رئيسيالافتتاحيه

الحوار الوطني الشامل: إنقاذ للحالة الفلسطينية من إدارة الصراع وترسيخ الانقسام

الحوار الوطني الشامل: إنقاذ للحالة الفلسطينية من إدارة الصراع وترسيخ الانقسام

بقلم رئيس التحرير

لم يعد المشهد الفلسطيني الراهن يحتمل المزيد من إدارة الصراع بدل حسمه، ولا مزيداً من تكريس الانقسام الذي يستنزف طاقات الشعب ويهدد قضيته المركزية بالاندثار. فالتقارير الإعلامية الإسرائيلية والعربية حول نوايا تعيين “حاكم إداري” لقطاع غزة، أو تشكيل لجنة لإدارة القطاع في مرحلة ما بعد الحرب، ليست سوى محاولة مكشوفة لتثبيت الفصل الجغرافي والسياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة. أيّ خطوة من هذا القبيل تعني في الجوهر الانقضاض على السلطة الفلسطينية، وإعادة إنتاج مشاريع “الإدارة المدنية” و”الحكم الذاتي الوظيفي” التي تتسق مع صفقة القرن ومخططات تصفية القضية الفلسطينية.

تكريس الانقسام: هدية مجانية للاحتلال

لقد فشلت حتى الآن كل الجهود الرامية إلى إعادة توحيد الجغرافيا الفلسطينية عبر حكومة وحدة وطنية أو حكومة إنقاذ من التكنوقراط. وبدلاً من ذلك، نرى الاحتلال يفرض تفرده في الضفة الغربية، ماضياً في مشروعه الاستيطاني بلا هوادة، عبر الإعلان عن آلاف الوحدات السكنية في منطقة E1 الاستراتيجية، والسيطرة على آلاف الدونمات في غور الأردن. هذه الخطوات الممنهجة تقطع الطريق على إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، وتجهض عملياً أي إمكانية لتجسيد حل الدولتين.

الأخطر من ذلك أن ما يُطرح من “ترتيبات ما بعد الحرب” على غزة يُراد له أن يتحول إلى بوابة لتمرير صفقة القرن بصيغ مختلفة، وهي الصفقة التي لم تُلغَ رغم تبدّل الإدارات الأميركية، ولم تُتراجع واشنطن عن قرارها اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل. بل إن الوعود الأميركية بإعادة فتح القنصلية في القدس الشرقية بقيت حبراً على ورق، بينما تتواصل السياسات العقابية ضد منظمة التحرير الفلسطينية بذريعة التوجه إلى المحاكم الدولية لمحاسبة إسرائيل.

واقع الانهيار الفلسطيني

إن الحصار الاقتصادي، واحتجاز أموال المقاصة، والشلل الذي أصاب المرافق العامة، كل ذلك ترافق مع تدهور خطير في البنية الوطنية الفلسطينية نتيجة الانقسام. وقد وجدت إسرائيل في هذا الانقسام بيئة مثالية لتكريس الأمر الواقع، بينما تستغل أطراف إقليمية ودولية حالة التشرذم لفرض وصايات جديدة أو الدفع بقيادة بديلة أكثر مرونة مع المشروع الصهيوني.

هل يمكن للفلسطينيين أن ينتصروا لوحدتهم؟

السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه اليوم: هل يملك الفلسطينيون القدرة والإرادة للانتصار على خلافاتهم الداخلية، والتوافق على برنامج وطني جامع يضع حداً لحالة الضياع الراهنة؟

الجواب لا يمكن أن يكون إلا عبر حوار وطني شامل تشارك فيه جميع القوى والفصائل، بعيداً عن حسابات المحاور الإقليمية وصراعات النفوذ الخارجي. إن التحدي الحقيقي ليس فقط مواجهة الاحتلال، بل أيضاً إفشال محاولات إعادة إنتاج الوصاية أو فرض حلول مجتزأة تُفقد الشعب الفلسطيني حقه التاريخي غير القابل للتصرف.

نحو حكومة إنقاذ وطني

إن ما يفرضه الواقع الفلسطيني يستدعي الشروع فوراً في تشكيل حكومة إنقاذ وطني، تستند إلى توافق شامل حول استراتيجية وطنية موحدة. هذه الحكومة لا بد أن تتكفل بتوحيد مؤسسات الوطن، وتكريس الوحدة السياسية والجغرافية، وصياغة خطاب سياسي وإعلامي واحد يعيد للقضية الفلسطينية حضورها الإقليمي والدولي.

الخلاصة

الوقت ينفد، والمؤامرة تطال الجميع دون استثناء. إن الاستمرار في حالة الانقسام يعني تسليم المشروع الوطني إلى خصومه على طبق من فضة. أما خيار الوحدة الوطنية والحوار الشامل فهو وحده الذي يعيد للشعب الفلسطيني زمام المبادرة، ويضع الجميع أمام مسؤولياتهم الوطنية والأخلاقية.

الحوار الوطني الشامل ليس ترفاً سياسياً، بل هو خيار وجودي لإنقاذ ما تبقى من المشروع الوطني الفلسطيني، وإعادة وضع القضية الفلسطينية في إطارها الصحيح كقضية تحرر وطني تستند إلى قرارات الشرعية الدولية، وتستهدف إنهاء الاحتلال وانسحاب إسرائيل من كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس، باعتبار ذلك المدخل الوحيد لتحقيق الأمن والسلم الإقليمي والدولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب