من الوحي إلى الشاشة: أحفاد النبي محمد والتدين الرقمي

من الوحي إلى الشاشة: أحفاد النبي محمد والتدين الرقمي
تهتم خان أساساً بدراسة تراث مجتمعات الشتات الإسلامي في الولايات المتحدة وجنوب شرق آسيا، وهو ما يجعل نتائجها مفيدة لتتبع تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على طقوس الإسلام اليوم، وعلى النقاشات والجدالات اليومية المرتبطة بها. ومن الأمثلة التي توقفت عندها، مسألة الزواج والنكاح، حيث يقوم النكاح الشرعي على عقد بسيط بين العريس والعروس بحضور شاهدين، ويتطلب دفع النفقة، أو المهر الذي قد يكون مقدما أو مؤجلا.
وعلى الصعيد الوسائطي، لعب الإعلام الجديد دوراً مباشراً في الممارسة الإسلامية، إذ أتاح إمكانية عقد النكاح أحياناً دون حضور فعلي للعريس، وهو تطور مهم وفّر حلولاً للزيجات المتوقفة. كما لعبت منصات مثل إنستغرام دوراً كبيراً في طقوس الزفاف، إذ أصبح فضاءً رئيسياً لتبادل الصور والفيديوهات وعرض تفاصيل حفلات الزفاف، ما أضاف عناصر بصرية جديدة إلى التقاليد الإسلامية. ولذلك نلاحظ أن كثيراً من صور حفلات الزفاف التي تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي تعكس ابتعاداً عن التقاليد الدينية أو المحلية، أو مزجها مع أنماط الزفاف الغربية. كما تبرز النقاشات حول المهر: مقدار المهر المقبول، أسباب دفعه، وما إذا كان يجب التخفيف أو الحفاظ على التقليد، وهو ما يشير إلى إعادة تقييم النكاح والالتزامات المترتبة عليه، وتحوله من طقس ثابت إلى موضوع قابل للنقاش وإعادة التفسير في العالم الرقمي.
تقف خان أيضاً عند فكرة الصلاة في المسجد، خاصة صلاة الجمعة. فوفق ما يُلاحظ في عالم المسلمين في الولايات المتحدة، أن معظم المساجد، أو كثيراً منها اتجهت خلال السنوات الأخيرة إلى نقل خطب الجمعة والدروس عبر منصات مثل فيسبوك ويوتيوب، بحيث يمكن للمتابعين المشاركة عن بُعد. إضافة إلى ذلك، وفرت هذه المساجد خيارات الإنترنت الخاصة بجمع التبرعات بسرعة وأمان، بما يشمل التبرع لوجبات الإفطار وخدمات التعليم الإسلامي. ومن هذا المنطلق، ترى الباحثة أن كثيراً من أبناء هذه المجتمعات أصبحوا يرون أنه من الممكن البقاء في المنزل وعدم الذهاب فعلياً إلى المسجد، وهو ما يخلق نمطاً جديداً من العلاقة بالإسلام، يمكن وصفه بأنه علاقة افتراضية رقمية، تعتمد على الوسائط الرقمية بدل الحضور الفيزيائي المباشر. ربما نسجل هنا ملاحظة أن هذه الظاهرة لا تنطبق بالضرورة على واقع مدن مثل دمشق أو إسطنبول أو الشارقة. فصلاة الجمعة، رغم التطورات في الوسائط الرقمية، ما تزال تحظى بحضور كبير، بل إن بعض الجوامع تشهد اكتظاظاً ملحوظاً خلال صلاة الجمعة. ومن هنا نرى أن الافتراض القائل بأن الوسائط الرقمية قد تقلل من حضور الصلاة لم ينجح في التأثير كثيراً على المجتمعات المحلية بالضرورة.
على العكس، يبدو أن هذه الوسائط أثرت أكثر على المجتمعات المهاجرة، بينما وفرت فرصة للإسلام المحلي ليعبر عن نفسه بشكل أوسع، ولتوصيل رسائله إلى فئات، ربما كانت بعيدة عن المساجد. وفي هذا السياق، اتجه العديد من المساجد والمدارس الدينية إلى بث خطب الجمعة والدروس عبر الإنترنت، ما ساهم أحيانا في انتشار أفكار بعض رجال الدين المحليين، وبالتالي، نلاحظ أن الافتراضي في هذه الحالة يساهم في دعم الإسلام المحلي، من خلال إيصال محتواه إلى جمهور أوسع، وليس بالضرورة ليحل محل الممارسة التقليدية في المجتمعات الأصلية.
في كل الأحوال، يبدو أن النقاشات والخلافات على وسائل الإعلام الجديدة تكشف عن قوة هذه الوسائط في طرح خبرات وأفكار جديدة، ما يعزز فكرة أننا أمام تدين رقمي. هذا التدين الرقمي يحتاج إلى دراسات أوسع في المدينة العربية، وتتبع دقيق لتفاصيله اليومية، والتعامل بجدية مع النقاشات على منصات التواصل الاجتماعي، إذ يتضح أن تأثيرها أعمق بكثير مما نتصور. ولذلك ربما تبرز الحاجة إلى تأسيس ما يمكن تسميته بمشروع دراسة التدين الرقمي في العالم العربي، لضمان فهم أفضل لهذا التحول العميق في الممارسة الدينية والثقافة الإسلامية، وفي حياتنا عموما، ونأمل أن لا يبقى مجرد مشروع مؤجل، كما هو حال العديد من المشاريع البحثية والثقافية العربية.
٭ كاتب سوري