ثقافة وفنون

عــصــارة أسـس الـمـسـرح

عــصــارة أسـس الـمـسـرح
نـجـيب طــالل
وقـفـة تــساؤل :
مبدئيا من أية زاوية يمكن أن نشتغل على منجز: المسرح وأسس فـن التمثيل المسرحي)1( هل من
” في المشهد المسرحي، كبوتقة فنية وفكرية

زاوية مساره وتاريخ حضور الكاتب “بوشعيب الطالعي
والتي أثرت على منجزه. الذي في كليته ومعطياته لصيق بتاريخه الفني ومهام اشتغاله التدريسي
كأستاذ رئيس شعبة الفنون الدرامية ، وهناك شهادة مبطنة بين السطور تقديم كتابه مفادها: ..هذا
المعهد الذي تأسس سنة1942 عـرف في مساره التاريخي اشتغال نخبة من األطر والكفاءات
المسرحية بالمغرب)…(حيث يعتبر األستاذ بوشعيب الطالعي من خيرة هذه األطـر الكفأة، وال أدل على
ذلك كتابه هـذا الذي بصدد التقديم له)2( ناهينا عن تجربته التي ال يستهان بها في مجال اإلخـراج
لعـدة أعمال مسرحية.
أم من زاوية حمولة ما في الكتاب من طروحات وأفكار وقضايا فنية وتقنية بمعزل عن صاحبه،
لتحقيق رؤية “بارت” عـن موت المؤلف ؟ لتحقيق ماهية التلقي؟
هـنا من الصعـب ممارسة التعسف ومحاولة قتل المؤلف ،ألنه جزء من المنجز، وعصارة تجربته
الطويلة التي عمرت أكثر من أربعة عقود ؛ عطاء و تدريسا للفن المسرحي بالمعهد البلدي)
الدارالبيضاء(هي المنجز نفسه:” فهذا الكتاب هو ثمرة مسار طويل يمتد لسنين عديدة استنفذتها في
االشتغال كمتفرغ في المجال المسرحي عملت خاللها مع مجموعة من المبدعين كما قضيت منها ما
يزيد في تدريس هـذا الفن الجميل للعديد كبير من الطلبة الشغوفين به )3( وبالتالي فعـصارة أسس
“األستاذ” المسرحي.

“المتضلع” مع الطالعي

المسرح. يتداخل فيها “بوشعيب” الفنان مسرحي
وهذا التداخل المعقد يغري بقراءة ومطالعة منجز]المسرح وأسس فن التمثيل المسرحي[ أوال وثانيا
بالتأمل المعرفي، وإن اعتبر المنجز دليال مبسطا ) هذا تواضع من الكاتب( لدارسي وهواة الفن
المسرحي وكذا المهتمين به ، بغية بناء عقول وكفاءات فنية ، مما يعني هذا أنه يعتبر ممارسة
ديداكتيكية ليس بالمعنى المدرسي، بل بالمعنى التواصلي/ التفاعلي بين القارئ ومعطيات المنجز.
الذي يحمل أطروحات وأفكار دينامية عن أسس المسرح وعن جـسد الممثل لغة وإشارات .طبعا هناك
دراسات ومؤلفات متعددة ترصدت ألسس المسرح وللممثل باألساس، كل من زاوية رؤيته للموضوع ،
ولكن المنجز الذي بين أيدينا له خصوصية معينة، تتجلى أنها نابعة من عصارة مسار فني وإبداعي،
ممزوج بين الممارسة كمخرج ومؤلف ومعـد لعـدة أعمال مسرحية ، وهـذا ليس مجال ذكرها ) اآلن(
وكأستاذ للممارسة، مما يفرض علينا منجزه طواعية االنغماس فيه، لتحقيق اإلشباع المعـرفي. هذا
اإلشباع أين تجلى تحديدا؟
وقفــة تـعـجــب :
” اإلهداء” في حمولته بعيدا عن كالسيكية اإلهداء، قريب من الوثيقة التاريخية ، من

قبل هذا أثارني
خاللها يكشف عـن أسماء األسرة الكريمة وعائلته الخالدة، بكل تلقائية، دونما إغفال ذكر أسماء من
سبقوه وتتلمذ على أيديهم أسس الفن المسرحي وضوابطه. لكن الرائع في اإلهداء: إلى من كانت
بدايتي في المجال المسرحي معهم عبر جمعية العرائس لمؤسسها بالحي العتيق درب غلف المرحوم
محمد جواحي- ومديرها الفني األستاذ حميد برودان اطال اهلل عمره)4( مما يعني أن المخرج ”
” لم يأت من فراغ أو سقط سهوا من السماء )تجاه( الركح لممارسة شغبه الفني والجمالي
الطالعي

و)نحو( المعهد للتدريس والتسيير. وفي المعهد كان يدير فرقة “أصدقاء المسرح بالمغرب” التي
كانت خليطا من الفنانين المتفرغين وشباب من طلبة المعهد ، ففي هـذا المقام هنا يتبين قمة
التواضع واالندماج الفني لممارسة ديداكتيكا المسرح. وبالتالي فأمام وقفة تعجب تجاه اإلهداء،
” مكشوف وغير غامض أو موارب، وهاته خصال

يتضح جليا: بأن الفنان ” بوشعيب الطالعي
البراءة. ولوال البراءة لما قدم منجزه للمراجعة من لدن المبدع أحمد أمل:” إلصراره علي في إن
يخرج هذا الكتاب للوجود، وما مدني به من مراجع قيمة إغنائه، وما خصه به من مراجعة
ومالحظات ثمينة)5( وفي نفس سياق الصفحة لم ينس صاحب التقديم” سالم اكويندي ” و الفنان”
حسن عين الحياة” وهذا األخير رفيقه في أغلب اإلنجازات الفنية من الزاوية” السينوغرافية” مثل
مسرحية” عينك ميزانك” وهذا المعنى له إال انغراس نزعة البراءة التي يتسم بها صاحب المنجـز.
وقــفـة تـأمــل:
العجيب أن هنالك سحرا في المنجز، هل ألنه عصارة مهداة لألخر، أم كُـتب شهوة في الكتابة، بحكم
أنه جاء معبرا عن مواقفه وآرائه الفنية، وفيها األغلب من المفيد ، وخاصة حضور فاعل لمراجعة
رصينة في ضبط التواريخ وأسماء المسرحيين ، لكن تأمال ما في المنجز، نستشف أن رؤية
)اإلحتراف/ التفرغ( تغلب عليه، وذلك من خالل تقسيم أسس المسرح لعناصر: البنية التحتية/ المادة
األدبية/الوسائل التقنية/ الموارد البشرية بمختلف تخصصاتها بحيث نجد ” مَهـن
“مثل:”…محافظين- منجزي الديكور والمالبس- التقنيون- مساعدي التقنيين- موظفين إداريين –
وكالء تجاريين- محاسب- مكلف بالعالقات العامة- أعوان خدمة- الجمهور كمتلقي ومستهلك للمنتوج

المسرحي)ص11-( بعيد عن إقحام جمعيات الهواية أو الشباب في الموضوع . فالفرق التي تدعي
ٌاإلحتراف” عندنا ال تتوفر على مثل هكذا موارد بشرية تنظيمية؟ وهنا فالكاتب ال يحلم أو يهلوس، بل
ينظر من زاوية محيطه الذي يعج بالفنانين المتفرغين، ومن الطلبة الذين سيصبحون كذلك متفرغين
للفن ، ولهذا يحاول أن يذكي ما يجب أن يكون من ] مهـن[ رئيسة، لتوفير المنتوج المسرحي :”
ألن المتفرج عندما يقرر التمتع بعرض مسرحي، ويكلف نفسه مصاريف اقتناء تذكرته و عناء
التنقل لمشاهدته ، يسخر لتعامله مع الممثل في ذلك ثالثة من أغلى أعضائه وهي بالترتيب العين ثم
اإلذن ثم العقل، فإذا حافظ له عليها وأحسن استغاللها في جذبه إليه وإمتاعه بأدائه، كسب إعجابه
)ص- 18( فهذا الطرح جلي، وال غموض فيه ، إال أنه يفرض تساؤالت ضمنية ومثيرة للجدل؟ ألن
الموضوع موجه للمتفرغين ولخرجي معهد التنشيط المسرحي ، مسألة ] التذكرة/ أسباب عزوف
المتفرج عن العروض، هل األمر يكمن في التمثيل أم في الممثل أم في بناء العرض في كليته ؟
” ركز على قضية “الممثل”

فالمنجز من حيث تجربة مؤلفه المخرج” بوشعيب الطالعي

بالواضح:” عن طريق الممثل، لكونه يبقى سيد الركح وال تْعـرض المسرحية على خشبة المسرح
ـه لمهام مؤلف النص المسرحي ومخرجه، كما أن نجاح العـرض المسرحي

إال بتوقيعه؛ في غياب ُمـْن
يقترن بكفاءة وقدرة وتمرس الممثل )ص17-( هذه الرؤية فرضت عليه القيام بسياحة كونية لكشف
تطور المسرح عبر العصور بدء من منبعه) المسرح اليوناني( إلى اآلن مرورا بَعـصر النهضة،
ومعطيات هاته السياحة كتب عنها الشيء الكثير وكل عصر يتوفر على مجلدات، لكن الجميل في
” هـذا الذي نمارس عليه شغبنا، أنه يشير لماهية

كتابنا “المسرح وأسس فـن التمثيل المسرحي
التمثيل وحيثياته في كل محطة مر بها :”.. توضيحه لممثلي فرقته كيفية مواجهة الشخصيات التي
يؤدونها ، وتوجيهه إلحدى الممثالت وتحليله للدور الذي تجسده وشرحه لها لبعض تقنيات
التمثيل)ص47-(
” وهذا يكشف لنا سر

تأسيسا على ذلك؛ نستشف بأن موليير وشكسبير قاما بدور ” الدراماتورجي
نجاح واستمرارية مبدعو ) زمان( :” لكون مفهوم التمثيل في المنظومة المسرحية وسيلة بحث

وتحليل الشخصية وطبيعتها وما يرتبط بها من عوارض تمس مختلف أوضاعها االنسانية والنفسية
واالجتماعية واالقتصادية)ص13-( لكن من عصر النهضة أمست المفاهيم تتغير ومنظور التشخيص
اتخذ أبعادا أخرى نتيجة :”عمل الممثلون في عصر النهضة كمحترفين بعضهم التراجيدية والبعض
اآلخر في األدوار الفكاهية تحت رعاية الملوك، وكانوا جميعا رجال يؤدون األدوار النسائية وفق ما
تتطلبه المسرحيات؛ وينصبون منصات التمثيل في أماكن متعـددة)11( ففي هذا المعطى هنالك
تشويش في مسألة األدوار النسائية؟ فعـصر النهضة هـزم سلطوية الكنيسة، ولم يعد لها ذاك الدور،
مما حضرت المرأة فوق الركح مثل ” مادلين بيكار رفيقة موليير)1672-1618( والمفارقة أن
” يطرح في) ص/35 اسم الممثلة” إدريان ليكوفريد)1730-1692( لكن

زميالنا” بوشعيب الطالعي
األهم في الكتاب التطور المرحلي لماهية اشتغال الممثل، وخاصة االمكانات الجسدية في بناء بالغته
التي ساهمت في بنائها ظهور تيارات ومدارس إخراجية ال تلغي بل تضيف لتحقيق” فرجة الجـسد”
حـيث يقوم علم الجماليات على عالقات متعددة بين الثنائيات مبنية على الفهم والذوق الجمالي…
اعتبارا لما تقوم به التجربة ومن أهـم الثنائيات ثنائية الممثل والدور ألن نمط العالقة بينهما مرتبط
بجوهر الموضوع المتجسد في الصراع المتصاعد مع نقيضه المتخيل” الشخصية) ص88( من هنا
” مما ركز

يتحقق اإلشباع المعـرفي. للممثل وللمشاهد كذلك وهذا ما يهدف إليه األستاذ” الطالعي
نسبيا على تجربة” لويدجي بيرالدللو” باعتبارها استلهمت ازدواجية الالوعي وتفكيك الهوية عند
“سيغموند فرويد” وكذلك:” احدى دعامات المسرح العالمي الحديث لكونها تضم مجموعة المبادئ
الجمالية والقيم الفنية)ص51( ( حتى أن كل الذين جاءوا بعده من المسرحيين تأثروا بفكره وتجرته
وخاصة مسرح داخل مسرح. من هنا تأتي فكرة “فرويد” التي ترتبط بالالوعي وهي التي تعني بان
هنالك مخزون من الدوافع التي تفسر االفعال أعطي بيرانديلو الحرية للشخصية الدرامية جاعًال إياها
المسؤول االول واألخير عن تصرفاتها محاوًال أن يترك المتلقي في حيرة ليحاول أن يجيب علي ما
طرح سابقا من أسئلة، وعلي هذا المنوال استمر تطور الشخصية الدرامية)6( فلوال هاته الحقيقة لما
ركز الكاتب ” بوشعيب ” على الغزيرة)7( ذات ارتباط وثيق بعلم النفس، و”بيرالدللو” ركز على
الغريزة كنظام فطري) عضوي/ نفسي( وبالتالي:” فقد كان يرى أن مأساة اإلنسان تكمن في التناقض
والتمزق بين الحقيقة الخارجية وما يظهره لآلخرين، وأن الحقيقة المطلقة شيء ال وجود له، ألنها
نسبية ولكل امرئ حقيقته. وفي محاول لحث االنسان علي مواجهة ذاته)8(
وقـفة خـــتام :
تقديرا للمنجز: المسرح وأسس فـن التمثيل المسرحي. لمجهوده يحتاج لتفكيك متعدد الجوانب لما له
عارة فكرية ومعرفية وفنية، والسيما أن هنالك مزج بين ما ُهـو تاريخي، نظري، تطبيقي، محور
العملية – التمثيل/ الممثل- إال أن هنالك بعض الثغـرات، بمعنى : المنجز يعـد عـصارة مسار إبداعي،
فحبذا لو قدم لنا نموذجا لممثل مغـربي في تجسيده للشخصية. مثل الفنان قيد حياته: بلقاس/ محمد
الحبشي/ عباس إبراهيم / ع القادر البدوي/ ازهـور المعمري/ رشيدة مشنوع/ سعيد عفيفي/…/ أي
منهجية كانوا يعتمدون عليها في فن التمثيل المسرحي؟ هل تم التركيز على منهجية ستانسالفسكي،
التي تأثرنا به جميعا وتم : االلتجاء إلى الذاكرة االنفعالية واعتماد المؤثرات العاطفية والوجدانية
لمعايشة الدور هادفا بذلك ؛التصوير الصادق للحياة الواقعية على خشبة المسرح) ص 120( أم هنالك
شيء من منهجية “جان فيالر” عبر السيرورة التاريخية) اندري فوزان/ بيير لوكا) المسرح الشعبي(
رغم تنويع مصادره االخراجية :” فعالقة الممثل بين نفسه والشخصية من مخزون ذاكرته من
مواقف مختلفة أكثر أصالة بالنسبة له )ص141(
لقد أثرت هاته المسألة، باعتبار أن المنجز كان مناسبة مفتوحة وعملية ، لتقديم رؤية شبه مفصلة
” عاشـر و تعامل

عن ” الممثل المغربي، ” اشتغاال، وليس نظريا. والسيما أن ” بوشعيب الطالعي

مع العـديد من المتفرغين، وشاهد طرق تحركاتهم فوق الركح و كيفية اشتغال أجسادهم ، هل هو
جسد بالغي/ جمالي، أم جسد تشريحي/ وسيط؟
فمثل هذه المواضع ال وجود لها تقريبا . ولو وصفيا أو نظريا، بقدر ما هنالك شذرات طائشة وغير
علمية . والسيما أن:” الممثل بالنسبة ألدولف أبيا، هو وحدة قياس في البناء الجمالي للمسرحية
بدرجة عالية من التناغم من خالل تحركه بين العناصر المتداخلة لتشكيل منظر المسرحية )ص139(
وهاته الرؤية حاول التطواف عليها من خالل تقديم تجارب عالمية رائدة، إال أنه أغفل بعضا منها
مثل تجربة “يوجينو باربا” التي تَعـد متفردة في مجال التمثيل وتأسيس “المسرح الثالث” المتجه
أساسا للقرى والبوادي، وكذا تجربة لورانس اوليفييه ) انجليزي( وكذا رؤية تشيخوف في كتاباته
حول دراما العائلة؟.
وهاته الوقفة، اعتبرها وقفة إجالل للمجهود المضنى، الذي بدله المخرج والمدرس “بوشعيب
” رغم بعض العوائق ومالبسة الحياة، يبقى منجزا مائزا و قائما بذاته وطروحاته ، وبزخم
الطالعي
معلوماته وبناء منهجيته وتصوراته ، التي تتراوح بين التاريخية والبنائية الوظيفية . ومن الطبيعي
أن يترك وراءه بعض الهفوات والثغـرات، نسعى جاهدين أن يتفضل أحـد “المسرحيين” لترميم
واإلضافة بمنجز باذخ يغنى الخزانة الوطنية، ولهذا فوقفـتنا أمام عــصــارة أسس المسرح شكال
ومضمونا تكمن في الممثل/ التشخيص، كحمولة فاعلة في المنجز.
اإلستـئنــاس:
-1 كتاب للباحث : بوشعيب الطالعي تصميم الغالف: الفنان حسن عين الحياة – عدد الصفحات
:176مطبعة
وراقة بالل/ فاس- ط /1 2025
-2 تقديم الكتاب من لدن : سالم اكويندي – ص- 8
-3 كلمة المؤلف: بوشعيب الطالعي – ص10
-4 الكتاب :ص5-
-5 نــفـســــه : ص- 168/169
-6 الحقيقة والوهم في المسرح اإليطالي المعاصر: لمحمد أحمد كامل- مجلة مسرحنا ص21 –
ع808
في20/02/2023
” لها ست صفحات من )99-94(

-7 نظرا ألهمية “الغريزة “خصص “بوشعيب الطالعي

-8 الحقيقة والوهم في المسرح اإليطالي المعاصر- ص21

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب