التهريب وتصاعد نشاط «الدولة»: التحدي الأمني يهدد استقرار سوريا

التهريب وتصاعد نشاط «الدولة»: التحدي الأمني يهدد استقرار سوريا
منهل باريش
يثير تنامي نشاط تنظيم «الدولة» قلقًا متزايدًا، حيث أظهر التنظيم قدرة على الانتقال من البادية السورية إلى الحواضر المدنية، وساهم ضعف الأجهزة الأمنية في تسهيل هذا التحول.
قُتل عنصران من الجيش السوري على يد الحرس الروسي في قاعدة حميميم العسكرية بعد هجومهما على القاعدة. ووفقًا لمصدر أمني سوري، نقلت القوات الروسية جثتي القتيلين إلى داخل المطار العسكري، الذي يُعدّ مقرًا لقيادة القوات الروسية العاملة في سوريا. ورفضت القوات الروسية تسليم الجثتين إلى جهاز الأمن العام حتى مساء الجمعة.
وكشفت صحيفة «القدس العربي» هوية أحد المهاجمين، وهو الشاب عمار مصطفى الحسن «الحركوش»، المنحدر من مدينة السفيرة بريف حلب الشرقي. يُشار إليه أيضًا بلقبَي «أبو بكر الأنصاري» أو «أبو بكر السفراني». وعلى عكس ما أوردته بعض الوكالات الإخبارية، فإن القتيل كان عنصرا عاديا في الجيش السوري، وليس مدربا في الكلية البحرية على الساحل السوري. كما تبين أنه كان منضمًا سابقًا إلى حركة «أحرار الشام» الإسلامية، قبل أن ينضم إلى الجناح العسكري لهيئة «تحرير الشام» قبيل معركة «ردع العدوان».
وعلمت «القدس العربي» بأن ثلاثة مهاجمين، بينهم مقاتل مصري الجنسية، تسللوا عبر حواجز الأمن العام في المنطقة، واستهدفوا أحد مهاجع الحرس الروسي على أطراف المطار. ردت القوات الروسية على مصادر النيران، فقتلت إثنين من المهاجمين، بينما لا يزال مصير الثالث مجهولًا. وخوفًا من هجوم أوسع، استنفرت القوات الروسية قواتها، ووضعت مقاتلاتها الجوية في حالة تأهب قصوى، مع تشويش إلكتروني على الترددات اللاسلكية لقطع الاتصال بين المهاجمين ومنع استخدام طائرات مسيرة في هجوم محتمل.
مؤشرات مقلقة
لنشاط تنظيم «الدولة»
على الصعيد الأمني، أعربت إدارة الأمن العام عن قلقها من نشاط محتمل لتنظيم «الدولة» في عدة مناطق، مركزة تحذيراتها على أقسامها في محافظة حلب، خاصة مدينتي الباب وأعزاز.
وأشار تحذير الأمن العام إلى أن خلايا التنظيم تعمل على «رصد مواقع عسكرية وأمنية تابعة للجيش السوري وإدارة الأمن العام، بهدف تنفيذ عمليات نوعية». ودعت الإدارة جميع العناصر العسكرية والأمنية، بما في ذلك الاحتياط، إلى «رفع الجاهزية الأمنية، واتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر، وتكثيف عمليات الرصد والتفتيش، خاصة في محيط المواقع العسكرية والمقرات». كما شددت على ضرورة مراقبة محلات بيع الأسلحة، ومنع تداولها بشكل غير قانوني، واتخاذ إجراءات صارمة بحق المدنيين الذين يحملون أو يشهرون السلاح، وذلك حفاظًا على الأرواح والاستقرار.
في سياق متصل، شهدت مدينة حلب، الثلاثاء، أول اشتباك مباشر في قلب المدن السورية بين جهاز الأمن العام وخلايا تابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية». جاء ذلك خلال حملة أمنية لملاحقة خلايا التنظيم، حيث داهمت قوة خاصة من جهاز الأمن العام، بالتنسيق مع جهاز الاستخبارات العامة، خليتين تابعتين للتنظيم في حيي الحيدرية والجزماتي بمدينة حلب.
وواجهت عملية الدهم مقاومة من عناصر الخلية، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات عنيفة أسفرت عن مقتل عنصر من قوات الأمن العام وإصابة ثلاثة آخرين في حي الجزماتي، أحد الأحياء الشرقية للمدينة. وخلال العملية، فجر أحد عناصر التنظيم نفسه أثناء الاقتحام. وتمكنت القوات الأمنية من اعتقال ثلاثة أشخاص سوريي الجنسية، لم يكن بينهم أي أجنبي، وتم تحديد هوياتهم، وهم: إبراهيم القاسم، الملقب «أبو إسراء»، من دير حافر بريف حلب الشرقي؛ ومحمد المصطفى، الملقب «أبو حميد»، من طعانة أخترين بريف حلب الشمالي؛ وأسامة الحمد، الملقب «أبو عبد الرحمن»، من دير الزور.
وواصلت دوريات الأمن ملاحقة عناصر مشتبه بهم، وفتشت منازل مجاورة وأخرى يُشتبه بأنها تأوي عناصر إضافيين من التنظيم.
في إدلب، يُعتبر جهاز الأمن العام الأكثر فعالية وسرعة استجابة مقارنة بالمناطق السورية الأخرى، بفضل بنيته التنظيمية القوية وعلاقاته المحلية المتينة. هذه العوامل ساهمت في تقليص الانتهاكات الأمنية، بما في ذلك عمليات السطو والجريمة المنظمة، بشكل ملحوظ مقارنة بمدن مركزية مثل دمشق وحلب، أو مناطق الساحل ذات الغالبية العلوية.
في هذا السياق، يُفسر التحرك السريع للقوات الأمنية في إدلب بنجاحها في التصدي لعدة حوادث، أبرزها مقتل عنصر من وزارة الدفاع في كمين نصبه تنظيم «الدولة» بمنطقة مدايا بريف خان شيخون الشرقي، استهدف عنصرا في وزارة الدفاع. كما تعرضت وحدات من الجيش الجديد لكمين سابق في منطقة قريبة شمال خان شيخون، على الطريق بين بلدتي معرة حرمة والشيخ مصطفى، أسفر عن مقتل عنصرين عسكريين. هذه الحادثة دفعت جهاز الأمن العام إلى تكثيف جهوده لتعقب خلايا مشتبه بانتمائها إلى تنظيم «الدولة».
وفي سياق متصل، أعلنت وزارة الداخلية السورية، في وقت سابق من هذا العام، إحباط محاولة تفجير كبيرة قرب مقام السيدة زينب جنوبي دمشق. وتزامن ذلك مع مخاوف من هجوم واسع النطاق للتنظيم على دمشق خلال عيد الفطر، حيث حذرت بعثات دبلوماسية غربية رعاياها من هجمات محتملة تستهدف الأسواق، المطاعم، والمساجد خلال صلاة العيد.
شبكات موالية
لإيران في مرمى الأمن العام
في سياق متصل، تواصل الخلايا الأمنية الموالية لإيران في شرق سوريا محاولات نقل السلاح باتجاه لبنان بدون توقف، وتسعى إدارة حرس الحدود لإحباط مختلف العمليات سواء تلك القادمة عبر الحدود أو المخزنة في مستودعات سرية في شرق سوريا ومناطق التهريب النشط في تل كلخ والقصير والقلمون وريف دمشق الغربي.
وأعلن جهاز الأمن العام في البوكمال عن ضبط شحنتي أسلحة، إحداهما قادمة من العراق إلى لبنان عبر الأراضي السورية، والأخرى متجهة إلى الساحل السوري. وقال مدير أمن البوكمال إن قواته تعمل على «تأمين الحدود السورية-العراقية الطويلة والمعقدة»، مشيرًا إلى وجود قنوات تنسيق مع الجانب العراقي، لكنها «تعاني تأخيرًا بسبب الظروف السياسية».
وفي سياق جهود مكافحة التهريب، هاجم جهاز الأمن العام شبكة تهريب أسلحة ومخدرات يقودها حسين العلي الجغيفي، الملقب بـ«الحوت»، والمعروف بتبعيته لإيران في البوكمال. ونشرت إدارة الأمن العام تسجيلات مصورة تظهر اعتقال العلي وعددا من أبنائه وأفراد شبكته. وكشف مدير أمن البوكمال، مصطفى العلي، الأربعاء، عن العثور على 70 ألف حبة كبتاغون في منزل الجغيفي ببلدة الهري الحدودية، مؤكدًا استمرار عمليات البحث عن مستودعات أسلحة ومخدرات مخفية في المنطقة. كما نشرت الإدارة صورًا لصواريخ إيرانية مضادة للدروع، وصواريخ روسية المنشأ، إلى جانب أسلحة وذخائر متنوعة.
وتُعدّ الحدود السورية-اللبنانية، خاصة في منطقة عكار اللبنانية وتلكلخ السورية، من أخطر مناطق التهريب وأصعبها بسبب التداخل الجغرافي. حيث يعيق نهر الكبير الجنوبي، الذي يفصل الحدود، جهود الضبط الأمني، بينما تزيد الجغرافيا الجبلية في القلمون الغربي من تعقيد العمليات، بسبب امتداد سلسلة جبال لبنان الشرقية على طول الحدود من القصير إلى جبل الشيخ، ما يجعلها ممرًا تاريخيًا للتهريب بين البلدين.
ووفقًا لإحصاءات جهاز الأمن العام، يتم إحباط عملية تهريب كل يومين تقريبًا، ما يشير إلى حجم العمليات الناجحة التي يتمكن المهربون من خلالها من نقل الأسلحة إلى لبنان أو تهريب حبوب الكبتاغون إلى الداخل السوري. وخلال الأيام الأخيرة، كشفت القوات الأمنية ووزارة الدفاع عن إحباط شحنة أسلحة مضادة للدبابات، وأكثر من 100 كيلوغرام من مادة «تي إن تي» المتفجرة. وأظهرت صور متداولة مستودعًا لتجميع الأسلحة يحتوي على صواريخ إيرانية الصنع من طراز 107 ملم مع قاذفاتها.
وفي منتصف الشهر الجاري، اعترضت عناصر الأمن العام وفرقة حمص شحنة صواريخ أرض-أرض من نوع «غراد» المطورة (عيار 220 ملم)، وفقًا لتحليل الصور التي اطلعت عليها «القدس العربي». وفي القلمون الغربي، ضبطت القوات الحكومية السورية شحنة أسلحة وذخائر متجهة إلى لبنان عبر منطقة سرغايا، وأكدت مصادر في إدارة حرس الحدود اعتقال مهربين إثنين مع مصادرة شاحنتهم. وقبل هذه الحادثة، أحبط حرس الحدود عملية تهريب صواريخ «كورنيت» المضادة للدروع وقاذفة قنابل يدوية إيرانية الصنع.
تكشف الأحداث الأخيرة أن التحدي الأمني بات الهمّ الأبرز في سوريا بعد تخفيف العقوبات الدولية المفروضة على البلاد.
ويثير تنامي نشاط تنظيم «الدولة» قلقًا متزايدًا، حيث أظهر التنظيم قدرة على الانتقال من البادية السورية إلى الحواضر المدنية. وقد ساهم ضعف الأجهزة الأمنية في عدة مناطق، خاصة تلك التي كانت خارج سيطرة المعارضة قبل سقوط النظام، في تسهيل هذا التحول. ويبرز هذا الضعف بوضوح في الفجوات الأمنية التي سمحت للتنظيم بإعادة تنظيم خلاياه في المدن.
في الوقت ذاته، تظل مشكلة تهريب الأسلحة ونشاط الخلايا الموالية لإيران، مع احتمال اختراقها للأجهزة الأمنية السورية الجديدة، من أبرز العوائق التي تعرقل تحقيق الاستقرار. وتتركز هذه التحديات في المناطق الحدودية، سواء في غرب سوريا أو شرقها، حيث تستمر محاولات تهريب الأسلحة عبر الحدود مع لبنان والعراق، ما يهدد الأمن الإقليمي ويعقّد جهود إعادة بناء الدولة.