مراسيم جديدة. هذا في الوقت الذي ترسم إسرائيل حدود دولتها الجديدة في كل من سورية ولبنان. والرئيس ترامب، لن يحاول إكمال صفقة القرن وحسب، وإنما أيضا احياءً مشروع صهره جيرد كوشنر ومبعوثه للشرق الأوسط في الفترة الرئاسية الأولى، في استثمار غزة كمشروع سياحي بواسطة شركاته. نتنياهو يحضر إلى واشنطن بدعوة ويقابل الرئيس ترامب ورئيس مجلس النواب مايكل جونسون وعدد كبير من أعضاء الكونغرس. ويعود محملا بتأييد الولايات المتحدة المطلق لإسرائيل، ما عدا بعض الأصوات المعدودة. وعاد نتنياهو من واشنطن وهو يحمل لاسرائيل الكثير من الدعم المادي والعسكري. وفي المقدمة آخر نسخة من طائرة الشبح الأمريكية المعدلة F-22. والتي لا يضاهيها أي سلاح جديد في العالم. وهي بدون طيار وتعمل بالجمع ما بين الطاقة النووية والذكاء الاصطناعي. والمؤشرات تدلل على قرب استخدامها في ضرب المفاعلات النووية الإيرانية. كما واستدعى الرئيس ترامب إلى واشنطن ملك الأردن عبدالله الثاني، ليس للفرض عليه قبول فلسطينين من غزة، وإنما أيضا لتسوية وضع فلسطيني الضفة. واستدعى الرىئيس ترامب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لنفس الغرض، وخصوصا لفرض توسيع جنوب غزة على حساب سيناء. ومازال الرئيس السيسي مترددا في تلبية الدعوة. لان حضوره إلى واشنطن يعني القبول بطلب ترامب. ونقل أهل غزة إلى سيناء فيه تهديد لأمن مصر ولأمن السيسي نفسه.
الرئيس ترامب يصر على قيام الدولة اليهودية واعادة رسم حدود الدويلة الفلسطينية الجديدة بالقوة، ،تماشيا مع المثل الأمريكي القائل “القوة تصنع الحق”. لكن الرئيس ترامب لا يدرك بأن الحق هو غير الحقيقة. فالحق هو نسبي يفرضه قانون ما أو تشريع معين كوعد بلفور وقرار الأمم المتحدة رقم ١٨١ الذي قضى بتقسيم فلسطين. وهذا النوع من الحق المؤقت لن يستطيع ان يصمد في وجه الحقيقة، والتي هي مطلقة وأزلية. فإذا كان اليهود قد سكنوا في فلسطين في مرحلة زمنية واكتسبوا الحق بالعيش فيها، لا يغير من الحقيقة الأزلية بأن أرض فلسطين كان فيها قبائل عربية غير يهودية. وهي ماتزال في مكانها جزء من المنطقة ولا يمكن نقلها بقرار. فنقل البشر من منطقة إلى آخرى لايغير من مكان المنطقة. ولهذا لا فرار من العيش المشترك إن كان عاجلا أم عاجلا. كما وأن إبقاء الـشعب فيي مكانه أرخص تكلفة من نقله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب