المهرجان القومي للمسرح المصري: ندوات وجلسات نقاشية حول قضايا المسرح الراهنة

المهرجان القومي للمسرح المصري: ندوات وجلسات نقاشية حول قضايا المسرح الراهنة
محمد عبد الرحيم
القاهرة تحت عنوان (تحولات الوعي الجمالي في المسرح المصري)، تقام هذه الأيام الدورة الـ(18) للمهرجان القومي للمسرح المصري، من خلال تقديم العديد من العروض على مسارح الدولة في القاهرة، وكذا الندوات والورش التدريبية في فروع فن المسرح المختلفة. ونستعرض هنا بعض ما جاء في هذه الندوات على اختلافها، التي تناولت العديد من قضايا المسرح المصري وتحولاته..
وعي السلطة تجاه المسرح
في ندوة بعنوان «أثر السياقات السياسية والاجتماعية على الوعي الجمالي» تمت مناقشة مدى التأثير السياسي والاجتماعي على المسرح، من حيث النصوص والعروض المسرحية وطبيعتها، وكيف كان للظرف السياسي دوره الأكبر في صياغة العملية المسرحية. فأشار الباحث والأكاديمي سيد علي إسماعيل، إلى أن هذا الأثر بدأ مع نشأة المسرح منذ الخديوي إسماعيل، الذي أقر استخدام اللغة العربية في العروض المسرحية، بديلاً عن التركية، وكذلك تعريب النصوص الأجنيبة إلى العربية. ثم فترة انقلاب يوليو/تموز 1952، حيث تبنت السلطة فكرة المسرح المصري للمصريين، وقد تم شكل من أشكال الإقصاء لتاريخ المرحلة الملكية، كذلك تهميش رموز من تاريخ المسرح المصري، وتقديم مسرحيات لم يكن هدفها سوى انتقاد العهد الملكي. ويضيف الباحث، أنه بعد هزيمة 1967 تم توظيف المسرح كأداة أيديولوجية لتجاوز الأزمة، وبث الأمل في النفوس، كذلك الضغط على العديد من الكُتّاب لتقديم أعمال تمثل الوعي الوطني ـ دعاية وترويجا بمعنى أدق ــ فتم إجبار البعض على إعادة كتابة نصوص تتماشى مع التوجهات السياسية، كما حدث في مسرحية نجيب سرور «آه يا ليل يا قمر»، التي كتبها بعد الهزيمة، لكنها عُرضت وكأنها تنتقد العهد الملكي! ما يجعل من المسرح مرآة دقيقة لفهم تحولات الفكر والسلطة في مصر.
المسرح كفعل اجتماعي
ويرى الأكاديمي محمد دوير، أن المسرح ليس فقط فعلاً ثقافيا وجمالياً وفنياً، بل هو فعل اجتماعي في المقام الأول. فظهور المسرح في مصر ارتبط بظهور طبقة الأفندية، بعد المشروع التحديثي لمحمد علي، ثم تطورت هذه الطبقة، أو الفئة بعد ثورة 1919، لتضم عناصر من الطبقة الوسطى، التي ارتفع وعيها بفضل الحركة الوطنية. ومع (انقلاب يوليو 52) تشكّلت طبقة وسطى جديدة، ذات طابع بيروقراطي، كان شعارها (العدالة الاجتماعية)، بديلاً عن (الحرية)، فظهر فن أكثر تحفظا وتنظيماً. أما في عهد الانفتاح، فظهرت طبقة وسطى بلا نسب، لا تنتمي للدولة أو للثقافة، لكنها امتلكت المال وفرضت ثقافتها، فكان مسرحها هو مسرح التسلية.
النقد الجديد
وفي ندوة بعنوان «أشكال الخطاب النقدي الجديد» يرى الناقد باسم صادق، أن المسرح المصري شهد في عقديه الأخيرين العديد من التحولات النوعية في جمالياته ولغته، وهي تحولات جوهرية في أنماط التعبير الجمالي والطرح الفكري، ما فرض بدوره تحولات في الخطاب النقدي، الذي كان يعتمد على التحليلات البنيوية والتفسيرية، إلا أن العملية المسرحية الآن منحت الصورة المسرحية السلطة الأكبر، بديلا عن الكلمة أو النص المسرحي التقليدي. كذلك الدراما الكلاسيكية تحولت بدورها إلى لوحات منفصلة متصلة بالبناء الدرامي، ومن ثمّ أصبح الخطاب النقدي يبحث عن آليات جديدة تواكب هذا الشكل من العروض.. كالاحتفاء بالجسد وعلاقته بذاته والفضاء المسرحي، كذلك الاهتمام بالصورة والرمز والعلامة واللون، اهتماماً يقارب، وأحيانا يتجاوز النص الدرامي المعهود.
واقع المسرح المصري
تحت هذا العنوان جاءت مناقشات جلسة الدائرة المستديرة، التي جاءت بعيدة عن الاستعراض التاريخي، والقريب أكثر من قضايا مرتبطة بالراهن المسرحي، من تقديم عروض لا تهتم سوى بلجان التحكيم، وبالتالي تستبعد الجمهور من آفاق توقعاتها، مع العلم أن الجمهور هو أحد أسس العرض المسرحي. فالناقدة والكاتبة رشا عبد المنعم ترصد عدة سمات في عروض المسرح المصري هذا العام، أهمها الاعتماد على نصوص غربية بالأساس، فمن النادر وجود نصوص لمؤلفين مصريين، إضافة إلى عدم معالجة النصوص الأجنبية بوعي يتماشى والواقع المصري، فالشخصيات والأحداث لا تعبّر عن هذا الواقع، وكأن ما يحدث ليس في بلادنا. وتضيف عبد المنعم.. هذا النمط يكشف عن تحد أكبر يتمثل في الهروب من الرقابة، فالكثير من العروض تقدم فقط لإرضاء الجمهور ـ بشكل استهلاكي ـ دون تماس مع القضايا الراهنة، ودون مواجهة صادمة مع الموضوعات المسكوت عنها. كذلك شهدت الساحة المسرحية تراجعاً في السمات التجريبية، التي كانت تميز المسرح في فترات سابقة، فالكثير من العروض الآن تحاكي نموذجاً أو تجربة ناجحة فقط، أي تم اختبارها من قبل وصادفت النجاح.
مأزق الطبقة الوسطى
ومن فكرة تكرار العروض يضيف أستاذ النقد المسرحي في آداب عين شمس محمد سمير الخطيب، أن مشكلات المسرح المصري تنحصر إضافة إلى تكرار العروض في غياب الجمهور الحقيقي، والتخطيط الثقافي الغائب. فاستنساخ العروض يجعل المسرح يبدو وكأنه بلا هوية حقيقية، والسبب لا يعود فقط للإمكانات المادية، بل لغياب منهج نقدي وإبداعي يطوّر من هذه الرؤية، وكذلك دراسات تبحث في أسباب هذا التكرار، دون الاقتصار على الانطباعات العامة. ويشير الخطيب إلى اختفاء الطبقة الوسطى، تلك الطبقة التي كانت أساس إنتاج وتلقي الفن المسرحي، فتطور المسرح مرتبط بصعود هذه الطبقة لا بتراجعها.
فقدان الهوية
ويضيف الفنان محمد رياض رئيس المهرجان.. أنه لم يعد هناك خط واضح لهوية المسارح، سواء الكوميدي، أو القومي، أو الحديث، فلا توجد لهذه المسارح سماتها الخاصة التي كانت تميزها من قبل. فالمسرح الكوميدي لم يعد له مكان، والقومي فقد هويته، والحديث يقدم تجارب بلا ملامح، إضافة إلى خروج مسرح القطاع الخاص من العملية الإنتاجية المسرحية، وكان أحد أركانها الأساسية.
ـ «القدس العربي»: