مقالات

المنطقة في نقطة تمفصل أيديولوجيا الفرقعة والقرقعة بقلم الدكتور ضرغام الدباغ

بقلم الدكتور ضرغام الدباغ

المنطقة في نقطة تمفصل أيديولوجيا الفرقعة والقرقعة
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ / برلين
في حصيلة جهد بحثي كبير، كرست له ساعات طويلة، ووفق المعطيات الثقافية اليوم، في البحث (الالكتروني أساساً)، من الكتب والبحوث والمقالات والمقابلات، والندوات، في موضوعاتنا المعقدة نسبياً، الغير واضحة تماماً، مسألة تصيب الرأس السليم الصاحي بالصداع، فما بالك برأسي الذي فيه ثلاث حفر، بعملية جراحية استغرقت 6 ساعات.
ونحن حين نتحدث في السياسة، لا نتحدث عما يبهج أو بما يزعج، بل فيما يصلح أو لا يصلح، تشخيص علمي للمشكلات ومشاريع واقعية وحلول منطقية وسبل إدارة الأزمات، ومن المؤسف أن الحياة السياسية والاقتصادية، اجتاحتها رياح الدولنة (internationalization) (ظاهرة الدولية) ولم تبق إلا النزر البسيط من الخيارات المحلية، فالدول لم يعد بوسعها المضي بسياسات قطرية، ولا حتى تجمعات إقليمية بالكاد، بما تملكه من موارد اقتصادية وطنية خاضعة بنسبة كبيرة جداً لمعايير العلاقات الدولية. ولا أعتقد ينفع كثيراً أن تختط دولة ما نهجاً (خاصاً جداً) بها، بل هي مضطرة لمسايرة الموقف الدولي بدرجة مؤثرة. بما في ذلك قضايا اقتصادية محورية أساسية كالنفط والغاز. إذن فمساحة الخيارات الوطنية الخالصة، هي في تقلص متزايد، وحجم التأثير الدولي في تزايد متواصل.
في عصرنا الراهن اتفقت دول عالم الغرب، وهي الكتلة الأكبر في العالم مساحة وسكاناً، واقتصاداً، وفي القدرات العسكرية. اتفقت في أساليب العمل، ورغم أن هذا العالم الغربي قد شهد انحسارا ملحوظاً في قدراته، إلا أنه ما يزال يتمتع بالقوة الأعظم، مقابل هذا هناك قوى واعدة من الدول التي تقتحم العالم الصناعي، وتطرح نفسها كقوى عظمى (روسيا والصين) وأخرى واعدة، (البرازيل، الهند، جنوب افريقيا) التقت في تجمع دولي : بريكس (BRICS) أنظمت لها، أو أهتمت بها عدد من الدول الأخرى. ولكن ما يزال من المبكر القول أن بوسع هذا التجمع أن يقارع المعسكر الغربي ويزيحه من الصدارة في الأمد المنظور. ولكن نرجح أن يواصل الغرب فقدانه لمواقع الصدارة.
المعسكر الغربي بقواه المؤثرة، توصل (بتقديري) إلى نتيجة مفادها أنه سيخسر العالم بأسره ما لم يدخل تعديلات مهمة على سياسته، لذلك وفي رؤية جديدة لملفات بؤر الالتهاب والحيلولة دون زيادة درجة الاحتكاك لتبلغ درجة الانفجار، والتحول إلى أزمة عالمية، في سياق هذه الرؤية ربما أعادت النظر في سياستها في مناطق الالتهاب، ومن تلك قادت مسارات الصراع في المشرق العربي، وبؤر توترها (غزة/ فلسطين، لبنان، سوريا، والعراق). كأجزاء من بؤر الشرق الأوسط، إلى تراجع الولايات المتحدة (والغرب عموماً) ومن أجل أن تستعيد توازنها في الشرق الأوسط، تخلت عن سياسة دعمها لإيران والتراجع عن سياسة السماح لها بالتمدد في شرق المتوسط، وكانت الولايات المتحدة (ودول رئيسية في الغرب) قد سمحت لإيران، ان تتمدد وتتسع في الشرق الأوسط ومنطقة القرن الأفريقي(اليمن)، وكبح جماح النفوذ العربي / الإسلامي السني، والحيلولة دون قيام مراكز عربية/إسلامية سيكون لها تداعياتها الخطيرة على المصالح الأمريكية، ووفق الاتجاهات التالية:
• قررت الولايات المتحدة السماح لإيران تكوين منطقة نفوذ حيوي لها يمتد من العراق، إلى البحر المتوسط، فسمحت دخول إيراني (تحت السيطرة) له وتأسيس نفوذ سياسي وعسكري، (الهلال الشيعي) في أعقاب حرب الخليج الثانية 2003، وصولاً لتغيير ملامح البلاد الأساسية،
• كما سمحت بتغلغله في سوريا واستغلال الضعف في قدرات النظام الأسدي وعزلته الداخلية والخارجية، وتحويله من قوة مؤثرة، إلى طرف لا قيمة استراتيجية له في صراعات الشرق الأوسط..
• ثم في لبنان، كنتيجة لتراجع دور الدولة (عام1970) مقابل تنامي التشكيلات المسلحة (الوجود العسكري المؤثر لمنظمة التحرير الفلسطينية)، فقبلت بمبدأ سقوط الدولة اللبنانية بأيدي أذرع إيران السياسية والعسكرية، مقابل ضمان أمن حدود إسرائيل الشمالية.
• حالت الولايات المتحدة دون سقوط النفوذ الحوثي في اليمن. الذي يوفر ظروف أزمة مستدامة وتدخل سياسي وعسكري في منطقة القرن الأفريقي وشبه الجزيرة العربية،
وفرت هذه الظروف تأسيس ما أطلق عليه الهلال الشيعي، والقبول بإضعاف وإزالة الهوية العربية الإسلامية السنية فيها، أو إضعافها لدرجة كبيرة. وقد دارت هذه العملية على مدار عقود منذ 1981، والجزء الواضح منها قد أبتدأ منذ 2002 وحتى 2024 وما تزال دائرة.
والجديد في السياسة الأمريكية أنها اجرت تعديلات على هدفها السابق وذلك بفعل معطيات عديدة (بتقديرنا) في مقدمتها: أن إيران تريد خلق ظروف صراع دائمي في المنطقة بسبب سياستها التوسعية العدوانية، إضافة إلى عناصر كانت مؤثرة في تحديد النهج الأمريكي الجديد أهمها:
1. فشل نظام الملالي في طهران، تواصل لمدة 46 عاماً تنفيذ خطط ناجحة للحلول محل الأنظمة العربية، لأسباب عديدة منها أن الفرس يعانون من فشل تاريخي في هذا المجال، وفي السياسة الدولية لا تود الدول الغربية منح فرص تقترب من نصف قرن، برهن فيها نظام الملالي عن فشله في إدارة عمليات سياسية وعسكرية واقتصادية واسعة النطاق، وانعكس هذا العجز في داخل إيران وعلى علاقتها بأذرعها. وتعمقت أزمة التحولات الدولية المهمة على مسرح العلاقات الدولية، أبرزها تنامي نفوذ التحالف الروسي / الصيني، الذي ينبغي أن يستعد لها الأمريكان والغرب.
2. فشل إيران وأذرعها منفردا ومجتمعاً من تقديم نماذج ناجحة في مجتمعاتها: سياسية واقتصادية،
3. تشير التقديرات أن نظام الملالي قد نجح في بداية القرن الواحد والعشرين، نجح بأقناع الولايات المتحدة والغرب، وبأن هيمنته المطلقة وشيكة في العالم العربي (وفق النموذج العراقي، السوري واللبناني، وبدرجة ما اليمني)، وأنه سوف لن يمر وقت طويل، حتى يتمكن الملالي من الإطاحة بالنظام السعودي والمصري، والأردن، وهكذا طرح نفسه كبلدوزر للغرب الرأسمالي في الشرق الأوسط، في حين:
أ‌. أن الملالي هزموا في حرب 8 سنوات مع العراق، وأن الأمريكان سمحوا لهم بدخول العراق واقتسامهم للنفوذ معهم، ومؤكد أن لذلك (السماح / الشراكة) الثمن المقابل..
ب‌. وأن النظام الاسدي أستنجد بهم في الحرب الاهلية لقمع الثورة السورية دعماً كلفهم حسب التقديرات 180 مليار دولار، عدا القتلى والجرحى
ج‌. أما لبنان، فقد تمكن حسن نصرالله من ترتيب خدعة بدا فيها أنه محرر الجنوب اللبناني، في حين أنها كانت صفقة تعهد (بمباحثات برعاية غربية) فيها بعدم السماح للفلسطينيين من الاقتراب من خطوط الحدود مع فلسطين، وحظر السلاح الثقيل، وحصر الخفيف داخل المخيمات. وولدينا ما يؤكد أن إيران كانت تمول ذراعها اللبناني (حسن نصرالله) ب 54 مليون دولار شهرياُ، نرجح أنه تضاعف بعد عام 2005
4. قادت أنشطة التوسع لنظام الملالي، باستخدام كثيف لتحركات مليشيات منفلتة، في المنطقة، أدت إلى توتر وفوضى، في الحياة السياسية / الاقتصادية، الحقت الأضرار بشدة وبالمصالح الاقتصادية، عدا دول المنطقة، بالتجارة الدولية ولا سيما في مجال خطوط الملاحة البحرية العالمية، وإمدادات الطاقة، والنقل الجوي. فصارت حسابات الخسائر، أعلى من المرابح.
5. وبحسب مؤشرات ومعطيات واضحة، أن العالم العربي اليوم أكثر من 600 مليون نسمة في 22 وعشرون دولة، يتمتعون بقدرات اقتصادية وسياسية ممتازة، بينها دول كبيرة ذات اقتصادات متقدمة (السعودية، مصر، الجزائر، قطر، الامارات المتحدة، المغرب، الكويت) وبموقف مؤثر في بأسواق الطاقة العلمية، وتسندهم مجموعة الدول الإسلامية بنحو مليار ونصف نسمة، وهي معطيات تختلف بدرجة كبيرة جداً عن معطيات الخمسينات والسبعينات من القرن الماضي.
6. وبموجب هذه المعطيات، يتعذر على الولايات المتحدة أو غيرها من القوى العظمى والكتل الدولية، تجاهل هذه القوة الكبيرة وقدراتها السياسية والاقتصادية والمعنوية،
7. أن منطقة الشرق الأوسط التي طالما وصفت في الدراسات الاستراتيجية بأنها بؤرة صراعات ونزاعات مسلحة، قد تسبب بإشعال فتيل حرب تنزلق إلى صراع كوني يصعب السيطرة عليه، لذلك ستفشل كل محاولة لزرع كيانات غريبة عنها، ستنجح المحاولات باستخدام القوة المفرطة، ولكنها ستفشل على المدى البعيد.
8. (لذات السبب، الفقرة 7) فشلت التجربة الصفوية لزرع أنماط سياسية/ ثقافية في سورية ولبنان، واليمن، وستفشل في العراق.
9. أوساط كثيرة ضمن المعسكر الغربي، توصلت إلى قناعة، أن إشعال نيران حروب في الشرق الأوسط، هي سياسة فاشلة، والحل الأمثل هو في التوصل لسلام عادل وفي هذا حفظ لمصالح جميع الأطراف.
10. بسبب أن الأسلحة الحديثة لها قدرات تدميرية هائلة، تدعو كل من يمتلكها أن يفكر أكثر من نرة قبل استخدامها. وتغليب الدبلوماسية على الصراع المسلح.
السياسة عمل معقد ومتعب، ولكي يكون مفيداً، يحتاج لمتابعة دقيقة، وسياسيون أكفاء، وأجهزة نساعدهم
/مارس ــ آذار / 2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب