
قابيل مُستَمتِع
بقلم الدكتور وليد عبد الحي
كيف يمكن التوفيق بين التطور العلمي –اجتماعيا وتقنيا – وبين استمرار نزعة العنف الجسدي داخل المجتمعات وفيما بينها ؟ فهل هناك خصومة جدلية بين التطور والسلام؟ ويكفي ان نرصد المشهد العالمي الحالي.
يدور حاليا 2025 ما مجموعه 56 حربا اهلية ودولية، بعضها وصل مستوى معدل قتل يومي يفوق أي نسبة منذ 1945 الى الآن(كما هو الحال في غزة وأوكرانيا)، والملفت ان هناك 92 دولة لها قوات تحارب او تساند غيرها خارج حدودها ( اي ما يقارب نصف دول العالم) ، وأن مستوى العنف الداخلي في المجتمعات تزايد بشكل خطي منذ 17 سنة.
والاغرب من ذلك كله ، ان العقلانية المزعومة تنخرط في الحروب الى حد ان مجموع تكاليف الحروب في العام الماضي بلغت 19.1 تريليون دولار ، وهو ما يساوي 13.5% من اجمالي الناج المحلي العالمي، فكيف نوفق بين بناء من ناحية وهدم لنفس البناء من ناحية ثانية؟
وتحظى النزعة العسكرية في كل دول العالم تقريبا بمكانة لها الاولوية في التخطيط، ففي الوقت الذي زاد مؤشر العسكرة في 108 دول (56% من دول العالم) فان مجموع ما تنفقه هيئات صنع السلام المختلفة من قوات حفظ السلام وما شابهها لم تتجاوز نفقاتها 0.6% من اجمالي الانفاق العسكري العالمي.
وثمة ظاهرة مربكة أخرى في جمهوريات قابيل، إذ تشير الدراسات الى أنه في عام 1970 انتهت حروب تلك السنة الى انتصار حاسم لاحد اطراف الحرب في 49% من الحروب، بينما في عام 2020 انخفضت نسبة النصر الحاسم الى 9%، أي بتراجع 40%، وتراجعت اتفاقيات السلام مع نهاية الحروب الى نسبة 4% فقط، اي ان بقية الحروب بقيت مفتوحة على احتمال التجدد.
البعد المربك الآخر، هو ان عدد القتلى يزيد، والانفاق العسسكري يزيد ، وعدد الدول المشاركة في الحروب يزيد، ولكن عدد الجيوش يقل في مائة دولة حاليا عن العدد قبل 20 عاما، ويبدو ان التكنولوجيا بدأت تحل محل البشر في المعارك، فالمسيرات على سبيل المثال والتي كانت سرا تقنيا حتى اواسط الثمانينات ، ارتفع عدد الدول التي تستخدمها من 16 دولة الى اربعين.
والمربك الأخر للمشهد، هو قوى ما دون الدولة، فإذا كان عدد الدول التي استخدمت المسيرات خلال الخمس سنوات قد ارتفع 24 دولة ،فان عدد التنظيمات العسكرية –منظمات سياسية- التي تستخدم المسيرات ارتفع من 6 منظمات عام 2018 الى 91 منظمة عام 2023.
من الواضح أن قابيل مستمتع بقتل اخيه، ويبدو ان الصراع بين غريزتي الموت والحياة التي اشبعهما فرويد بحثا مقيمتان معنا “ما أقام عسيبُ ” ..ربما.