ثقافة وفنون

المرأة التي قالت لـ(هتلر) لا… ثمن الخروج عن القطيع

المرأة التي قالت لـ(هتلر) لا… ثمن الخروج عن القطيع

محمد عبد الرحيم

كاتب مصري

القاهرة ـ  «من المؤكد أنه من واجبنا الوطني نحن الأساقفة، أن نعلن ولاءنا للرايخ الألماني كألمان، ونتوقع من جميع المسيحيين المؤمنين أن يدركوا ما يدينون به لشعبهم» (أساقفة المقاطعة الكنسيّة النمساوية) 18 مارس/آذار 1938.
«دعونا ننحني أمام ربنا الإله، نشكره على عطائه لنا القائد، ولتكن صلاتنا الصباحية ليوم الأحد المقبل.. نشكر الفوهرر. نعم بالإجماع. يحيا هتلر». (رئيس الحزب النازي لمنطقة باد آوسيه) 9 أبريل/نيسان 1938.
«شهد مركز الاقتراع في فندق بيرندل إدلاء 1012 صوتا، منها 1011 بـ(نعم)، وصوت واحد بـ(لا) يحمل في طياته صدمة الجماعة».
كان هذا الصوت لفتاة في الواحدة والعشرين من عمرها، تدعى ماريا هايم كوسلر (1917 ــ 1986)، الصوت الذي أفسد الإجماع الذي تاق إليه هتلر في استفتاء هزلي لضم النمسا إلى الرايخ الألماني. فتاة وحيدة عاشت العزلة حتى موتها، وقد أطلق عليها أهل بلدتها.. (الريفية البلهاء).

قالت لا
«المرأة التي قالت لهتلر لا» عنوان كتاب الباحث والكاتب الألماني وولفجانج مارتن روث، الذي من خلاله يحاول كتابة سيرة ـ شبه متخيَّلة ـ لماريا هايم كوسلر الفتاة التي أنكرها الجميع نظراً لموقفها المخالف لهم، والتي رفضت ضم هتلر لبلدها (النمسا)، هذا القرار الذي كان سبباً في نشوب الحرب العالمية الثانية. تمت مناقشة الكتاب وصاحبه من خلال ندوة أقيمت ضمن فعاليات (مُلتقى القاهرة الأدبي) في نسخته السابعة، قدمتها وأدارتها مترجمة الكتاب إشراقة مصطفى.

الترجمة
تُرجع المترجمة سبب اهتمامها بالكتاب وترجمته إلى فكرة النساء المنسيات عبر التاريخ، باختلاف الأسباب، وترى أن الأمر لا يقتصر على بلادنا العربية، بل يمتد لكل بلاد العالم. كذلك فحالة ماريا هايم تتشابه وكل تاريخ النساء المطمور والمنسي، كحالة الأميرة مندي بنت السلطان عجبنا، التي حاربت الاستعمار البريطاني لبلدها السودان في بدايات القرن العشرين. فالتاريخ دوماً تكتبه السلطة، وفق مصلحتها، فما الحال والبطولة لامرأة؟

الكتابة


وبسؤال المؤلف عن أسباب الكتابة عن المرأة المنسية التي أحيتها مخيلته؟ يذكر، أنه يسكن في منطقة في النمسا قريبة من مكان سكن ماريا هايم، هذا المكان الذي كان معقل للنازية وقتها، وقد عرف بشأن المرأة الرافضة للاستفتاء على ضم هتلر للنمسا، وحاول البحث عنها في الصحف والوثائق القديمة، فالموضوع لم يفارق ذاكرته. كما أنه وبسبب تصويتها بـ(لا)، حدث لها تمييز في مجتمعها رافقها حتى موتها، فالحدث الذي امتلكت الشجاعة في رفضه، غيّر حياتها وحياة بلدها إلى وقت طويل. فهذه الـ(لا) جعلت بلدتها لم تحظ بشرف الإجماع على العيش في ظِل الفوهرر، وبالتالي ألحقت بجيرانها العار إلى الأبد. فما كان منهم إلا رؤيتها كمختلة، تعاني من الاضطراب النفسي. وربما جاء الإجماع فقط من جعلها منبوذة طوال حياتها، كانتقام أقسى من التخلص منها، وكإثبات دائم ـ كالعادة ـ بأن القطيع على حق.

التجربة
يرى المؤلف أن قِلة المعلومات والمصادر، وبالتالي اختيارات الكتابة، كان السبب في اختيار الشكل الروائي والتوثيقي في الوقت نفسه. ومن قراءة الكتاب تبدو أن التجربة هي التي قادت المؤلف إلى انتهاج الشكل الروائي، كإطار يسرد من خلاله توثيق حياة تلك المرأة المنسية، التي استحضرها وأحيى ذكراها ووجودها الكاتب. فالمرأة حتى موتها عام 1986 في دار للمسنين، تم نزع شاهد قبرها، ودُفنت جوار شقيقتها! إلا أنه تمت إضافة الشاهد مرّة أخرى بعد نشر الكتاب عام 2017 ــ وكأنه احتفاء بمئوية ميلادها ــ وإقامة العديد من الندوات والمناقشات حول هذه المرأة التي وصفت وقتها بـ(البلاهة) حتى يتم إقصاء وجودها تماماً من تاريخ بلدتها (ألتاوسي). فأقاموا لها النصب التذكاري واللوحات، وحتى المقطوعات الموسيقية، وتمجيد موقفها في برنامج تلفزيوني.
إلا أن فكرة الرفض نفسها وتحمّل مسؤولية هذا الموقف هو ما حفز الكاتب لسرد سيرتها، ومحاولته التماس معها ورد الاعتبار لها، خاصة أنه تورّط بدوره ـ كطفل ـ للسير في ركاب القطيع. فالأمر أشبه بمراجعة للذات أيقظه موقف (الرافضة) كما كان يطلق عليها أهل بلدتها في سخرية واستهزاء.

وأنت؟
وإن كان الحدث تاريخياً، والمرأة في عِداد المرحومات، إلا أن موقفها يعد اختباراً حياً يتكرر دوماً من الصعب اجتيازه، وهو ما عبّر عنه الكاتب في نهاية الكتاب .. «في النهاية، نحن جميعاً أصبحنا أكثر حكمة، ندين بعد فوات الآوان أولئك الذين صوّتوا بـ(نعم). ماذا عنك؟ هل كنت ستصوّت بـ(لا)؟»

«القدس العربي» :

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب