ثقافة وفنون

الكتابة بين الفكر والمصير

الكتابة بين الفكر والمصير

فادية المليح حلواني

في فضاء الفكر الإنساني الواسع، لا تبقى الكتابة حبيسة النمطية، أو الأساليب المتكررة، بل تتجاوز ذلك نحو مساحات الخلق والإبداع. فالكتابة ليست مجرد سردٍ للنماذج، بل هي مشروع تفاعل حيّ مع الواقع والوجدان.
إن علاقة الكاتب بفكره المتوقد وحرصه على مشاركته مع القرّاء، سواء لتثبيت رؤاه أو لنشر وعي ثقافي متجدد، تمثل جوهر مهمته الفكرية. وهو بذلك لا يكتب من عزلة أو تعالٍ، بل يكتب من قلب مجتمعه، ساعيا إلى كسر العزلة والتهميش.
وتُعد العودة إلى أفكار الكتّاب والمبدعين السابقين، من خلال تحليل أعمالهم النثرية والشعرية والفنية، عملاً بالغ الأهمية. لأنه يسهم في إبراز المنجز الثقافي والتاريخي لأدباء الوطن والأمة، كما يسمح للجيل الجديد بالتماهي مع إبداعاتهم، سواء جاءت في إطار رومانسي أو واقعي. فالفهم العميق لتجارب هؤلاء يفتح أبوابا جديدة للتفاعل والتأمل.
وتعكس عبارة: «لقد أعطيتني طيّنتك، فصنعتُ منها ذهبا»، الواردة في كتاب «أزهار الشرق» لبودلير تصل البُعد الروحي والواقعي للكتابة. فهي تجسد كيف يمكن للكلمة أن تتحول إلى فعل، وللحرف أن يصبح خلاصا. إن ما أقصده هنا هو أن الكتابة الحقيقية لا تكتفي بجماليات الأسلوب، بل تسعى إلى مواجهة الجهل والتعصب والديكتاتورية، لتكون حصنا للمواطن، ووسيلة لاستعادة كرامته بمفهومها العام، من حيث حريته، وبناء مستقبل وطنه بسيادة مطلقة .
إن الأمل الذي ولّده سقوط نظام الفساد في سوريا، يفتح المجال واسعا أمام الإبداع الوطني. فدمشق، العاصمة العريقة، ليست فقط مركزا سياسيا، بل هي قلب نابض للثقافة العربية، ومركز إشعاع للحضارة الإسلامية. ومن رحمها تولد الكتابة الإبداعية والفنون التشكيلية، التي تعطي للحضارة العربية والعالمية أبعادها الحقيقية، بعيدا عن المزايدات التجارية أو التوظيف النفعي للثقافة.
وهنا تبرز أهمية التمييز بين نوعين من الكتابة: التخصصية والموسوعية. فالتخصص أصبح ضرورة في زمن الانفجار المعرفي والعلمي، وفتح الباب أمام إنجازات واختراعات لم تكن متوقعة، بل أتاح ظهور فلسفات ورؤى تنبؤية ترتبط بمستقبل الإنسانية.
أما الكتابة الموسوعية، فهي تتطلب من الكاتب أن يكون ملمّا بالمنجزات التاريخية للإنسانية، خصوصا البارزين من المفكرين والمبدعين، وأن يوجّه قراءاته واهتمامه نحو ما ينسجم مع موهبته وحاجات مجتمعه وظروفه. إن الكتابة، حين ترتبط بالهمّ الإنساني والوطني، تصبح أداة تغيير لا تقل أهمية عن أي وسيلة نضالية أخرى. فهي المنبر الذي لا يُكبت، والصرخة التي لا تنكسر.

كاتبة وأكاديمية من سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب