مقالات

الأمن القومي: مناعة المجتمعات ضد التهديدات والمخاطر التي تهدد الأمن القومي العربي والإسلامي بقلم: مروان سلطان – فلسطين 🇵🇸

بقلم: مروان سلطان – فلسطين 🇵🇸

الأمن القومي: مناعة المجتمعات ضد التهديدات والمخاطر التي تهدد الأمن القومي العربي والإسلامي

 

بقلم: مروان سلطان – فلسطين 🇵🇸

14.9.2025

——————————————-

حركة المجتمعات وتطورها ونموها تسير في إطار منظومة تحافظ على تلك المسيرة وتشكل مناعة تحفظ على سلامة المجتمع من القضايا التي قد تمس أمنه وتعرضه لأخطار محدقة، وتعيق تطوره ورقيه بين المجتمعات. وليس شرطًا أن تكمن التحديات التي تواجه المجتمعات في التحدي العسكري فقط، فهناك تحديات اخرى قد تعرض أمن المجتمعات لمخاطر أشد فتكًا من ذلك.  يعتبر الأمن القومي العربي والإسلامي الركيزة الأساسية لاستقرار المنطقة وحماية مستقبلها. انه ليس مجرد مفهوم عسكري يقتصر على صد العدوان أو مواجهة الغزاة، بل منظومة شاملة تحمي المجتمعات من التفكك والانهيار ، وهو السياج الذي يضمن صيانة الهوية، وحماية الثروات، وتحقيق التوازن بين الحاضر والمستقبل.  وببساطة يمكن القول إن الأمن القومي العربي والإسلامي هو جهاز المناعة الذي يمنع الأمراض التي قد تصيب هذا الجسد من الوصول إليه والفتك به.

مناعة الشعوب  التي تحفظ الأمن القومي لها لا تُبنى بين ليلة وضحاها، بل هي مجموعة تراكمات في الوعي الإنساني لحماية الأوطان من الملوثات. ويعزز هذه المناعة المسار الطويل التاريخي من العرف والقيم التي تكتسب في البيت والمدرسة، وفي الأسواق والمصانع والشركات والحقول والمزارع، بما يحفظ سلامة الوعي الإنساني ومكوناته السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

يواجه المجتمع العربي والإسلامي تحديات عديدة تستهدف أمنه القومي، وقد برزت أهم هذه التحديات في الآونة الأخيرة، وأصبحت تؤرقه بشكل متزايد، وخاصة بعد الاعتداء على دول عديدة منذ السابع من أكتوبر 2023، بما يمس أمنه واستقلاله، بعد الذي تعرضت له فلسطين منذ نكبتها الاولى.

والأمن القومي الفلسطيني، تعرض لانتهاك صارخ منذ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وظلت التهديدات تتصاعد بوتيرات مختلفة منذ ان كانت النكبة الاولى ، عامل الزمن ليس فيها اساسا ، او التكلفة، واحتلال الجزء الثاني في سنة 1967. لكن بعد السابع من أكتوبر 2023 وصلت تلك التحديات إلى أعلى مستوياتها، لتصبح الحياة برمتها إما موتًا أو حياة، وخاصة في قطاع غزة الذي اجتاحته إسرائيل بكل قواها، مستخدمة أحدث ما أنتجته المصانع الأمريكية والدولية التي هرعت لحماية أمن إسرائيل. الحرب على غزة  والضفة الغربية باتت تهدد الوجود الفلسطيني ، وليس حماية لامن اسرائيل. الا اذا اعتبرت اسرائيل ان فناء الشعب الفلسطيني هو اساس لبقائها.

منذ احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967، أدركت إسرائيل أن الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يُهزم داخليًا عبر مظاهر الاحتلال من قتل ومداهمات واعتقالات وهدم بيوت… إلخ، ورأت أن هذه الممارسات تعزز الأمن القومي الفلسطيني المتجلي في الصمود والثبات على الأرض. لذا اتجهت إلى ضرب منظومة الأمن القومي الفلسطيني عبر استهداف مجموعة القيم التي يتحلى بها الشعب الفلسطيني والعربي عمومًا، مثل الشهامة، والرجولة، والفزعة، والتكافل الاجتماعي، واغراقه بالمغريات المادية.

كما عملت على إغراق بعض الفئات بتدفق الأموال والاعمال، معتبرة ذلك ملاذًا لتحقيق أهدافها في زعزعة الأمن والاستقرار الفلسطيني، وبث السموم والأفكار داخل المجتمع، وإغراقه بالسلاح، وإغراق الأسواق بالنفايات التي أرادت التخلص منها، والسماح في فترة زمنية بالاتجار بالسيارات الفارهة. كل ذلك، وأكثر، ساهم في خلق حالة من الانفصام المجتمعي، وأدى إلى ازدياد الجريمة، وكان أخطرها الانقسام الذي عززته إسرائيل بكل إصرار، ودعت بعض دول العالم للتعامل مع واقع الشعب الفلسطيني باعتباره فقد منظومته السياسية.

وقد استندت بعض الجهات المغيبة ثقافيًا إلى فكرة أن إسرائيل، عبر الانقسام، تنال من الشعب الفلسطيني: فحماس تمثل محور المقاومة، بينما تمثل فتح والسلطة “التنسيق الأمني” أي الخيانة. وقد لاقى هذا الطرح رواجًا لدى المغيبين عن الفهم السياسي للواقع الفلسطيني والهدف الكبير الذي اخفته اسرائيل من وراء ذلك، وكمنت وراءه ودعمت ثباته من اجل القضاء على الحلم الفلسطيني. فاسرائيل لم تكن ترغب في حماس كما لم ترغب في م ت ف وعلى راسها حركة فتح، لكن وجدت في الانقسام ضالتها وتبعها المافنون من المشاركين في الانقسام والمؤيدون له ، بينما بقيت المقاومة الحقيقية عارية وبعيدة كل البعد عن تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني.

كل ذلك يعني أن الأمن القومي الفلسطيني واجه تحديًا صارخًا مكّن الاحتلال من الاستمرار، بل واعادة تموضعه ليصبح آخر وأطول احتلال في التاريخ المعاصر، يريد ارضا بلا شعب. ونتيجة لتطورات السابع من أكتوبر، استطاع الاحتلال أن يؤسس لمرحلة جديدة عنوانها: ضم الأراضي الفلسطينية إلى إسرائيل، واحتلال قطاع غزة، وتهجير الشعب الفلسطيني، وارتكاب جرائم حرب من إبادة جماعية وتجويع وتعطيش وتهجير قسري وعنف مستوطنين. كل ذلك وأكثر أصبح جزءًا من التهديدات للأمن القومي الفلسطيني، بل ووجوده على ارضه ووطنه.

وبالتالي يمكن القول إن مجمل سياسات الاحتلال تجاه الشعب الفلسطيني هدفت إلى النيل من أمنه القومي، لمنعه من إقامة مشروعه الوطني على أرضه ووطنه.

وكما الحال فلسطينيًا، فإن الأمن القومي العربي والإسلامي تضرر بسبب محاولات فرض النفوذ الإسرائيلي على المنطقة، حيث لم تتوقف التهديدات عند لبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران، بل وصلت إلى مناوشتها للأردن ومصر وتركيا لفرض معادلات جديدة على الأرض. وذهب الى ابعد ذلك لتعلن عن الحلم الاسرائيلي في الدولة اليهودية الكبرى من النيل الى الفرات.

كما امتد العدوان إلى الدوحة، التي كانت تقود الوساطة من أجل الإفراج عن الرهائن. علماً أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية “الموساد” و”الشاباك” تمتعت بوجود ونفوذ في عدة مفاصل داخل الدوحة. وقد كشف العدوان عن طبيعة التهديدات التي تواجه العالم العربي والإسلامي، وأظهر أن إسرائيل لم تعد تقيم وزنًا لعلاقاتها السابقة. ولم يحدث ذلك الا بضوء اخضر من الادارة الامريكية ، التي تدعم اسرائيل في عدوانها ، بينما تقوم اسرائيل بتوريط الولايات المتحدة في عدوانها على الاقليم، مما يعرض الامن والسلم العالمي للخطر.

لقد دشّنت إسرائيل في عدوانها على قطر مرحلة جديدة من مفهوم العلاقات الدبلوماسية والوساطات التي تبنى على الهيمنة ، ويبقى على الطرف العربي أن يدرك أن التهديدات ستظل قائمة أمام سطوة الأطماع والأحلام التلمودية التي تحكم إسرائيل اليوم.  التهديدات للأمن القومي العربي لا يمكن أن تزول إذا بقيت فكرة الدول الصغيرة قائمة بعد العدوان على الدوحة، حتى مع ثرواتها التي تتحول أصلًا إلى مصدر تهديد لها، دون إعادة بناء الأمن القومي في إطار أشمل وأوسع، يؤسس لمرحلة جديدة من الوعي العربي في حماية امنه القومي، تحفظ سلمته ووجوده.

إن غياب الأمن القومي العربي عن حماية وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني جعل مستقبل الأمن العربي على المحك، وخلق تهديدات للأمن القومي العربي والإسلامي كان يمكن التغلب عليها لو تم الحفاظ على سلامة الأمن القومي الفلسطيني بعيدًا عن الانقسام والاحتلال.  إن قراءة المخاطر التي تهدد الأمن القومي العربي والإسلامي تكشف أن مكمن الخلل لم يكن في قوة التهديدات بقدر ما كان في غياب المناعة الداخلية والحد الأدنى من الموقف العربي الموحد. وإذا كان الأمن القومي الفلسطيني هو خط الدفاع الأول، فإن أي تراجع في دعمه يفتح الباب واسعًا أمام المزيد من الانكشاف العربي والإسلامي. وعليه، فإن استعادة الوعي وبناء منظومة أمن قومي شاملة لم تعد خيارًا نظريًا، بل ضرورة وجودية تحدد مصير الأمة بين البقاء أو التلاشي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب