
الأحزاب والحركات الدينية
بقلم علي رهيف الربيعي
نتساءل الآن، فيما إذ كانت الاحزاب والحركات الدينية يمكن أن تنجح حيث فشلت الحركات الأخرى حتى الآن في إحداث النهضة التي يصارع العرب في سبيل تحقيقها منذ ما يزيد على قرن ونصف . بكلام آخر ، هل يمكن أن تشكل الحركات الدينية بأوضاعها وممارساتها الحالية في المجتمع العربي حركة تغير جذري شامل فتهدم الأنظمة القائمة وتقيم مكانها نظاما جديدا يحل المشاكل الأساسية التي تستدعي مثل هذا التغير؟.
تبين لنا ان هناك ميلا واضحا لاستخدام الدين كأدوات تؤدي في الحل الأخير إلى ترسيخ الواقع رغم نزعة التحريض القوية. بالإضافة إلى ذلك ، نشير إلى أن الحركات الدينية في واقعها الاجتماعي هي نتيجة للتخلف الذي نعاني منه أكثر منها ثورة عليه وذلك للأسباب التالية :
اولا، كما تستعمل الطبقات الوسطى الدين كأداة تحريض ، تستعمله الأنظمة القائمة كأداة قمع ومصالحة للاستمرار في الحكم وترسيخ شرعيتها.
ثانيا، هناك فعلا وخلافا للنظرية المبدئية من شريحة من علماء الدين ومؤسسة دينية مرتبطة بالأنظمة القائمة تشغل المؤمنين بالتفاصيل والجزئيات على حساب الجوهر ، وبالتقاليد والطقوس على حساب قيم التحرر. نذكر من أن الأنبياء لم يأتوا قط من طبقة علماء الدين.
ثالثا، إن الدين كسلوك فعلي وكتفسيرات ونظرة سائدة تحددها المؤسسة وشريحة العلماء يتعارض مع روح العصر . يقول المفكر المغربي علال الفاسي المعروف بسلفيته المتنورة إن ” قضية الدين هي مسألة المسائل في العالم ، أو هي لا شيء بالنسبة إليه ، اي إما أن تكون هي الفكر المالكة لكل الشؤون وإما لا تكون بالمرة”. مضيفا ان جميع الثورات العظيمة في العصر الحديث ” كانت ثورة على الأنظمة الكهنوتية … فلا يمكننا إلا أن نكون في مقدمة الثائرين على كل نظام كهنوتي من شأنه ان يتدخل بين الأفراد وبين الله ” (1).
رابعا، هناك تعارض بين النظرة الدينية الغيبية السائدة مع روح العصر القائمة على العلم . إن لكل عصر نظرته المنبثقة عن واقعه التاريخي الخاص الذي لا يمكن تجاوزه. ثم هناك تعارض واقع العالم المعاصر من حيث إنه واقع قوميات ودول قومية مستقلة تسودها علاقات عضوية مما يفيد المجتمع أو يضر سائر فئاته وطوائفه إلى حد بعيد.
خامسا، طالما ان الثورة تهدف في ما تهدف إلى تجاوز اغتراب الإنسان أو عجزه في المجتمع وتجاه المؤسسات الدينية التي تسهم بدورها في تهميش الإنسان وإحالته إلى كائن عاجز ، فهي مؤسسة خارجة على حياته ومسقلة عنه ومتعالية عليه وضده.
لهذه الأسباب وغيرها ، لا يبدوا لي أن الحركات والأحزاب والجماعات الدينية يمكن أن تشكل حركة ثورية نتجاوز بها هذا الواقع الذي نكافح في سبيل تجاوزه، وخصوصا في ما يتعلق بتجاوز الفروقات الطبقية.
الهواش :
(1) علال الفاسي، النقد الذاتي، ص١١٤ – ص١١٤،
2025 /02 /16