دلالات السينما المغربية: قراءة في مشروع حميد تباتو النقدي

دلالات السينما المغربية: قراءة في مشروع حميد تباتو النقدي
عبد العزيز بنعبو
الرباط ـ «دلالات السينما المغربية: التأسيس الثقافي ورؤى الإبداع»، هو عنوان المؤلف الذي أصدره حديثا الناقد الفني والباحث الأكاديمي المغربي حميد تباتو، عن منشورات «نيت أمبرسيون» في مدينة ورزازات، حيث يضيء أوجهاً تخص السينما المغربية من حيث منطلقاتها الثقافية، وخصوصية متخيلها، وعلاقاتها مع فنون أخرى، من مداخل متنوعة اعتُمدتْ لقراءة متن فيلمي واسع، يتضمن أفلاما طويلة وقصيرة، ويستحضر أفلاما روائية، وأخرى وثائقية، اعتبرها تمثيلية أكثر لما أراد مقاربته وقراءته في السينما المغربية.
الكتاب الواقع في 266 صفحة من الحجم الكبير، تصدرت غلافه لوحة للفنان التشكيلي لحسن مصواب الملقب بـ»با عزيزي»، وتشكّل من ثلاثة فصول جاء الأول موسوما بـ»التأسيس الثقافي للسينما المغربية»، وتضمن أربعة مباحث ركز المبحث الأول على قراءة علاقة السينما المغربية بالذاكرة، من خلال رصد «سيرة المهزومين في السينما المغربية: وكتابة التاريخ الوطني»، وخصص المبحث الثاني للبحث في رؤية الثقافة الشعبية في السينما المغربية، من الوعي الفردي إلى الضرورة التاريخية، وخصص المبحث الثالث بتحليل دلالة الأبعاد الرمزية في السينما المغربية، أما المبحث الرابع فخصص لدراسة اشتغال التراث في السينما المغربية.
وحمل الفصل الثاني عنوان «مواصفات التخييل في تجارب سينمائية مغربية»، وتضمن ثلاثة مباحث ركز المبحث الأول على تجربة مصطفى الدرقاوي، فيما وقف الفصل الثاني على تجربة حكيم بلعباس، وقارب المبحث الثالث تجربة محمد مفتكر.
أما بالنسبة للفصل الثالث فجاء موسوما بـ»السينما المغربية والعلاقة مع الفنون»، واندرجت فيه ثلاثة مباحث تدرس على التوالي علاقة السينما المغربية بالغناء والموسيقى، وعلاقتها بالشعر، ثم أخيرا علاقتها بالرواية.
وحملت خاتمة الكتاب الخلاصات البارزة التي حصرها المؤلف في «أن الاشتغال على أوجه الثقافة الخاصة، سمح بتشكل نسيج رمزي ثري في السينما المغربية، وعمق أبعادها الأنثروبولوجية، وجعل من قراءة أعمالها، ومشاهدتها لحظة للحوار الخلاق الذي ينتج المتعة والمعرفة. ولهذا كان من الطبيعي أن يجد بعض المخرجين ضالتهم في هذا الانهمام، بما هو رمزي وثقافي، حيث جعلوا منه رافعة لتمييز متخيل أفلامهم، وأسا لبناء شاعريتها، وتعميق أبعادها الدلالية. إنه ما نمثل له بأعمال أحمد البوعناني، ومصطفى الدرقاوي، وحكيم بلعباس، ومحمد مفتكر، وأحمد المعنوني، وإيزة جنيني، وعلي الصافي وغيرهم».
ويؤكد حميد تباتو في خاتمة مؤلفه، أنه سعى «إلى رصد دلالات السينما المغربية من مدخلي التأسيس الثقافي ورؤى الإبداع»، قائلا «على الرغم من الجهد الذي استثمرناه لإنجاز هذا العمل، فإننا نعتبر الانتهاء منه، بمثابة محطة تبقي في أعماقنا الكثير من الأسئلة ذات العلاقة بانتساب السينما المغربية والتي لم نجب عنها في هذا الإصدار، أو لم نقتنع بمقترح الإجابة التي صغناها».
ويوضح أنه لهذا يعمل لهذا «على صياغة ظلال إجابات إضافية لها في مشاريع مستقبلية، تعمق البحث في أوجه معنى السينما المغربية، وانتسابها، وهويتها من مداخل المقترحات البديلة فيها، والخصائص الإبداعية في الفيلم الوثائقي، وصيغ استثمار الجماليات المنسية لبناء إبداعية الاختلاف».
واعتبر المؤلف حميد تباتو الكتاب الجديد جزءا من مشروع بدأه منذ عمله الأول، ويتبع قريبا بمشاريع ثلاثة جاهزة، هي (تمرحل الفيلم الأمازيغي: من تشكيل الانتساب الهوياتي إلى صناعة الخصوصية الإبداعية)، ويصدر قريبا، و(أوجه المعنى في السينما المغربية: الجماليات المنسية وتعبيرية الانهيار) ويصدر بدوره آخر السنة، و(الفيلم الوثائقي المغربي: من تأويل التاريخ إلى صناعية الاختلاف الإبداعي)، ويصدر لاحقا.
ويعترف الناقد الفني والباحث الأكاديمي متحدثا لـ»القدس العربي»، بأن مجموعة من الأعمال الخاصة تراكمت لديه، ولم ينشرها بالوتيرة التي كان يحب أن تصدر بها، وكان آخر عمل له هو (هوية السينما المغربية: فتنة اللامرئي وقلق المغلوبين) كما قال: «لانشغالي بتنسيق أعمال جماعية، وإصدارها لسنوات، لأني اعتبرت أن هذه المهمة هي أولوية لكونها تجمع جهدا جماعيا لنقاد وباحثين، أو لفرق بحث، وجمعيات، وهو عمل متعب ومكلف، خاصة أن هذه الأعمال الجماعية هي عبارة عن أعمال ندوات ومؤتمرات، غالبا ما كنت أشرف على تنسيقها، أو تنظيمها، وقد قررت الانتباه لأعمالي الخاصة»، ومن ثم بدأ بإصدار «دلالات السينما المغربية: التأسيس الثقافي ورؤى الإبداع»، الذي سيتبعه بأعمال مرتبطة أخرى.
ويأمل حميد تباتو بعد هذه الأعمال عن السينما المغربية، أن يتوفر له الجهد والإمكانيات لإخراج أعمال أخرى، جاهزة بدورها، ينتقل من خلالها لقضايا يعتبرها من صميم انشغالاته البحثية، ويقصد كتابا آخر جاهزا حول السينما المغاربية بعنوان (سيرة الهزيمة في السينما المغاربية)، وبعض الأعمال حول المسرح، الذي يعتبره تخصصه الأكاديمي الأصلي، ويوضح الهدف من ذلك قائلا: «هو خدمة الموقع الذي يعنيني الانتساب إليه، وترجمة قناعاتي الخاصة بهذا الحقل الثقافي والفني».
ولفت تباتو إلى أنه يعتمد على إمكانياته المادية الخاصة في الإصدارات، قائلا: «باستثناء العمل الذي أصدره لي اتحاد كتاب المغرب مشكورا سنة 2014، أنشر لنفسي، لأن معنى القناعة والمسؤولية تعني تحمل كل شيء بما في ذلك القبول بالخسارات جميعها، وهذا أمر طبيعي في زمن السقوط».
«القدس العربي»: