«الأرامل» للباحثة الهولندية مينيكه شيبر… موصومات ومطرودات من الرحمة

«الأرامل» للباحثة الهولندية مينيكه شيبر… موصومات ومطرودات من الرحمة
محمد عبد الرحيم
كاتب مصري
القاهرة ـ «واقعية الخيال» هو عنوان الدورة السابعة لـ(مُلتقى القاهرة الأدبي)، المنعقد في الفترة ما بين 12 وحتى 17 أبريل/نيسان الجاري. وضمن فعالياته جاءت ندوة بعنوان «كيف تنظر كتب التاريخ الثقافي إلى أدوار النساء»، وعنوان فرعي (كتاب الأرامل نموذجاً)، وهو أحدث ما تُرجم للباحثة والأكاديمية الهولندية مينيكه شيبر، قام بالترجمة عبد الرحيم يوسف، وصدر عن دار صفصافة للنشر في القاهرة ـ منظِمة المهرجان ـ مع ملاحظة أنه سبق وتُرجم لها إلى العربية العديد من المؤلفات، منها.. «إياك والزواج من كبيرة القدمين: النساء في أمثال الشعوب» 2008، «المكشوف والمحجوب: من خيط بسيط إلى بدلة بثلاث قطع» 2017، «من بعدنا الطوفان: حكايات نهاية البشرية» 2018، و»تلال الفردوس: تاريخ الجسد الأنثوي بين السلطة والعجز» 2020. إضافة إلى كتابها «الأرامل: التاريخ المسكوت عنه» الصادر هذا العام 2025. أدارت الندوة الباحثة والمترجمة سُميّة عبد الوهاب.
ووفق مؤلفات مينيكه شيبر ووجهة نظرها البحثية، فهي تترصد حال المرأة ودورها وفق نظرة التاريخ الثقافي، بمعنى.. كيف تم رسم هذا الدور، وكيف تم الحفاظ على ترسيخه من وجهة نظر ذكورية بالطبع، وصولاً إلى نماذج نسائية متجاوزة لهذا الدور، وفي الأغلب أن هذا التجاوز يقلق المجتمع بشكل أو بآخر، مهما كان الاحتفاء الظاهري به وتمجيده.
عالم من الأمثال
في مقدمتها أوضحت شيبر أن فكرة كتاب «الأرامل» جاءتها من كتابها «إياك والزواج من كبيرة القدمين»، حيث وجدت العديد من الأمثلة الشعبية من أماكن وثقافات مختلفة تحذر من (الأرملة)، حالة من التخوّف قد تصل بالمجتمع ـ الذكوري المفاهيم ـ أن يجعلها محل ساحرات العصور الوسطى، وبالتالي تستحق الموت حرقاً، وهو ما تم إعماله بالفعل في عدة ثقافات، وإن كان بشكل مختلف بوجوب أن تلحق بزوجها الميت، وقد أصبحت دون فائدة في الحياة، فتحقق وجودها مرتبط بوجوده. ومن ناحية أخرى يبدو أن ارتباط الأرملة بالموت، جعل منها مصدراً للعنة مجهولة، فيأتي المثل الشعبي في إحدى الثقافات واضحاً.. «لا تثق بامرأة مات زوجها»، فهي المثال الحي لشبح الموت.
الريبة والشك
ومن اللعنة المتفاوتة إلى درجة كبيرة من الشك والريبة تلازم الأرملة في حياتها، مع فرض العديد من القيود عليها خلال تلك الحياة ـ فهي ظل للحياة ليس أكثر ـ هذه الريبة تتخذ عدة أشكال ومظاهر، مثل القيود على الملابس وكذلك الخروج من المنزل، وعدم حضور الأرملة طقوس زواج الأخريات من النساء. وبالنسبة إلى الملابس تستشهد شيبر بصورتين أولاهما صورة من مقبرة فرعونية، حيث تجلس المرأة على الأرض جوار جسد زوجها المتوفى ـ يُسجى جسده فوق سرير مرتفع قليلاً ـ وتضع المرأة يدها فوق رأسها ـ هذا ما تفعله المرأة المصرية حتى الآن، وهي تضرب بيدها على رأسها عند وفاة زوجها ـ والمرأة المرتسمة في المقبرة تشبه تماماً إيزيس عند موت أوزوريس. من ناحية أخرى تقارن صورة جاكلين كينيدي بعد وفاة جون كينيدي وهي ترتدي السواد، وتغطي وجهها بغلالة سوداء، وهي تؤدي المراسم الجنائزية. هذا السواد يتنافى وحضارة وثقافة أخرى، كما في الهند على سبيل المثال، حيث ترتدي المرأة اللون الأبيض، وهو الدليل على أنها فقدت زوجها.
حق الملكية
وتشير شيبر إلى أن وضعية المرأة بشكل عام والأرملة بشكل خاص جعلتها غير مؤهلة أو صالحة لفكرة أن تمتلك شيئاً ـ فهي نفسها شيء يقع عليه حق الملكية ـ خاصة أن معنى كلمة أرملة في اللغات الأوروبية مشتق من كلمة (مُعدَمة) أو (فارغة)، وعلى الجانب الآخر، نجد أن معنى أرملة في اللغة اليابانية «تلك التي لم تمت بعد» أي أنها فقط تعيش حالة مزمنة من انتظار الموت، والكل/المجتمع يترقب ذلك وينتظره بالضرورة اتقاء لشر وجودها. ونعود إلى الملكية، فالنساء عادة لا يتملكن شيئاً، خاصة الأراضي، فحتى في أوروبا وهولندا موطن المؤلفة، هناك نسبة بالغة التفاوت بين ملكية الرجل والمرأة للأرض خاصة، لذا كان هناك احتفال كبير في أفغانستان بنجاح أول امرأة استطاعت تملك قطعة من الأرض!
الإسلام
وترى مينيكه شيبر أن فكرة (العدة) التي فرضها الإسلام على المرأة المتوفى عنها زوجها لم تكن من قِبل القيد أو الحط من شأن وجودها، لكن الأمر فقط يتعلق بالأنساب. كذلك لم يحرّم الإسلام على المرأة استئناف حياتها مرّة أخرى، سواء الخروج من المنزل أو العمل والزواج، ولكن القيود الفعلية هي نتاج أعراف اجتماعية متوارثة ضاربة في القِدم، تكاد لا تخلو أي حضارة أو ثقافة منها، مهما حاولت بعض المجتمعات التخفف من حدتها أو معالجتها بإصلاحات قانونية أو ما شابه من تشريعات، ولكن الأعراف تظل أكثر قوة وتأثيراً.
«القدس العربي»: