سفير أمريكي سابق: تفكيك عمالقة التكنولوجيا الأمريكية يمنح الصين الأفضلية

سفير أمريكي سابق: تفكيك عمالقة التكنولوجيا الأمريكية يمنح الصين الأفضلية
واشنطن: في ظل تصاعد التنافس التكنولوجي العالمي، يهدد تفكيك الشركات الأمريكية الكبرى بداعي مكافحة الاحتكار، بتقويض الريادة الأمريكية ومنح الصين فرصة لتصدر المشهد التقني. ويقول السفير روبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق ورئيس شركة “أمريكان جلوبال ستراتيجيز”، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست إنه يجب على الولايات المتحدة أن تحافظ على قدرة أعظم شركاتها التكنولوجية على المنافسة على الساحة العالمية.
وبدأت لجنة التجارة الاتحادية، التي تعد جزءا من إرث الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، محاكمتها لمكافحة الاحتكار ضد شركة “ميتا”. والآن، يلوح في الأفق شبح تفكيك الشركة، لا سيما من خلال إجبارها على بيع تطبيقي “إنستغرام” و”واتساب”. ويقول أوبراين إنه على الرغم من أن الهدف المعلن لهذه الإجراءات هو الحد من الممارسات الاحتكارية وتعزيز المنافسة، فإن نهج اللجنة يهدد بتقويض الأمن القومي الأمريكي وقوة الاقتصاد والريادة التكنولوجية للبلاد على المستوى العالمي.
على الرغم من أن الهدف المعلن لهذه الإجراءات هو الحد من الممارسات الاحتكارية وتعزيز المنافسة، فإن نهج اللجنة يهدد بتقويض الأمن القومي الأمريكي وقوة الاقتصاد والريادة التكنولوجية للبلاد
ويرى أوبراين أنه في وقت تخوض فيه الولايات المتحدة منافسة شرسة مع الصين من أجل التفوق التكنولوجي، سيكون تفكيك واحدة من أنجح الشركات الأمريكية المبتكرة بمثابة نصر استراتيجي لبكين. علاوة على ذلك، فإن مثل هذه الخطوة تتعارض مع جدول أعمال الرئيس دونالد ترامب التجاري، الذي يركز على تعزيز صمود الاقتصاد الأمريكي. لذا، يجب على لجنة التجارة الاتحادية إعادة النظر في استراتيجيتها قبل أن تلحق ضررا دائما بالولايات المتحدة.
وتعد “ميتا”، المالكة لمجموعة من التطبيقات مثل “فيسبوك” و”إنستغرام” و”واتساب”، من أبرز الشركات المبتكرة في أمريكا. وتخدم هذه المنصات مجتمعة مليارات المستخدمين حول العالم، وتوفر وسائل تواصل غير مسبوقة، إلى جانب مساهمتها في التجارة والتأثير الثقافي. وازدهر تطبيق “إنستغرام”، الذي استحوذت عليه الشركة في عام 2012 مقابل مليار دولار، وكذلك “واتساب”، الذي اشترته في عام 2014 مقابل 19 مليار دولار، تحت إدارة “ميتا”.
وتعد المنافسة التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين السباق العلمي الأهم في عصرنا، حيث تتوقف عليها مسألة الأمن القومي الأمريكي. وعلى عكس الصين، التي تعتمد على مؤسسات مملوكة للدولة ومشاريع بحثية حكومية ضخمة، تعتمد الولايات المتحدة بشكل شبه كامل على شركات القطاع الخاص لمواكبة هذا السباق.
وتعد شركات التكنولوجيا الأمريكية الرائدة، مثل “ميتا”، أساسية في الحفاظ على تفوق الولايات المتحدة في تطوير تقنيات المستقبل، في الوقت الذي تستثمر فيه الصين بشكل نشط للغاية لتجاوز الولايات المتحدة. ويقول أوبراين إن إجبار “ميتا” على بيع “إنستغرام” و”واتساب” سيؤدي إلى تفكيك نطاقها العالمي، ويمنح المؤسسات الصينية المملوكة للدولة، بل وحتى شركاتها “العامة” مثل “بايت دانس” و”تينسنت”، ميزة حاسمة.
وتتمتع هذه الشركات الخاضعة لسيطرة الحزب الشيوعي الصيني بدعم حكومي ولا تواجه تفكيكا قسريا، ما يمكنها من الهيمنة على الأسواق العالمية، تاركة الولايات المتحدة متأخرة في مجالي الابتكار والتأثير. ويقول أوبراين إن “منصات ميتا ليست مجرد شبكات تواصل اجتماعي، بل تعد بنية تحتية حيوية للبحث والتطوير، ووسيلة لنشر القيم الأمريكية في مواجهة النظام التكنولوجي السلطوي الصيني”.
