غسيل الأموال والانتهاكات الإسرائيلية: كيف يُستغل الاقتصاد الفلسطيني كأداة للضغط والسيطرة

غسيل الأموال والانتهاكات الإسرائيلية: كيف يُستغل الاقتصاد الفلسطيني كأداة للضغط والسيطرة
بقلم المحامي علي أبو حبلة
يشكّل غسيل الأموال وتبييضها إحدى القضايا الاقتصادية والأمنية الحرجة التي تهدد الاستقرار المالي الفلسطيني. فهي لا تؤثر فقط على سلامة النظام المصرفي، بل تضع الاقتصاد الفلسطيني برمته في دائرة الخطر، إذ تقوض الثقة في المؤسسات المالية وتفتح المجال أمام ممارسات غير قانونية تؤثر على التجار والمستثمرين والمواطنين العاديين.
في الوقت نفسه، تستغل سلطات الاحتلال الإسرائيلي هذه الظاهرة ذريعةً لتوسيع قيودها على الاقتصاد الفلسطيني. فقد شهدت الأشهر الأخيرة مداهمات متكررة لمحلات الصرافة والمؤسسات المالية الفلسطينية، بحجة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وهو ما يزيد من الضغوط الاقتصادية على الفلسطينيين ويعطل حركة السوق المحلي. وفقاً لتقارير البنك الدولي، فإن أي تشديد على حركة رؤوس الأموال والصرافة يضعف قدرة الاقتصاد الفلسطيني على النمو ويزيد البطالة والفقر، خصوصاً في ظل الاعتماد الكبير على التحويلات المالية والتجارة المحلية.
من الجانب القانوني، فإن مكافحة غسيل الأموال تخضع لمجموعة من القوانين الدولية، أبرزها توصيات مجموعة العمل المالي الدولي (FATF) التي تفرض على الدول الالتزام بإجراءات صارمة لمراقبة الأنشطة المالية المشبوهة، إلى جانب التزامات الدول الأطراف في اتفاقيات الأمم المتحدة لمكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال. إلا أن تطبيق هذه القوانين في السياق الفلسطيني يكتسب بعداً سياسياً معقداً، حيث أن السلطة الفلسطينية تواجه قيوداً شديدة على سيادتها الاقتصادية، بينما تستخدم سلطات الاحتلال القانون الدولي أحياناً لتبرير سياسات التضييق والاحتلال الاقتصادي.
على سبيل المثال، تمارس إسرائيل رقابة مشددة على التحويلات المالية عبر البنوك ومكاتب الصرافة الفلسطينية، مستندة إلى مزاعم مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، ما يؤدي إلى إعاقة حركة الاقتصاد وإلحاق الضرر بالتجار الفلسطينيين الصغار والمتوسطين. كما أن هذه الممارسات توفر ذريعة لتقييد الاستيراد والتصدير وفرض قيود على المشاريع الاقتصادية المحلية، بما يحد من قدرة الفلسطينيين على تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية ومستدامة.
إن الربط بين غسيل الأموال والانتهاكات الإسرائيلية يوضح أن هذه القضية ليست مجرد مسألة مالية فحسب، بل أداة سياسية واستراتيجية يستخدمها الاحتلال لزيادة التحكم في الاقتصاد الفلسطيني، وإدامة حالة التبعية الاقتصادية التي تجعل الفلسطينيين أكثر ضعفاً أمام الضغوط السياسية والاجتماعية. من هنا، تظهر أهمية تطوير منظومة رقابية فلسطينية متكاملة لمكافحة غسل الأموال، بالتوازي مع الضغط الدولي لإلزام إسرائيل بالامتثال للقوانين الدولية، وضمان حق الفلسطينيين في اقتصاد حر ومستقر.
وفي هذا السياق، تؤكد تقارير الأمم المتحدة ومنظمات دولية عدة، بما في ذلك تقرير لجنة الأمم المتحدة الخاصة بتقصي الحقائق حول الانتهاكات في الأراضي الفلسطينية، على أن التضييق الاقتصادي والسيطرة على المؤسسات المالية الفلسطينية يمثلان أحد أشكال الاحتلال غير المباشر، الذي يعيق التنمية ويزيد من معاناة السكان المدنيين.
خلاصة القول، إن مكافحة غسيل الأموال في فلسطين تتطلب نهجاً مزدوجاً: أولاً، بناء قدرات داخلية فعّالة لرصد الأنشطة المالية غير القانونية، وثانياً، مواجهة التدخلات الإسرائيلية عبر الأطر القانونية الدولية، بما يضمن حماية الاقتصاد الفلسطيني وصون حقوق المواطنين في التنمية والعيش الكريم.