رئيسيالافتتاحيه

سموتريتش يهاجم السعودية مجددًا

سموتريتش يهاجم السعودية مجددًا

بقلم:رئيس التحرير 

تأتي تصريحات وزير مالية الاحتلال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش ضد المملكة العربية السعودية، والتي اتهم فيها السعوديين بإنكار “تراث وتقاليد وتاريخ إسرائيل”، لتفتح جبهة جديدة من التوتر بين حكومة الاحتلال اليمينية والمحيط العربي، في وقت تمر فيه إسرائيل بأخطر مراحلها السياسية والعسكرية والدبلوماسية منذ قيامها.

هذه ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها أحد رموز اليمين الديني المتطرف في إسرائيل دولًا عربية وإسلامية، لكنها المرة الأوضح التي تعبّر عن تحول في الخطاب الإسرائيلي من التبشير بالتطبيع إلى التهجم والعداء العلني، وكأنّ إسرائيل بدأت تفقد الأمل في استعادة الزخم الذي حملته “اتفاقات أبراهام”، بعد أن تهاوت مشاريع التطبيع أمام مشاهد الإبادة في غزة، والموقف الشعبي العربي الرافض لأي علاقة مع الاحتلال.

بين توراة السماء وسياسات الأرض

تعبّر تصريحات سموتريتش عن أزمة فكرية عميقة في العقل الصهيوني الديني الذي يحاول فرض روايته التوراتية على الجغرافيا السياسية للمنطقة. فهو لا يتحدث هنا بصفة وزير مالية، بل بوصفه ممثلًا لـ”الصهيونية الدينية” التي ترى في إسرائيل دولة ذات تفويض إلهي، تتجاوز حدود السياسة إلى “الحق التاريخي المقدس”.

لكن اللافت أن هجومه على السعودية لم يكن في سياق ديني فحسب، بل جاء كجزء من محاولة إعادة تعبئة القاعدة اليمينية الإسرائيلية ضد ما يعتبره “تخاذلًا دوليًا” عن دعم إسرائيل في حربها ضد الفلسطينيين، خصوصًا بعد تنامي الاتهامات بارتكاب جرائم إبادة جماعية، وتصاعد المقاطعة الأكاديمية والاقتصادية لإسرائيل في الغرب.

رسائل موجهة للداخل الإسرائيلي

سموتريتش، وهو أحد أبرز الوجوه التي تحرّك الشارع الاستيطاني المتطرف، يحاول من خلال هذه التصريحات تحويل الأنظار عن فشل حكومة نتنياهو في تحقيق أي من أهدافها في غزة، وعن حالة الانقسام الداخلي العميق بين الجيش والمستوطنين، وبين اليمين المتدين والليبراليين.

فالهجوم على السعودية، بما تمثله من مركز ديني وسياسي للعالمين العربي والإسلامي، يأتي كخطاب تعبوي يستهدف الداخل الإسرائيلي أكثر من الخارج، ويعكس حالة الهلع السياسي التي يعيشها ائتلاف نتنياهو مع تراجع مكانة إسرائيل الدولية، وازدياد العزلة الدبلوماسية حتى في المحافل الغربية.

البعد الإقليمي: تراجع مشروع “إسرائيل الكبرى”

من الزاوية الاستراتيجية، يمكن قراءة تصريحات سموتريتش ضمن سياق تراجع المشروع الإسرائيلي للتوسع السياسي عبر التطبيع، خصوصًا بعد إخفاق الرهان على التحالفات الخليجية – الإسرائيلية في ظل استمرار الحرب على غزة، وتعاظم الموقف السعودي الداعي إلى حلّ عادل وشامل للقضية الفلسطينية على أساس مبادرة السلام العربية.

إسرائيل تدرك أن السعودية تشكل مفتاح أي تسوية إقليمية، وأنّ الرياض قادرة على قلب المعادلة في المنطقة عبر موازنة العلاقة مع واشنطن وبكين وطهران في آنٍ واحد. ولذلك فإنّ مهاجمة السعودية في هذا التوقيت تكشف عن توتر استراتيجي في رؤية إسرائيل لمستقبل المنطقة، بعد أن وجدت نفسها معزولة سياسيًا، ومكشوفة أخلاقيًا أمام الرأي العام العالمي.

الانعكاسات على المشهد العربي

على الصعيد العربي، تعيد هذه التصريحات تذكير الشعوب والحكومات بوجه إسرائيل الحقيقي، وجه الغطرسة والاحتلال والتطرف الديني، بعيدًا عن الخطاب المزيّف عن “السلام والازدهار المشترك”. فحين يتهم وزير في حكومة الاحتلال دولة عربية كبيرة مثل السعودية بإنكار “تاريخ إسرائيل”، فإنه في الواقع ينكر التاريخ العربي والإسلامي نفسه، ويحاول إعادة كتابة رواية المنطقة وفق الأساطير الصهيونية.

هذا الخطاب العدواني يعزز من وعي الشارع العربي بضرورة بناء موقف موحّد تجاه التطرف الإسرائيلي، ويدعم الاتجاه نحو إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية كمركز الصراع الإقليمي، لا كقضية ثانوية في ظل الأزمات الأخرى.

خاتمة: إسرائيل في مأزق أخلاقي واستراتيجي

إنّ هجوم سموتريتش على السعودية ليس سوى تعبير عن أزمة هوية في المشروع الصهيوني ذاته، الذي يفقد شرعيته الأخلاقية والسياسية أمام العالم، ويتحوّل إلى كيان عنصري ديني منغلق على ذاته.

ومع انكشاف الوجه الحقيقي للحكومة الإسرائيلية أمام المجتمع الدولي، تتجه إسرائيل نحو مزيد من العزلة الإقليمية، في وقت تسعى فيه الدول العربية الكبرى إلى إعادة تشكيل منظومتها الأمنية والاقتصادية بعيدًا عن الهيمنة الإسرائيلية أو الغربية.

ربما أراد سموتريتش أن يظهر بمظهر “المدافع عن تراث إسرائيل”، لكنه في الحقيقة كشف عمق الانهيار الأخلاقي والسياسي للمؤسسة الإسرائيلية، وسرّع من عملية سقوطها في أعين العالمين العربي والإسلامي، حيث لا يمكن لمن يُتَّهم بالإبادة أن يتحدث عن الأخلاق أو التاريخ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب