تحقيقات وتقارير

لماذا تتصاعد الاحتجاجات السياسية حول العالم؟

تقرير: لماذا تتصاعد الاحتجاجات السياسية حول العالم؟

 “الأسوشيتدبرس”

“الحركات الشعبية تعكس تزايد الغضب الشعبي وتطرح تساؤلات حول قدرة الحكومات على تلبية احتياجات شعوبها والحفاظ على استقرار الأنظمة الديمقراطية”

انتشرت الاحتجاجات السياسية في العديد من الدول حول العالم في الآونة الأخيرة، نتيجة لعدد من العوامل التي تتراوح بين “سياسات حكومية متسلطة أو غير فعالة، وبين الفشل في التعامل مع قضايا اقتصادية واجتماعية ملحة”، على حد ما جاء في تقرير لـ”د.ب.أ”، نشرته، اليوم، وكالة “الأسوشيتدبرس”.

هذه الحركات الشعبية، يقول التقرير، “تعكس تزايد الغضب الشعبي وتطرح تساؤلات حول قدرة الحكومات على تلبية احتياجات شعوبها والحفاظ على استقرار الأنظمة الديمقراطية”.

وينقل عن الباحثين، توماس كاراذرز وجودي لي، قولهما، في تقرير لمؤسسة “كارنيجي للسلام الدولي”، إن عدة مناطق “تشهد تصاعدًا ملحوظًا في الاحتجاجات المناهضة للحكومات، وتحمل طابعًا سياسيًا واضحًا”. فقد اندلعت موجة من الاحتجاجات في منطقة البلقان، شملت كلاً من البوسنة ومونتينيجرو ومقدونيا الشمالية وصربيا. كما شهدت دول في وسط وشرق أوروبا، مثل جورجيا والمجر وسلوفاكيا، احتجاجات مماثلة. وامتدت موجة التظاهرات إلى اليونان وإسرائيل وموزمبيق وكوريا الجنوبية وتركيا.

ويتساءل الباحثان: ما الذي يحفّز هذا التصاعد في الاحتجاجات السياسية؟ وهل يشكّل ذلك تطورًا إيجابيًا أم سلبيًا لمستقبل الديمقراطية على مستوى العالم؟

يرى الباحثان أن “الخطوات الحكومية المناهضة للديمقراطية هي المحرّك الرئيسي لمعظم هذه الاحتجاجات”. ففي حالتين، هما جورجيا وموزمبيق، أدّت مزاعم التلاعب واسعة النطاق في الانتخابات الوطنية إلى خروج المواطنين إلى الشوارع. وفي جورجيا، زاد قرار الحكومة الجديدة تعليق محادثات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي من حدة التوتر. واستمرت الاحتجاجات في كلا البلدين لعدة أشهر.

أما في حالات أخرى، فلم تكن الإجراءات المناهضة للديمقراطية مرتبطة بالانتخابات. ففي المجر، اندلعت الاحتجاجات بعد أن أقرّ البرلمان المجري، في 18 آذار/ مارس، قانونًا يحظر مسيرات الفخر للمثليين ويسمح للسلطات باستخدام تقنيات التعرف على الوجه، التي تم الحصول عليها من الصين، لتحديد المشاركين في الفعاليات المحظورة.

وفي إسرائيل، يقول التقرير، “تصاعدت الموجة المستمرة من الاحتجاجات ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بسبب تركيزه المتزايد للسلطة السياسية، وذلك بعد إعلانه في 16 آذار/ مارس عن إقالة رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار، حيث يرى المحتجون أن هذه الخطوة تعكس إصرار نتنياهو على البقاء في السلطة بأي ثمن. كما شهدت إسرائيل ارتفاعًا في الاحتجاجات عقب استئناف الحملة العسكرية ضد حماس في 18 آذار/ مارس”، على حد ما جاء به التقرير.

كوريا الجنوبية

كما وأثار إعلان الرئيس الكوري الجنوبي، يون سوك يول، الأحكام العرفية في كانون الأول/ ديسمبر الماضي موجة تعبئة شعبية واسعة في الشوارع. ومنذ رفع الأحكام العرفية، تواصلت الاحتجاجات المطالِبة بعزل يون، ما يعكس الغضب الشعبي من تصرفاته والمخاوف بشأن مستقبل الديمقراطية في كوريا الجنوبية.

تركيا

وفي تركيا، يتابع التقرير، اندلعت احتجاجات بعد أن أمرت الحكومة، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، باعتقال أحمد أوزر، رئيس بلدية منطقة إيسنيورت في إسطنبول وعضو حزب الشعب الجمهوري المعارض. وتصاعدت المظاهرات بشكل أكبر بعد اعتقال عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو، الخصم السياسي الأبرز للرئيس رجب طيب أردوغان، في 17 مارس/آذار.

صربيا

أما في صربيا، فقد بدأت الاحتجاجات في تشرين الثاني/ نوفمبر كردّ فعل على الفساد الحكومي عقب انهيار سقف مدخل محطة قطارات، لكنها تحولت لاحقًا إلى تظاهرات حاشدة ومستمرة مؤيدة للديمقراطية، تهاجم حكم الرئيس ألكسندر فوتشيتش وحزبه التقدمي الصربي.

“الإحباط العميق”

وفي حالات أخرى، كانت الاحتجاجات ذات دوافع سياسية، لكنها لم تكن ناتجة بالدرجة الأولى عن سلوكيات مناهضة للديمقراطية من قبل الحكومات القائمة، بل جاءت نتيجة الإحباط العميق من ضعف الاستجابة الحكومية للكوارث، وغياب المساءلة الفعّالة.

البوسنة ومقدونيا

ففي البوسنة، تأخرت الحكومة في المواجهة بالنسبة لفيضان مدمر، وفي اليونان، استمرت الاحتجاجات بسبب تقاعس الحكومة بعد حادث قطار مميت، أما في مونتينيجرو، فجاء الغضب الشعبي نتيجة سوء تعامل السلطات مع حادث إطلاق نار جماعي، وفي مقدونيا الشمالية، بسبب الفساد الذي أحاط بانتهاكات للسلامة ساهمت في اندلاع حريق كارثي في ملهى ليلي.

احتجاجات محدودة

وفي الولايات المتحدة، شهدت العديد من المدن احتجاجات صغيرة إلى متوسطة الحجم ضد بعض الإجراءات المبكرة التي اتخذتها إدارة الرئيس، دونالد ترامب، والتي اعتبرها بعض المواطنين مثيرة للجدل، بما في ذلك السياسات الجديدة المتعلقة بالهجرة، واقتراح ترامب بترحيل الفلسطينيين من غزة.

كما سُجّلت مجموعة من الاحتجاجات اللافتة التي جاءت دعمًا لزعماء أو شخصيات سياسية متهمة باتخاذ خطوات مناهضة للديمقراطية. ففي البرازيل، خرجت مظاهرات مؤيدة للرئيس السابق جايير بولسونارو، وفي الفلبين، دعما للرئيس السابق رودريجو دوتيرتي، وفي كوريا الجنوبية، تأييدا ليون، وفي رومانيا، دعما للمرشح الرئاسي اليميني المحظور كالين جيورجيسكو.

ويرى بعض المراقبين السياسيين في منطقة البلقان أن هناك تأثيرات عدوى انتقلت من الاحتجاجات في صربيا إلى دول أخرى في المنطقة. غير أن الاحتجاجات خارج البلقان بدت، في الغالب، ذات دوافع محلية بحتة.

“الصورة مزدوجة”

ويقول الباحثان، بحسب التقرير، إن هذا التنامي الملحوظ للاحتجاجات السياسية خلال الأشهر الستة الماضية يقدم صورة مزدوجة لحالة الديمقراطية العالمية. فمن جهة، تعكس هذه التحركات أخبارًا سيئة، تتمثل في مواصلة بعض القادة المنتخبين السير في مسار استبدادي يسعى إلى تقويض الحياة الديمقراطية في بلدانهم. لكن من جهة أخرى، تمثل هذه الاحتجاجات تعبيرًا حيًا عن التزام الكثير من المواطنين بالحفاظ على المعايير الديمقراطية والمطالبة بالمساءلة الحكومية، رغم ما قد يواجهونه من مخاطر شخصية جسيمة.

ويخلص الباحثان إلى أنه حتى الآن، لم تنجح هذه التحركات الشعبية في إيقاف الإجراءات السلطوية المثيرة للقلق، إلا أن احتجاجات صربيا أسفرت عن استقالة رئيس الوزراء، وقد تفضي إلى انتخابات مبكرة، وهي تطورات تؤكد أن القادة المنتخبين ذوي التوجهات الاستبدادية، مهما بلغ دهاؤهم وإصرارهم، لا ينجحون دائما في فرض إرادتهم بسهولة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب