
إدارة القوة في الوطن العربي
بقلم الدكتور وليد عبد الحي
يمكن اعتبار قياس القوة لوحدات المجتمع الدولي واحدا من اعقد الموضوعات التي يناقشها باحثو العلاقات الدولية، وقد تعددت مناهج القياس وطرق تحديد أوزان متغيرات القوة ثم سُبل مقارنة القوة ، لكني أجد نفسي منحازا لمتغير إدارة القوة ، بمعنى كيف ومتى وأين اقوم بتوظيف متغيرات القوة التي بحوزتي، فلو قارنا دول اوروبا الشمالية سنجد أنها تحتل مراتب عليا في المؤشرات الدولية رغم انها لا تقف في نفس المستوى من حيث مكونات القوة ،فلماذا؟
ورغم الخلاف بين الباحثين على متغيرات القوة واوزانها ، الا ان هناك شبه اجماع ان بعض المتغيرات في قياس القوة لا خلاف عليها وهي : اجمالي الناتج المحلي ، عدد السكان، المساحة، الانفاق العسكري، التطور التكنولوجي، المتغيرات المعنوية( الوعي والتعليم والديمقراطية والتماسك الاجتماعي…الخ) ،مع الاقرار بتداخل هذه المتغيرات والتأثير في بعضها البعض.
فإذا طبقنا ما سبق على العرب واسرائيل سنجد بمقارنة بسيطة أن مؤشرات القوة التقليدية(2024) تدل على :
1- اجمالي الناتج المحلي العربي(على اساس المعادل الشرائي) يساوي حوالي 27 ضعف الاسرائيلي.
2- عدد السكان العرب يعادل حوالي 43 ضعف العدد الاسرائيلي
3- مساحة العالم العربي تعادل حوالي 590 ضعف مساحة اسرائيل.
4- يعادل مجموع الانفاق العسكري العربي حوالي 9 اضعاف الانفاق الاسرائيلي، وعدد الجيوش العربية(العاملة والاحتياطي) يصل الى عشرة اضعاف عدد الجيش الاسرائيلي.
5- عدد الجامعات العربية يعادل 157 ضعفا مقابل عدد الجامعات الاسرائيلية.
والملاحظ ان متغيرات القوة العربية لا تتسق مع نتائجها الميدانية في المواجهات العربية الاسرائيلية منذ 1948،بل تزداد سوءا ، مما يعني ان إدارة المتغيرات هي المشكلة، فمن المسؤول عن ذلك؟
ان الخلل في المعادلة العربية هو في البعد المعنوي من متغيرات القوة، أي في الوعي والديمقراطية والتماسك الاجتماعي، وهنا نجد الفارق لصالح اسرائيل وبقدر كبير ، فلو نظرنا في معدل مؤشرات القوة المادية سنجد أن الطرف العربي يفوق الطرف الاسرائيلي بمعدل عام لكل المؤشرات يصل الى حوالي 140 ضعفا، ولو استبعدنا الفارق في المساحة فان الفارق لصالح الطرف العربي يبقى شاخصا بمعدل حوالي 49 ضعفا ، وهو فارق استثنائي، ولكن لو قارنا مؤشرات البعد المعنوي المركزية والفرعية ( الديمقراطية والاستقرار السياسي والاجتماعي والفساد والتطور الاداري والقدرة على التكيف مع التحولات التقنية وانعكاسات العولمة …الخ)، سنجد أن ترتيب اسرائيل عالميا في هذه المؤشرات المعنوية قياسا للمعدل العام للدول العربية فيه فارق لصالح اسرائيل هو 62 نقطة ،فلو اخذنا ترتيب دول العالم في مؤشر الديمقراطية سنجد ان آخر ثماني دول في ذيل القائمة كلها دول عربية، وان الفارق في الترتيب بين اي دولة عربية وبين اسرائيل هو فارق يتراوح بين 59 و 107 نقطة، وفي الفساد يصل معدل الفارق بين معدله في كل الدول العربية واسرائيل حوالي 86 نقطة ، بينما في معدل الاستقرار فان 97% من العرب يعيشون في دول يفوق فيها معدل عدم الاستقرار معدلة في اسرائيل بحوالي 42 نقطة، وبقياس مؤشرات الاختراق الخارجي (اي التأثر بالخارج في القرار السياسي والاقتصادي والعسكري) فان الفارق يتراوح بين المرتبة 39 لاسرائيل مقابل معدل المرتبة العربية (لكل الدول ) 111، اي بفارق 72 نقطة لصالح اسرائيل….
ما اشرنا له –على عجالة- يؤكد ان المشكلة ليست في البعد المادي لمتغيرات القوة بل في البعد المعنوي (دون انكار التأثير المتبادل بين البعدين)، ويتركز هذا البعد في مشكلة محددة وهي ” إدارة المتغيرات المادية”، والتي ارى أن مقودها بيد السلطة السياسية وبنسبة عالية ، ويكفي ان نعطي مثالا صارخا في الصين، فعند موت ماوتسي تونغ عام 1976 كان ترتيب الصين عالميا في اجمالي الناتج المحلي هو 36، بينما هي الآن في المرتبة الاولى (على اساس المعادل الشرائي)، فإذا اعتبرنا ان بداية التحديثات الاربعة كانت مع 1978 ، فان الصين تقدمت 36 رتبة خلال 47 سنة، أي مرتبة واحدة كل ما يعادل 1.3 سنة..فمن أحدث هذا التغيير؟ .إن التطور في الامكانات المادية كان نتيجة إدارة جديدة لمتغيرات القوة المادية ، فمساحة الصين وسكانها وجيشها ودخلها له اهميته ،لكن هذه الأهمية كامنة تنتظر من يبدع اساليب جديدة لتفعيلها، وهذا ما فعلته القيادة الجديدة حينها بابداعها رؤية جديدة ..هل وصلت الرسالة؟ ربما.