تفكيك “ميتا” سيرسل إشارة إلى العالم مفادها أن شركات التكنولوجيا الأمريكية باتت أهدافا حتى داخل بلادها. وهذا من شأنه أن يشجع على فرض تنظيمات أكثر صرامة في الخارج
كما أن تفكيك “ميتا” سيرسل إشارة إلى العالم مفادها أن شركات التكنولوجيا الأمريكية باتت أهدافا حتى داخل بلادها. وهذا من شأنه أن يشجع على فرض تنظيمات أكثر صرامة في الخارج، مثل ضرائب الخدمات الرقمية، ومتطلبات الكشف القسري عن البيانات، الأمر الذي سيستنزف موارد شركات التكنولوجيا الأمريكية، وليس “ميتا” فقط. وسوف يسفر انتشار الضرائب والتنظيمات والغرامات المتعلقة بمكافحة الاحتكار عن عرقلة قدرة أمريكا على الابتكار، حيث تؤدي خسائر الإيرادات الناتجة عن التفكيك والعقوبات إلى تقليص الاستثمارات في التقنيات الحيوية. وسيتباطأ البحث والتطوير واسع النطاق في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي الذي يشغل أنظمة الدفاع، والتقنيات الكمية التي تؤمن الاتصالات، وشبكات الجيل الخامس التي تدعم الصمود الاقتصادي والعسكري.
ويقول أوبراين إن المسؤولين الموروثين من إدارة بايدن في لجنة التجارة الاتحادية، من خلال سعيهم لتفكيك شركة “ميتا”، يبعثون برسالة واضحة إلى نظرائهم من المنظمين العالميين في بروكسل وأماكن أخرى مفادها أن هذا بمثابة “موسم مفتوح” ضد أكبر الشركات الأمريكية. هذا النهج يهين سياسة “أمريكا أولا” التجارية التي تبناها الرئيس ترامب، عبر توجيه رسالة إلى الاتحاد الأوروبي، مثلا، بأن أي خسائر تتكبدونها نتيجة الرسوم الجمركية الأمريكية المرتفعة يمكن تعويضها ببساطة من “الجيب الآخر للعم سام” من خلال ملاحقة شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى عبر قضايا مكافحة الاحتكار.
في المقابل، سيمضي عمالقة التكنولوجيا في الصين قدما دون قيود مماثلة، مستحوذين على الأسواق ومحددين للمعايير التقنية على المستوى العالمي. وستتقدم التطبيقات الصينية مثل “وي تشات” و”دوين” لتتصدر المشهد العالمي. أما الاتحاد الأوروبي وغيره من الجهات التنظيمية، فإنهم لا يحاولون التدخل في شؤون الشركات الصينية لأن الحزب الشيوعي الصيني لا يسمح بمثل هذا التدخل.
ويزعم مؤيدو تفكيك “ميتا” أن حجمها الضخم يخنق المنافسة، إلا أن هذا الادعاء يتجاهل السياق الأوسع. فالساحة التكنولوجية ليست لعبة صفرية محصورة داخل حدود الولايات المتحدة، بل هي ساحة معركة عالمية. ولم تذبل “إنستجرام” و”واتساب” تحت إدارة “ميتا”، بل ازدهرتا وتفوقتا على منافسيهما وابتكرتا على نطاق واسع. وحتى المنافسون الأصغر مثل سنابشات وسيجنال وتليجرام موجودون وينمون أيضا. أما تيك توك الصيني، فهو عملاق بحد ذاته، ما يثبت أن حجم “ميتا” لا يعوق وجود سوق ديناميكية. إن التهديد الحقيقي للمنافسة ليس في تكامل “ميتا”، بل في عمالقة التكنولوجيا الصينيين المدعومين من الدولة، والذين لا يواجهون أي رقابة من حيث مكافحة الاحتكار، ويعملون عالميا دون محاسبة.
ويرى أوبرايت أن هذا التفكيك العقابي للقيادة التكنولوجية الأمريكية لا يشبه تفكيك شركة “بيل” في السبعينيات، الذي يحلم به بعض البيروقراطيين في لجنة التجارة الاتحادية. بل هو استراتيجية خاطئة ستؤدي إلى خسارة الولايات المتحدة لسباق التكنولوجيا أمام أعظم خصومها. ويجب على الولايات المتحدة أن تحافظ على قدرة شركاتها التكنولوجية الرائدة على المنافسة عالميا. ومن أجل الأمن القومي، والحيوية الاقتصادية، وتنفيذ أجندة “أمريكا أولا” التي تبناها ترامب، ينبغي على لجنة التجارة الاتحادية أن تتخلى عن حملة التفكيك هذه. ويخلص أوبراين إلى أن “قيادة الولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا هي مصدر قوتها، فلنحافظ عليها ولا نبددها”.
(د ب أ)