ثقافة وفنون

مهيار الديلمي مصطفى معروفي

مهيار الديلمي
مصطفى معروفي
ــــــــ
لعل المطلع على ديوان الشعر العربي القديم لا شك سيلاحظ هذه الكثرة الكاثرة من الشعراء غير العرب الذين دخلوا الإسلام وتعلموا اللغة العربي وصاروا نبغاء فيها،ومنهم من نبغ في الشعر على الخصوص،وأنا في بداية اطلاعي على هذا الشعر كنت أراه شعرا بريئا وكفى الله المؤمنين القتال،حتى اطلعت على ملاحظة ذكية من كاتبنا العربي الكبير ابن خلدون،فيما يخص فقهاء المسلمين وعلماءهم،يقول فيها بأنه لاحظ الكثير منهم من العجم وليسوا عربا في الأصل،وأن كثرتهم في العلوم الدينية تثير الانتباه،مما يدعو إلى التساؤل :هل الأمر عفوي ومجرد حب للدينوخدمة له؟
أقول أنني لما اطلعت بقدر المستطاع وهو اطلاع متواضع جدا جدا مني على الشعر وخصوصا على شعر الموالي وشعر غير العرب من غير الموالي توصلت إلى قناعة أن هذا الميل منهم لقرض الشعر والنبوغ فيه لم يكن كله لوجه الله،بل كان لأمر ما ،الشيء الذي أفرز في الأخير ظاهرة ما سميت ب”الشعوبية”.
وشعراء الشعوبية كثر منهم على سبيل المثال أبو نواس وبشار بن برد وابن الرومي وغيرهم كثير،واليوم سنتحدث عن واحد منهم ونعطي أمثلة من شعره حتى لا يكون كلامنا غير مسند إلى دليل واضح،والمثال هو مهيار الديلمي.
مهيار الديلمي(توفي سنة 428 هجرية)واسمه هو مهيار بن مرزويه الديلمي،شاعر من أصل فارسي ،وقد أسلم على يد الشاعر الشريف الرضي بعدما كان مجوسيا،ولد في الديلم بنواحي جيلان على بحر قزوين.وهو من شعراء العصر العباسي الثالث أيام بني بويه الذين استردوا سلطان الفرس من الترك بحد السيف.
ويذكر مؤرخوا مهيار بأنه كان من غلمان الشريف الرضي،وأنه تشيع على يديه.والشريف الرضي هذا هو الذي جمع خطب علي بن أبي طالب في كتاب سماه(نهج البلاغة) وهو القائل من قصيدة كنا نحفظها أيام الدراسة:
لِــغَيرِ الــعُلى مِــنّي الــقِلى وَالتَجَنُّبُ
وَلَولا العُلى ما كُنتُ في الحُبِّ أَرغَبُ
………………………………….
………………………………….
ملكتُ بحلمي فرصة ما استرقَّها
من الدهر مفتول الذراعين أغلبُ
في شعر مهيار الديلمي أحيانا نراه يعتز بهذالدين الجديد ولكنه لا يتخلى عن الاعتزاز بفارسيته،يقول في قصيدة كنا نحفظها أيام الدرس والتحصيل كسابقتها:
أُعْجِبَتْ بي بين نادي قَومِها
أُمُّ ســعدٍ فــمضَتْ تسألُ بي
سَــرَّها ما عَلِمتْ من خُلُقي
فــأرادتْ عِــلمَها مــا حَسَبي
ثم ما يلبث أن يفتخر بنسبه قائلا:
لا تــخــالي نَــسَباً يــخفِضُني
أنــا مَــن يُرضيكِ عند النسبِ
قَوْمِيَ استولَوْا على الدهرِ فَتىً
ومَــشَوْا فــوق رءوسِ الحِقَبِ
عــمَّــموا بــالشمسِ هــاماتِهُمُ
وبَــنــوْا أبــيــاتَهم بــالــشهُبِ
وأَبــى كِــسرَى عــلى إيــوانهِ
أيــن فــي الناس أبٌ مثلُ ابي
سَــوْرةُ الــملكِ القُدامَى وعَلَى
شَــرَفِ الإســلامِ لــي والأدبِ
قــد قَبستُ المجدَ من خيرِ أبٍ
وقــبَستُ الــدينَ من خيرِ نبي
وضَــممتُ الفخرَ من أطرافِهِ
ســؤددَ الــفرسِ ودينَ العربِ
والظاهر أنه قبل إسلامه كان شديد الزراية بالعرب ومتعصبا لفارسيته ،نلاحظ ذلك في قوله من قصيدة أخرى:
أتــعــلمينَ يـــا ابــنةَ الأعــاجمِ
كــم لأخيكِ في الهوى من لائمِ
يــهُــبُّ يــلــحاه بــوجهٍ طَــلَقٍ
يــنطِقُ عــن قلبِ حسودٍ راغمِ
وهــو مــع الــمجد على سبيله
ماضٍ مضاءَ المشرفيّ الصارمِ
مــمــتثِلا مـــا ســنَّــه آبـــاؤهُ
إن الــشــبولَ شَــبَهُ الــضراغمِ
ويشرع في تعداد مفاخرة بقوميته الفارسية ويذكر أمجاد الفرس اصحاب التاج ويزري بالعرب الذين “يفخرون بالعمائم”:
مــا اخــتصَمَتْني فيهمُ قبيلةٌ
إلا وكــنتُ غُصّةَ المخاصمِ
ولا نشرتُ في يدي فضلَهمُ
إلا نــثرتُ ملءَ عِقدِ الناظمِ
إن يجحد الناسُ عُلاهم فبما
أنــكرَ روضٌ نِــعَمَ الــغمائمِ
أو قُــلِّدِ الــصارمُ غــيرَ ربّه
فــلــيس غــيرُ كــفّه لــلقائمِ
أحــقُّ بــالأرض إذا أنصفتُمُ
عــامرُها بــشرف الــعزائمِ
يــا نــاحلي مــجدِهمُ أنفسَهم
هُبُّوا فللأضغاثِ عينُ الحالمِ
شــتان رَأسٌ يفخَرُ التاجُ به
وأرؤسٌ تــفــخَرُ بــالــعمائمِ
وللعلم فقط فمهيار الديلمي كان نغمة واحدة من نغمات الشعودبية التي صالت وجالت دون حسيب أو رقيب إبان أيام دولة بني بويه.
ومن يقرأ تاريخ الموالي الشعراء ومناكفتهم للشعراء العرب الأقحاح سيدرك لا محالة مدى المشاق والمعاناة التي تجشمها هؤلاء في الرد على شعراء الشعوبية ومدى منافحتهم عن أصلهم العربي وعن دينهم بلا مهادنة.
اللهم يسر لنا أمورنا ما أحييتنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب