مقالات

مكانة اللغة العربية في عالمنا اليوم بقلم الأستاذ: جعفر أحمد جعفر

بقلم الأستاذ: جعفر أحمد جعفر -الهدف السودانية -

مكانة اللغة العربية في عالمنا اليوم
بقلم الأستاذ: جعفر أحمد جعفر -الهدف السودانية –
اللغة ليست أصواتاً وحروفاً فحسب؛ وإنما هي وعاء حضارة وخزان ذاكرة وراية هوية، وإذا كانت الأمم تعرف بلغاتها فإن اللغة العربية هي بطاقة التعريف الكبرى لأمه امتدت حضارتها من المحيط إلى الخليج، ومن يطالع كتاب (منزلة اللغة العربية بين اللغات المعاصرة) للدكتور عبد المجيد الطيب عمر، يدرك أن العربية ليست لغة محلية عابرة، بل هي لغة كونية قادرة على البقاء والمنافسة بما تمتلكه من ثبات وثراء وعمق معرفي.
خصوصية اللغة العربية لا تضاهيها لغة:
تنفرد اللغة العربية بخصائص تجعلها لغة استثنائية بين اللغات الحية، فهي لغة محفوظة النصوص إذ يُتلى القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرناً بلسان واحد لا يتغير، وهي لغة منضبطة الصوت والكتابة تحاكي الحرف النطق دون التواء أو صمت، وهي لغة توليد وإبداع إذ يتيح نظامها الصرفي الاشتقاقي إنتاج معاني لا تنضب من جذر واحد وهي لغة غنى وبلاغة تستوعب أعقد المفاهيم الفلسفية والسياسية والعلمية دون حاجة للاحتماء بمفردات مستعارة من لغات أخرى، هذه الخصوصية تجعلها مؤهلة لأن تكون لغة علم وحضارة كما كانت في عصور النهضة الإسلامية حينما كانت أوروبا تترجم من العربية لتتعلم.
اللغة والسياسة ترابط لا ينفصم:
غير أن قوة اللغة لا تنفصل عن قوة الأمة حينما كانت بغداد وقرطبة عواصم المجد، كانت العربية لغة المعرفة والابتكار، وحينما تراجعت مكانة العرب سياسياً واقتصادياً تراجعت لغتهم في الموازين الدولية.
إن فرض لغات أجنبية على التعليم والإدارة في أوطاننا ليس خيارا لغوياً بريئاً؛ بل هو تكريس لتبعية فكرية وثقافية. اللغة هنا تتحول إلى اداة سياسية، من يفرض لغته يفرض سلطته، ومن يتخلى عن لغته يسلم بزمام هويته للآخر.
العولمه ومعركة الهوية:
في زمن العولمة لم يعد الصراع عسكرياً فحسب؛ بل صار صراعاً على الهوية والوعي. القوى الكبرى تسعى إلى فرض لغاتها كرموز للعلم والحداثة، فتغدو الهيمنة اللغوية جزءاً من الهيمنة السياسية والاقتصادية وحين نضعف في حماية العربية فإننا نفتح الباب لمزيد من التبعية والانكسار.
نحو استعادة المكانة الصحيحة للغة العربية:
تمتلك اللغة العربية كل مقومات البقاء والازدهار؛ ولكنها تحتاج إلى إرادة سياسية وثقافية تنهض بها من جديد، اولاً إرادة تعليمية بجعل اللغة العربية لغة العلم والبحث؛ لا مجرد لغة أدب أو تاريخ وصناعة. إرادة معرفية عبر إنتاج محتوى عربي غني في مجالات التقنية والعلوم؛ بدل الارتهان لمعارف الآخرين وصناعه، أيضاً إرادة سياسية تقوم بالاعتزاز باللغة العربية وليس خياراً ثقافياً فقط بل هو دفاع عن السيادة الوطنية وإرادة تكاملية حيث تتبنى الدول العربية سياسات موحدة لدعم لغتها، فبذلك تستطيع أن تستعيد مكانتها في المشهد العالمي. ونقول اخيراً أن اللغة العربية اليوم على مفترق طرق؛ أما أن تظل جسرا لنهضة حضارية وتعيد للامة حضورها، وأما أن تترك لتذبل تحت ضغط التغريب والتبعية. ولذلك نؤكد أن من يتنازل عن لغته يتنازل عن هويته ومن يحمي لغته يحمي وطنه وأمته

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب