
نحو هيكلة جديدة للنظام العربي
بقلم الدكتور يوسف مكي
يعود تأسيس جامعة الدول العربية، إلى 22 آذار/ مارس 1945، وقد ضمت سبع دول هي كل من سوريا ولبنان والعراق والسعودية والأردن ومصر واليمن. ولم تمض سوى ثلاث سنوات على تأسيسها، إلا وتواجه بأول حرب عربية- إسرائيلية، انتهت بما بات يعرف، بنكبة فلسطين.
حينها سئل المفكر العربي الراحل، الاستاذ ساطع الحصري، عن أسباب خسارة الدول العربية لتلك الحرب، مع أنها دخلت فيها بسبع جيوش، فأجاب لأنها كانت سبعة جيوش. والمقصود في ذلك، ليس عددها، بل غياب التنسيق والتكامل فيما بينها، مما أدى إلى النتائج الكارثية التي انتهت إليها قضية فلسطين.
واقع الحال، أن القول باستقلالية السبع دول عربية، هو أمر يتنافى مع واقع تلك المرحلة. فالعراق والأردن، كانا أثناء تلك الحرب، تحت الوصاية البريطانية. وربما يجادل البعض في أن العراق، قد أنجز استقلاله منذ العشرينيات من القرن العشرين، لكن الوقائع تقول بغير ذلك، فالتواجد العسكري البريطاني في العراق، في قاعدتي الشعيبة والحبانية حتى 14 تموز/ يوليو 1958، كان حقيقة لا يرقى إليها الشك. وكان العراق مستهدفا أيضا، بمشروع الرئيس الأمريكي آيزنهاور لملء الفراغ، بالشرق الأوسط، ولاحقا بالمعاهدة العسكرية التي عرفت باسم مدينة بغداد، وضمت باكستان وإيران والعراق وتركيا، ووقفت من خلفها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية,
والأهم أن حرب النكبة، قد قادها عن الجانب العربي، الضابط البريطاني، غلوب باشا، الذي قدمت بلاده وعد بلفور المشؤوم، في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1917، بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين.
اليوم لدينا اثنين وعشرين دولة عربية، بمعنى أن عدد أعضاء دول الجامعة قد تضاعف ثلاث مرات، وأنه قد مضى على لحظة تأسيس جامعة الدول العربية قرابة ثمانين عاما، ومع ذلك لم يجر أي تغيير في ميثاق الجامعة أو في هياكلها. وقد باتت مجرد هيكل ضعيف، غير قادر على الفعل، بسبب قانون التصويت، الذي يجعل لكل دولة، حتى وإن حظي القرار بالأغلبية، حق التنصل منه، تحت ذريعة الحق السيادي.
بعد ما يقرب من أثنى عشر عاما، على تأسيس جامعة الدول العربية، تأسست السوق الأوروبية المشتركة، في ظل تناقضات أكبر، بين الذين أنشأوها. فرنسا وألمانيا، على سبيل المثال، دخلتا في حربين عالميتين مدمرتين، انتهت بهزيمة ألمانيا في الحربين. ومع ذلك توصل الغرماء إلى اتفاق، شمل في مرحلته الأولى، التعاون بين البلدين في مجال الحديد والصلب، لينتقل لاحقا إلى تأسيس السوق الأوروبية المشتركة.
منذ اللحظة الأولى، لتأسيس السوق الأوروبية المشتركة، كان الرئيس الفرنسي، شارل ديجول واعيا جدا، لأهمية استقلال المؤسسة الوليدة، ولذلك رفض انضمام بريطانيا لها، لأن ذلك الانضمام، يفقد السوق الأوربية استقلالها، ويتيح اختراق الولايات المتحدة الأمريكية لها.
وحين تأسس الاتحاد الأوروبي، انضمت إليه بريطانيا، ولكنها بعد فترة وجيزة من الانضمام، وجدت أن لا مكان لها فيه، فانسحبت منه طوعيا.
ما الفرق، بين النظام العربي، الذي حمل هذا الحديث دعوة لإعادة هيكلته، وبين الاتحاد الأوروبي. الجواب ببساطة، هو أن الأخير، قد بات هيئة مستقلة، تمثل مصالح جميع الأوروبيين، وليست خاضعة لأهواء الساسة. والأهم هو أن الاتحاد ركز على ما ينفع الناس. التكامل الاقتصادي بين دول القارة الأوروبية، هو الأساس، وهو مفتاح أي حديث عن الوحدة.
النظام العربي، للأسف بلغ وضعه حد الإعاقة، بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية، التي تعاني منها الأقطار العربية. هناك ما يقترب كثيرا من توصيف الحرب الأهلية، في السودان، وغياب للاستقرار في اليمن وسوريا ولبنان. ولا شك أن الفروقات الشاسعة، بين الغنى والفقر، في الأقطار العربية، تشكل عائقا كبيرا، أمام تحقيق أي تكامل اقتصادي عربي حقيقي.
إن المرء ليشعر بكثير من الأسى، حين يلقي نظرة ولو عابرة، على الواقع العربي المأساوي. هذا الواقع يجعل التساؤل مشروعا، عما يمكن أن تقدمه جامعة الدول العربية، في ظل واقع مترد.
لكن السؤال المنطقي والملح، هل يبرر هذا الواقع للعرب الاستكانة وقبول الأمر الواقع. بالتأكيد الجواب هو كلا، والبديل هو أن نشكل نماذج اقتصادية عربية باهرة، لعلها تبدأ بدول مجلس التعاون الخليجي، التي تتشابه كثيرا من حيث واقعها الاجتماعي وأنظمتها السياسية، ولتكون نجاحاتها، قوة جذب لدول عربية أخرى، لمحاكات تلك التجارب.
على أنه من الأهمية التركيز، أن على الدول العربية الغنية، أن لا تكتفي باستكمال بنياتها التحتية، وتوفير مقومات العيش الكريم لشعوبها، بل أن تنطلق إلى بناء قدراتها الذاتية المحركة، من خلال التركيز على الانتاج، بكل تفرعاته، سواء في الزراعة أو التصنيع، لأن ما تملك من مواد استخراجية، مهما كانت حجومها، فهي قابلة للنضوب.
في يقيني أن هذا الأمر، لم يعد غائبا، على من يتحمل المسؤولية، في تلك البلدان، لكن التذكير به، يبقى لزوم ما يلزم، والأمل كبير، في اتساع دائرة الخروج من المآزق السياسية والاقتصادية والأمنية الراهنة، إلى مجال أرحب من التعافي في البلدان العربية. وأن يسهم ذلك عمليا، في اعادة هيكلة مؤسسات النظام العربي، وعلى رأسها، جامعة الدول العربية التي نأمل أن يكون لها دورا فاعلا أكثر في صنع مستقبل عربي أفضل.