مقالات

هل انتهت الحرب؟

هل انتهت الحرب؟

رامي منصور

من المبكّر الحديث عن توازن الردع، فكلّ الأطراف ستعتبر نفسها انتصرت؛ إيران بصمودها، وإسرائيل بإزالة ما تسمّيه “الخطر الوجودي”، وأميركا بإخضاع إيران بقصف النووي…

كانت التقديرات، أمس الإثنين، أن الحرب الإسرائيلية العدوانية على إيران ذاهبة إلى نهايتها خلال ساعات أو أيام معدودة. فقد أعلم الإيرانيون، نظراءهم القطريين، أن طهران تعتزم استهداف قاعدة العديد بعدة صواريخ، علمًا بأنها أخليت منذ بداية الحرب.

كان اكتفاء طهران بهذا الرد الرمزي، ولو اعتبرته إستراتيجيًّا، مؤشرًا على رغبة إيرانية موازية لرغبة إسرائيل بإنهاء الحرب. فخشيت إسرائيل من الدخول في حرب استنزاف صاروخية مع إيران لعدة أسابيع أو أشهر، رغم تضرّر القدرات الصاروخية الإيرانية بفعل الضربات الإسرائيلية، لكن ظلّ بمقدور إيران توجيه عدد صغير من الصواريخ المدمّرة يوميًّا إلى المدن الإسرائيلية.

وبالنسبة إلى إسرائيل، فإنها حقّقت أكثر ممّا توقّعت، حيث أضرّت بالمشروع النووي الإيراني بشكل كبير على ما يبدو، بمشاركة الولايات المتحدة، وضرب مشروع الصواريخ البالستية الذي كان بمقدوره أن يصل إلى إنتاج آلاف الصواريخ خلال سنوات قليلة، وصولًا إلى صواريخ ذات قدرات نووية، وكذلك أعلنت أنها دمّرت أكثر من 60 في المئة من منصّات الإطلاق، كما صفّت القيادة العسكرية، واغتالت علماء نوويين مهمّين حتى لو كانوا متقاعدين. كما تعتبر أنّها زعزعت ثقة النظام بنفسه، وصولًا إلى خطر سقوطه، وأبقت طريقًا جويًّا مشرعًا للأجواء الإيرانية بعد تدمير الدفاعات الجوية.

أمّا إيران، فبنظرها، فقد حقّقت انتصارها ببقاء النظام وتماسكه والإبقاء على كمية كبيرة من اليورانيوم المخصّب بدرجة 60 في المئة، وواصلت استهداف المدن الإسرائيلية، وأثبتت قدرة كبيرة على الإيذاء حتى لو تضررت منصات إطلاق الصواريخ. فهذا نصر بالنسبة إليها. حافظت على الردع وتجنبت عدوانًا أميركيًّا أكبر وأقصى.

كذلك أرادت طهران وقف الحرب لأنها لم تكن هي المبادرة إليها، وليس من مصلحتها استمرارها، لأنها لا تستطيع خوض حرب طويلة كما في الحرب مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي، وهي واقعة تحت الحصار الطويل وبلا حلفاء حقيقيين قادرين على دعمها كما في الحرب مع العراق.

وإذا ما تمكّنت من الحفاظ على قدراتها العسكرية وجيشها وحرس ثورتها، فهذا يعني أنها تتجنّب مصير صدام حسين، الذي جرّدته الولايات المتحدة من قدراته العسكرية وجيشه في الحرب عام 1991، وحاصرته وجوّعت العراق، فأضعفته داخليًّا، وصولًا إلى إسقاطه في حرب 2003.

إيران تخرج من هذه الحرب وقد منعت سيناريو صدام 1991، بحيث بقيت قواتها العسكرية متماسكة ولم تتشتّت، كذلك لم يجر استهداف منشآتها النفطية والاقتصادية، الذي كان يعني استهدافها تشديد الخناق على النظام داخليًّا وصولًا لإسقاطه. فبذلك تجنبت الكثير من الأضرار، فبالنهاية لم تعلن هي الحرب، ولم تبادر إليها.

أما ترامب، فحقّق ما أراد، ضرب النووي الإيراني، فهذا نصر داخلي وخارجي بالنسبة إليه كان بأمس الحاجة إليه في ظلّ تعثّر طموحاته الأخرى بشأن أوكرانيا والصين وغيرها، ويخدم طموحه بتأسيس حلف إستراتيجي عربي إسرائيلي في المنطقة من خلال التطبيع، وتحديدًا بين السعودية وإسرائيل، وربّما تنضم إليها دول إسلامية كبرى أخرى. أي كان إنجازًا عظيمًا بتكاليف بسيطة، بنظره.

لكن، يبقى إعلان وقف إطلاق النار معرّضًا للخطر، فقد أُنجز على الطريقة الترامبية؛ عدّة مكالمات هاتفية وانتهت الحرب. ورغم الرغبة الإسرائيلية بوقف الحرب لعدم التورط بحرب استنزاف، إلّا أنّها تظلّ الخطر الأكبر على وقف إطلاق النار، لأنها تعتبر أنّ من حقها الإغارة على إيران، متى اعتبرت أن هناك خطر محدق يجب وأده في مهده، تمامًا كما تفعل مع حزب الله لبنان، رغم اتفاق وقف إطلاق النار.

هل يذهب نتنياهو لانتخابات مبكرة؟ وارد جدًّا بعد ما رآه “نصرًا تاريخيًّا” في إيران، لكن يبقى أمامه إنهاء ملف الرهائن في غزة، ولا يُستبعد أن ينهيه قريبًا، لأن توقعات الاقتصاديين وتوقعاته بأن بانتظار إسرائيل عقد ذهبي في الاقتصاد بعد هذه الحرب، وهو الذي صرح أمس أنه يعد الإسرائيليين بإنجازات تكنولوجية واقتصادية قادمة، عدا عن التطبيع الواسع مع عدة دول.

من المبكّر الحديث عن توازن الردع، فكلّ الأطراف ستعتبر نفسها انتصرت؛ إيران بصمودها، وإسرائيل بإزالة ما تسمّيه بـ”الخطر الوجودي”، وأميركا بإخضاع إيران بقصف النووي. يُقال إن الاتفاقيات الجيدة والناجحة هي التي يشعر كل طرف فيها بأنه الفائز، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل، وحتى الآن، يبدو وقف إطلاق النار بلا تفاصيل على الطريقة الترامبية، لكن بصيغة إسرائيلية، “الهدوء مقابل الهدوء”.

صمود إيران رغم كل الخسائر مهم وضروري للعرب والمنطقة، لكن أمامها مشوار تعافٍ طويل، خصوصًا اقتصاديًّا في ظلّ الحصار الذي لم يعد بنظر الأميركيين ضرورة لتخفيفه حاليًّا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب