هل لا يزال هناك حديث عن ضمانات أميركية؟

هل لا يزال هناك حديث عن ضمانات أميركية؟
هناك طبعاً من سيهتمّ بالسؤال عن موقف الولايات المتحدة من العدوان على قطر أمس. وهناك من سيسأل أيضاً عن ردّة فعل دول الخليج العربي المتحالِفة مع الولايات المتحدة الأميركية. وسيخرج الجميع، من أهل هذا التحالف ليقول بأن لا حول ولا قوة على ردّ القدر الأميركي – الإسرائيلي. وهذا الاستنتاج، هو بالضبط، ما يريده العدو من فرضه في وعي الجميع، بأن ما لا يتحقّق بالقوة، يتحقّق بالمزيد من القوة!
حتى ساعات متأخّرة، كان الأميركيون يحاولون رتْق المزق الذي أصاب ثوبهم الكبير. لكنّ عدداً غير قليل من المراسلين الأجانب في واشنطن، سمعوا كلاماً صريحاً من قادة أمنيين وعسكريين وسياسيين، بأن الولايات المتحدة كانت على علم بالأمر، وأن القيادة الوسطى (التي زارنا قائدها قبل أيام واحتفى به أهل الحكم) كانت على علم بكل تفاصيل ما حصل. حتى ولو خرج من يقول بأن إسرائيل لم تبلّغهم عن موقع الضربة. لأن البعض سمع كلاماً من نوع، أن اسرائيل أبلغت أميركا نيتها اغتيال قيادة حماس، لكنها لم تقل لها أين ستقع العملية.
وهو هراء بهراء. يكفي العودة إلى كلام لجنرال أميركي من ضباط القيادة الوسطى الذي زار لبنان لمرات عدة، وهو يشرح، بأن حركة سلاح الجو الإسرائيلي يجب ان تكون منسّقة بالكامل مع القيادة الوسطى، سواء كانت في مهام استطلاعية أو قتالية.
ولنترك جانباً، ما سوف يقوم به دونالد ترامب لتخفيف وقع ما حصل، خصوصاً أن العملية فشلت في تحقيق هدفها باغتيال قادة حماس في الدوحة، وإن أضافت أسماء جديدة إلى لائحة شهداء عائلة القائد خليل الحية، وربما يخرج الكثير من الكلام الذي سيتلقّفه حلفاء أميركا في كل المنطقة، من أجل القول بأن ما حصل كان خطأ ويجب تجاوزه، وتعالوا نواصل العمل…
لكن عن أيّ عمل يتحدّث هؤلاء؟
في فلسطين، تتواصل المذبحة. وفي لبنان وسوريا واليمن، يستمر العدوان المفتوح من دون أيّ قيد. وفي إيران، استنفار تحسباً لجولة جديدة من المواجهة مع إسرائيل. وفي العراق حفلة جنون يقودها حلفاء أميركا من رفاق «شلّة حصرية السلاح»، كما عندنا بالضبط. ومشكلة هؤلاء، ليست في أنهم يخدمون بوعي كامل استراتيجية العدو، بل المشكلة في كونهم لا يريدون الإقرار، بأن لا مكان لهم هم، قبل الآخرين، في أي تصور إسرائيلي أو أميركي لحكم بلادنا. لأن ما تقوم به إسرائيل في فلسطين وسوريا ولبنان، هو أمر واحد: تدمير كل مقوّمات الحياة حيث تصل يدها!
أهل فلسطين، لا يحتاجون إلى من يشرح لهم ما الذي يحصل. وهم الآن، ليسوا في موقع تحميل أحد من العرب مسؤولية ما حصل، وهم في حالة إحراج شديد، إزاء ما حصل في قطر. وهم يعرفون بأنْ لا وجود لأي نوع من الضمانات الأمنية للحفاظ على حياتهم. بل أكثر من ذلك، فقيادة قوى المقاومة في خارج فلسطين، باتت تعيش منذ عام ونصف عام على الأقل، في حالة استنفار كاملة، حيثما وُجدت، وحيثما تحرّكت وحيثما تحلّ. ومن يسأل عن أعضائها، حيث يتنقّلون في تركيا ومصر وقطر، إنما يلاحظ بقوة، حجم الاستنفار الأمني الذي يحيط بهم، فقط، لأن الأجهزة الأمنية في الدول المُضيفة تعرف جيداً، أن لا أمان لإسرائيل، وأنها ستحاول قتل هؤلاء، سواء عبر عمليات أمنية أو عبر عمليات عسكرية كما حصل أمس في الدوحة.
أسقط العدوان على الدوحة كل مستور حول الدور الأميركي، وفي لبنان، بات على «شلّة حصرية السلاح» الاجتهاد أكثر قبل دعوة الناس إلى الخضوع لطلبات الخارج
لكن، ماذا عنّا نحن، وفي لبنان تحديداً، حيث لا يزال الفريق المنخرط في المشروع الأميركي – السعودي – الإسرائيلي، يصرّ على السير بخطته في ضرب المقاومة والسعي إلى نزع سلاحها. وبرغم التعثّر الذي أصاب خطته في اجتماع الحكومة الأخير، فإن الجميع يعرف، خصوصاً أهل المقاومة عندنا، أنها مجرّد محطة، وأن هؤلاء سيعودون في أقرب وقت، لإيجاد منصة جديدة لطرح الفكرة نفسها. ولولا أن قيادة الجيش اللبناني، وليس أي مسؤول آخر في الدولة، تعي بدقّة، حجم الكارثة التي ستصيب لبنان جراء قرارات الحكومة لو وُضعت قيد التطبيق، لكانت البلاد اليوم مسرحاً لعنف أعمى.
لكن، أمّا وأنّ العدو أعاد على مسامعنا، وقدّم لنا مشهداً جديداً، يهدف من خلاله إلى تعزيز سرديته القائلة، بأن ما لا يتحقّق بالقوة، يتحقّق بالمزيد من القوة، فإن على حلفاء هذا العدو من صيصان السفارات على أنواعها، أن يتوقفوا عن استخدام عبارات مثل الضمانات الأميركية، وقدرة المجتمع الدولي، ومؤسسة الأمم المتحدة وخلافه، لأن ما حصل في الدوحة أمس، شطب دفعة واحدة كل ما تبقّى من هذه الشعارات والعناوين.
وإذا أراد الفريق الحليف لأميركا والسعودية وإسرائيل مواصلة طريقه في مواجهة المقاومة وناسها وسلاحها، فهو ليس مضطراً أن يكذب على نفسه عندما يتحدّث عن ضمانات ووعود. وأن يجتهد، لإقناع الناس، بأن السلاح ليس له أي جدوى في مواجهة عدو كإسرائيل.
لأن كل طُرح يتكرر على خلفية أن الأخذ بالمطالب الأميركية – الإسرائيلية، سوف يفتح الباب أمام إنقاذ لبنان، هو طرح غبي ونقطة على السطر.
وعلى أصحابه، أن ينظروا إلى ما يحصل مع حكومة أحمد الشرع في سوريا. حيث أبدى الرجل كل الاستعداد لتلبية احتياجات إسرائيل الأمنية والعسكرية في سوريا مقابل وقف العدوان والتوقف عن التوسّع في الاحتلال. ومع ذلك، فهو وفي كل مرة يقدّم فيها تنازلاً سياسياً أو أمنياً، يأتيه الجواب على شكل غارات واضحة نهاراً وليلاً، وتصيب ليس فقط ما بقي من سلاح الجيش السوري القديم، بل ما يحاول الشرع الحصول عليه عبر تركيا وآخرين.
والجواب الوحيد الذي يسمعه الشرع ورفاقه من الأميركيين، أن عليهم بذل المزيد من الجهد، حتى يثبتوا لإسرائيل أنهم لا يشكّلون خطراً على أمنها. وهو بالضبط ما يفعله المبعوث توم برّاك، الذي لا يجرؤ على البوح بما صار يعتقد به حول الاستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة، والتي تلقى قبولاً واسعاً في أميركا نفسها.
جيد، أن نقرأ في لبنان، جانباً من عدوان الأمس، وفيه ما يخصّنا بقوة، حيث لا مجال لأي بحث أو تفكير في أي نوع من التسوية مع حفنة من المجانين المجرمين، وأن على أهل المقاومة، مواصلة ما يقومون به بصمت، ودون الحاجة إلى مشاورة أحد، وطبعاً دون التحدّث عمّا يفعلون مع أحد.
لأن ساعة المواجهة تبدو ماثلة للعيان، وعندها، لا مكان للحديث عن ضمانات ولا عن خطوط حمر ولا عن سقوف ولا ما يحزنون… بل هناك فقط، القوة، والقوة الكبيرة فقط!
الاخبار اللبنانية