مقالات
الدروز في المشرق العربي: بين الجبل والسياسة وقضايا الأمة اعداد المحامي علي ابوحبله
اعداد المحامي علي ابوحبله

الدروز في المشرق العربي: بين الجبل والسياسة وقضايا الأمة
اعداد المحامي علي ابوحبله
يمثل الدروز إحدى المكونات الاجتماعية والسياسية والثقافية في المشرق العربي، وعلى الرغم من قلة عددهم نسبيًا، فإنهم لعبوا أدوارًا تاريخية بارزة في اللحظات المفصلية من تاريخ المنطقة، وكانت مساهماتهم في القضايا الوطنية والعربية علامة فارقة في مسار الأحداث. فمن هم الدروز؟ وكيف تشكلت هويتهم التاريخية؟ وما هو موقعهم في قضايا الأمة العربية؟
النشأة والهوية
ينتمي الدروز إلى طائفة دينية توحيدية ظهرت في بدايات القرن الحادي عشر الميلادي خلال حكم الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله في مصر، حيث دعا الداعية حمزة بن علي بن أحمد إلى مذهب جديد قائم على التوحيد الفلسفي والروحي.
ورغم أن اسم “الدروز” ارتبط بالداعية نشتكين الدرزي، فإن أبناء الطائفة يرفضون هذه التسمية ويطلقون على أنفسهم أهل التوحيد أو الموحدين، نظرًا لاعتقادهم القائم على التوحيد الخالص.
واجه الدروز منذ نشأتهم اضطهادًا شديدًا، ما دفعهم إلى الانغلاق على أنفسهم وممارسة التقية لحماية معتقداتهم، وانتقلوا إلى الجبال الوعرة في الشوف بلبنان، وجبل العرب (جبل الدروز) في سوريا، وجبل الكرمل والجليل في فلسطين.
الأدوار التاريخية الكبرى

خلال العهد العثماني، تمكن الدروز من فرض وجودهم السياسي عبر إمارة آل معن ثم آل شهاب في جبل لبنان.
دخلوا في صراع طويل مع الموارنة بلغ ذروته في مجازر عام 1860 التي أسفرت عن تدخل فرنسي أوروبي وإنهاء النفوذ الدرزي السياسي المطلق في الجبل، ليبدأ عهد المتصرفية.
رغم ذلك، حافظوا على دورهم كبيضة قبان في معادلات لبنان السياسية.

كان جبل العرب معقلًا رئيسيًا للمقاومة ضد الاستعمار الفرنسي.
قاد الزعيم الدرزي سلطان باشا الأطرش الثورة السورية الكبرى عام 1925، التي شكلت أوسع انتفاضة ضد الاحتلال الفرنسي.
رفع الأطرش شعار “الدين لله والوطن للجميع”، مؤكدًا التزام الدروز بالهوية الوطنية السورية والعروبة.

في فلسطين، واجه الدروز محاولات الانتداب البريطاني ثم الحركة الصهيونية لفصلهم عن باقي العرب، لكن شخصيات درزية وقفت مع الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939).
بعد عام 1948، فرضت إسرائيل التجنيد الإجباري على الدروز في أراضي 1948، ما أحدث انقسامًا بينهم، إلا أن تيارًا واسعًا ظل متمسكًا بالهوية الفلسطينية.
في الجولان المحتل، كان موقف الدروز حاسمًا برفض الجنسية الإسرائيلية والتمسك بسوريتهم رغم الضغوط الهائلة.
القيادات الدرزية ودورهم العربي




ونختم بالقول الدروز أمام تحديات اليوم
إنّ تاريخ الدروز الحافل بالنضال والعطاء القومي يضعهم اليوم أمام استحقاقات كبرى في ظل ما تشهده المنطقة من اضطرابات. ففي فلسطين والجولان، يستمر أبناء الطائفة في مواجهة سياسات الاحتلال الإسرائيلي الرامية لتفتيت الهوية العربية وزرع الانقسامات الداخلية، بينما يمثل شباب الجولان نموذجًا للتمسك بالجذور السورية ورفض مشاريع التطبيع. وفي سوريا، ما زال جبل العرب يعاني آثار الحرب، مع محاولات القوى الإقليمية والدولية استغلال خصوصية الدروز لفرض وقائع جديدة في الجنوب السوري. أما في لبنان، فإن الدروز يقفون أمام تحديات إعادة صياغة موقعهم في الدولة بعد عقود من التحولات العاصفة، ويواجهون السؤال الجوهري: كيف يحافظون على دورهم التاريخي كعامل استقرار وحاضنة للفكر الوطني العربي؟
هكذا يظل الدروز، رغم صغر حجمهم الديموغرافي، مكونًا فاعلًا في صياغة مستقبل المشرق العربي بين ثوابت الجغرافيا ومتغيرات السياسة.