ثقافة وفنون

ختام مهرجان كان: الدورة الأقوى منذ سنوات

ختام مهرجان كان: الدورة الأقوى منذ سنوات

شفيق طبارة

لا شك في أنّ «مهرجان كان» هذه السنة هو الأقوى والأهم منذ سنوات: حظيت أفلام المسابقة الرسمية بإعجاب الجميع ما عدا فيلمين أو ثلاثة.

جعفر بناهي متوّجاً بـ «السعفة»

اختتمت النسخة الثامنة والسبعون أمس بأكبر لحظة سياسية، حين تسلم المخرج الإيراني جعفر بناهي جائزة السعفة الذهبية عن فيلم «لقد كان مجرد حادث» المستوحى من فترة سجنه.

أرسلت لجنة التحكيم إشارة سياسية قوية بتتويج بناهي، الذي سُجن مرتين في إيران. فيلمه الروائي، الذي صوّر سراً في إيران، هو قصة أخلاقية تتناول معضلة السجناء السابقين الذين يغريهم الانتقام من جلادهم.

خلال تسلم الجائزة قال بناهي: «هذه هي اللحظة المناسبة لنسأل جميع الإيرانيين وجميع العالم: دعونا نضع جميع المشاكل والاختلافات جانباً، فالأهم هو بلدنا وحريته. لنصل معاً إلى تلك اللحظة التي لا يجرؤ فيها أحد على أن يُملي علينا ما يجب أن نُضمّنه بالكامل، وما يجب أن نقوله، وما يجب ألا نفعله… السينما مجتمع. لا يحق لأحد أن يُملي علينا ما يجب أن نفعله، وما يجب ألا نفعله».

  • فيلم «لقد كان مجرد حادث» مستوحى من فترة سجن جعفر بناهي
    فيلم «لقد كان مجرد حادث» مستوحى من فترة سجن جعفر بناهي

فوز سياسي؟

فوز بناهي بالجائزة، يعطي معنى سياسياً كبيراً للمهرجان، تماماً كما في العالم الماضي، عند تواجد المخرج الإيراني محمد رسول لتقديم فيلمه «بذرة التين المقدس» ومغادرة بلاده إلى الأبد. وهنا على الرغم من أحقية الجائزة لمخرج كبير مثل بناهي، لكن كانت هناك في المسابقة أفلام سينمائية فنياً أفضل (مثل فيلم «قيمة عاطفية» أو «العميل السرّي»)، ولكن في الوقت نفسه ما معنى للسينما إذا لم يكن لديها موقف، إن لم تكن متطرفة، إن لم تكن جريئة، وإن لم تصفع من يحاول إسكاتها؟!

انقطاع الكهرباء

سيسجّل اليوم الأخير من «مهرجان كان السينمائي» في التاريخ بلا شك، ليس بسبب الجوائز أو الفيلم الفائز، بل بسبب ما حصل خلال النهار.

شهدت مدينة كان والمناطق المحيطة بها انقطاعاً واسع النطاق للتيار الكهربائي صباح السبت، قبل ساعات فقط من احتفال الختام.

كانت الآثار فورية، أظلمت إشارات المرور، فوضى في الشوارع، وأغلقت المتاجر أو تحولت إلى الدفع النقدي فقط، وانقطعت الاتصالات، توقفت عروض الأفلام في الصالات، خاصة صالات «سينيوم»، وخرج المتفرجون منها إلى الطرقات.

السبب هو ضربة مزدوجة لشبكة الكهرباء، حريق متعمّد مشتبه به في محطة فرعية عالية الجهد في تانيرون خلال الليل، أعقبه انهيار برج على خط نقل رئيسي في وقت لاحق من الصباح.

سارعت فرق الطوارئ إلى الاستجابة، وتعاملت سبع سيارات إطفاء و20 رجل إطفاء مع الحريق، الذي تمت السيطرة عليه بحلول الساعة السابعة صباحاً.

للأسف، كان الضرر قد أدى بالفعل إلى زعزعة استقرار الشبكة، وأعطال متتالية بعد ساعات قليلة، منذ الساعة العاشرة صباحاً حتى الثالثة بعد الظهر.

مع ذلك، العرض يجب أن يستمر، لم يتسبّب الانقطاع إلا في حدوث خلل طفيف في قصر المهرجان، إذ بدأت المولدات في العمل لاستعادة الطاقة. وخلال فترة الانقطاع في كان كلها إلا في القصر، أكد المنظمون أن الاحتفال سيقام كما هو مخطط له، حيث يعمل القصر بمقدر طاقة مستقل.

أفلام المسابقة الرسمية والجوائز

منذ انطلاقته، امتلأ «مهرجان كان» بعوالم تسكنها الاشباح، كما لو كانت أحلاماً أو صوراً من الماضي تشكّلت لتحذّرنا من أنها لا تزال موجودة.

تسكن هذه الاشباح منازل العديد من الأفلام التي عُرضت، من المزرعة في الفيلم الألماني «صوت السقوط» (جائزة التحكيم الأولى)، أو المبنى السكني في «روميريا» للمخرجة كارلا سيمون، أو في منزل العائلة في فيلم «قيمة عاطفية» (الجائزة الكبرى ليواكيم ترير)، أو حتى قليلاً في شخصية فوكي في فيلم «رينوار» للمخرجة هاياكاوا شي.

كما لم يسبق أن عانى هذا العدد الكبير من الشخصيات السينمائية في مهرجان بصعوبة في التنفس أو الشعور بالضيق المفاجئ، ونوبات قلق وذعر، ونوبات ربو، والتهاب الجهاز التنفسي. ولأسباب عديدة، منها الاكتئاب الذي يلي الولادة في فيلم «متّ يا حبيبي» للينّ رامزي، والقمع الأسري في فيلم «صوت السقوط»، والارث المؤلم الذي ورثناه من أسلافنا في «قيمة عاطفية».

وفي مقطع من فيلم «إدنغتون» لآري أستر، تتظاهر مجموعة من الشباب «المُستيقظين» في الشوارع وهم يهتفون «لا أستطيع التنفس»، الكلمات الأخيرة لجورد فلويد، وبجانبهم يمسك واكين فينيكس، شريف المدينة بجهاز استنشاق فينتولين باستمرار.

  • فيلم «متّ يا حبيبي» للينّ رامزي
    فيلم «متّ يا حبيبي» للينّ رامزي

عنف اجتماعي وجسدي

كما أنّ العنف الاجتماعي والجسدي في الأنظمة السياسية والديكتاتورية كان له حصة كبيرة، في أفلام مثل «لقد كان حادث» لبناهي و«مدعيان عامان» للأوكراني سيرجي لوزنيتسا، و«العميل السرّي» (أفضل مخرج وأفضل ممثل واغنر مورا) للبرازيلي كليبر ميندونسا فيلهو. وطبعاً عنف الشرطة ضد المتظاهرين خاصة «السترات الصفر» الفرنسية في فيلم «الملف 137».

أطراف بشرية مشوّهة

وفوق كلّ هذا، حملت أفلام هذه السنة عدداً كبيراً من الأطراف البشرية المشوهة أو المقطوعة. يبدأ كلّ شيء بطبيبة شرعية تستخرج ساقاً بشرية من معدة سمكة قرش في فيلم «العميل السري». وفي «صوت السقوط» تبتر أرجل الشباب من قبل أهاليهم لتجنيبهم الذهاب إلى الحرب. كما أن في فيلم بناهي، رجل النظام لديه رجل مبتورة، يرعب صوتها على الارض كل من يسمعه. وفي فيلم «صراط» (جائزة التحكيم الثانية) العودة العظيمة للمخرج أوليفر لاكش، هناك عدد كبير من الأطراف المبتورة.

  • نال فيلم «صراط» جائزة التحكيم الثانية
    نال فيلم «صراط» جائزة التحكيم الثانية

بلسم عاطفي

في مواجهة كلّ هذا الألم، سعت حفنة من الأفلام إلى أن تكون بمثابة بلسم، دواء عاطفي، بلا شك دواء وهمي. سينما لا تشفي، بالطبع، لكنها ربما تُهدئ، مثلما كانت شخصية فوكي في «رينوار»، أو فيلم الأخوين داردين «أمهات شابات» (أفضل سيناريو)، الذي ينتهي بتفاؤل كبير، وطبعاً فيلم لينكيلتر «الموجة الجديدة»، الذي أعادنا إلى بداية ظهور الموجة الفرنسية الجديدة مع غودار وتروفو وغيرهم الكثير.

كان هناك أيضاً بعض خيبات الأمل، «تاريخ الصوت»، قصة الحب هذه بين شابين يحبان الموسيقى، كانت مفتقدة إلى العاطفة، لا القصة ولا طريقة استخدام الموسيقى تعملان بشكل جيد. كما لا يوجد أي انسجام بين بول ماسكال وجون أوكونور.

كما أن فيلم آري استر «أدنغتون»، كان مخيباً على الرغم من أنه يرسم الخطوط العريضة لنظام اجتماعي أميركي جديد يتميز بهستيريا جماعية في أعقاب تفشي كوفيد، وتُفهم هنا على أنها البداية الحاسمة لانهيار الغرب.

  • حاز «قيمة عاطفية» الجائزة الكبرى ليواكيم ترير
    حاز «قيمة عاطفية» الجائزة الكبرى ليواكيم ترير

كما أثار فيلم «القيامة» (جائزة خاصة) للمخرج الصيني بي جان حماساً سينمائياً مفهوماً، لأنه رحلة عبر تاريخ السينما من خلال أحلام شخصية وحشية. على مدار 160 دقيقة، يسافر المشاهد عبر قرن من السينما من خلال أنواع وتقنيات ولغات سينمائية مختلفة. يُعد عرض بي جان (35 عاماً!) من تلك الولائم التي يصعب استيعابها في جلسة واحدة. ورحلته من بدايات السينما إلى نهاية عام 1999 تُمثل ثروة سردية مستوحاة من الماضي لكنها تتطلع إلى المستقبل.

لم تقدم الدورة الثامنة والسبعون من «مهرجان كان» أي روائع سينمائية، ولكن كانت هناك وفرة من الأفلام المحفزة، التي تفتح الحوار بشكل مباشر مع العالم غير الكامل والحيّ الذي نعيش فيه.

صورة صارحة للازمة العميقة

أفلام بمثابة صورة صارخة للازمة العميقة للشأن العام والخاص الاجتماعي والسياسي، في عوالم تهيمن عليها الفوضى وينهار كلّ شيء. عالم تتحجر فيه الاجساد وتتحول إلى غبار مثل ما يحدث في فيلم «ألفا» لجوليا دوكارنو. ولكن، رغم هذا، هناك تأمل في هذا الألم الذي ينتقل من جيل إلى آخر، ويفتح آفاقاً جديدة من خلال الفن والسينما والحبّ، كما تفتح هذه الأفلام كلّها إمكانية المصالحة مع الفرد والمجتمع، مهما كانت ضئيلة.

  • فيلم الأخوين داردين «أمهات شابات» نال جائزة أفضل سيناريو
    فيلم الأخوين داردين «أمهات شابات» نال جائزة أفضل سيناريو

السعفة الذهبية

يتناول فيلم جعفر بناهي، المليء بجرعات متساوية من الفكاهة العبثية والغضب، خمس شخصيات تعتقد أنها تعرفت على من عذبها أثناء اعتقالها. لكن نظراً إلى أنّها جميعاً كانت معصوبة الأعين في السجن، لا يمكن لها الجزم تماماً بأن أسيرها هو الرجل نفسه.

من هذه البداية، التي تهيمن عليها الصدف والاندفاع، يكتسب الفيلم كثافة متزايدة، وتقلبات، وأبعاداً جديدة في فيلم إثارة يتضمن معضلات أخلاقية حول كيفية التعامل مع الماضي ومع الجلاد.

ترفع قصة فيلم «لقد كان مجرد حادث» المعضلات الأخلاقية إلى ابعد الحدود، فهو ليس مجرد فيلم إدانة للنظام الإيراني، بل مواجهة مباشرة معه. هو استكشاف قاس للمآسي والتناقضات والقلق التي تتآكل روح إيران المعاصرة، كما يرويها فنان فريد وذكي وموهوب، والذي من الداخل (بعدما تحمّل أشد الضغوط) يواصل التحقيق والاستفزاز والتحرك والتصوير. علماً أنّ السلطات منعته من التنقل وممارسة فنه منذ عام 2009.

  • «العميل السرّي» نال جائزتي أفضل مخرج وأفضل ممثل لواغنر مورا
    «العميل السرّي» نال جائزتي أفضل مخرج وأفضل ممثل لواغنر مورا

كان جعفر بناهي، تلميذ عباس كياروستامي. احتفظ من أستاذه بهذا الفن الدقيق للإخراج الذي يهدف إلى التشكيك باستمرار في المظاهر الزائفة للواقع.

سينما متنقلة ذات أفق مُسيطر، لا وجهة نظر فيها. أحد الموضوعات التي تدور في فيلموغرافيا بناهي، وإن بشكل عرضي، هو الطريقة التي يتقلّب بها العنف تحت سطح المجتمع الإيراني. تتركنا اللقطة الأخيرة من الفيلم عاجزين عن الكلام، لأنّ الشر موجود هناك، أمامنا، خلفنا، بداخلنا.

للعرب حصة

بعد مشاركة الافلام العربية في جميع مسابقات «مهرجان كان» تقريباً، خرجت بأربع جوائز.

جائزة أفضل ممثلة لناديا ميلاتي في فيلم «أختي الصغيرة» للمخرجة حفصية حرزي. وجائزة الجمهور في «أسبوعي المخرجين» للفيلم العراقي «كعكة الرئيس» (الكاميرا الذهبية لأفضل أول فيلم) لحسن الهادي. تدور قصة الفيلم، حول لمياء، ذات التسعة أعوام، التي تواجه «يوم السحب» في المدرسة، وهو طقس يُختار فيه الطلاب للمشاركة في احتفالات إلزامية بعيد ميلاد صدام حسين.

تشارك جدتها النشيطة، بيبي، أساليب ذكية لمساعدتها على تجنب الاختيار. ولكن عندما تختارها معلمتها الصارمة لأداء الدور الأكثر رعباً، خبز كعكة عيد ميلاد الرئيس، قد يكون لرفضها عواقب وخيمة.

  • نال طرزان وعرب ناصر جائزة أفضل مخرج في «نظرة ما» عن فيلمهما «حدث ذات مرة في غزة»
    نال طرزان وعرب ناصر جائزة أفضل مخرج في «نظرة ما» عن فيلمهما «حدث ذات مرة في غزة»

فلسطين تفوز

والجائزة الثانية، أفضل مخرج في مسابقة «نظرة ما» من نصيب المخرجين الفلسطينيين طرزان وعرب ناصر وفيلمهما «حدث ذات مرة في غزة»، الذي تدور احداثه عام 2007.

يحيى، الطالب الحالم، يصادق أسامة، تاجر المخدرات الكاريزمي ذا القلب الكبير.

يؤسسان شبكة لتهريب المخدرات، مخفيةً في متجرهما المتواضع للفلافل. لكنهما يلتقيان بضابط شرطة فاسد يأتي لإحباط خطتهما. ومن فلسطين أيضاً جائزة السعفة الذهبية لأفضل فيلم قصير من نصيب فيلم «أنا سعيد لأنك ميت الآن» للمخرج الفلسطيني توفيق برهوم، من بطولة أشرف برهوم.

الاخبار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب