إسرائيل لا تملك صلاحية تغيير الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية: باطل الكنيست وشرعية القانون الدولي

إسرائيل لا تملك صلاحية تغيير الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية: باطل الكنيست وشرعية القانون الدولي
بقلم: رئيس التحرير
منذ عام 1967، وإسرائيل تحاول – عبر أدوات تشريعية وسياسية واقتصادية – فرض وقائع مادية على الأرض الفلسطينية لتغيير وضعها القانوني. إلا أن هذه المساعي تصطدم بجدار صلب من القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية التي تؤكد جميعها أن الأراضي الفلسطينية المحتلة ليست جزءًا من إسرائيل، ولا يملك الكنيست الإسرائيلي أي ولاية تشريعية أو سيادية عليها.
أولاً: بطلان القانون الإسرائيلي ومحاولة فرض السيادة
القانون الإسرائيلي الذي أقرّه الكنيست بالقراءة التمهيدية والمتعلق بفرض السيادة على أجزاء من الضفة الغربية والقدس الشرقية، هو قانون باطل من أساسه من منظور القانون الدولي. فالقوة القائمة بالاحتلال لا تملك الحق في سنّ تشريعات أو اتخاذ تدابير تغيّر من الوضع القانوني أو الإداري للأراضي المحتلة، وفقًا للمادتين 47 و49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.
إن محاولة الكنيست تمرير تشريعات تطال الضفة الغربية تمثل انتهاكًا صارخًا للمادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تحظر الاستيلاء على أراضٍ بالقوة، وتؤسس لمبدأ راسخ في القانون الدولي هو عدم جواز اكتساب الأرض نتيجة الحرب.
ثانياً: قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة تؤكد البطلان
لقد رسّخ مجلس الأمن الدولي هذا المبدأ في قراراته المتعاقبة، وأهمها:
القرار 242 (1967) الذي شدد على “عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة”، وطالب بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في عدوان حزيران.
القرار 338 (1973) الذي أكد على تطبيق القرار 242.
القرار 478 (1980) الذي رفض “قانون القدس” الذي أقره الكنيست الإسرائيلي واعتبره لاغيًا وباطلاً، داعيًا الدول إلى سحب بعثاتها من المدينة.
القرار 2334 (2016) الذي نص صراحة على أن “المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، ليس لها أي شرعية قانونية وتشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي”.
كما أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قراراتها، لا سيما القرار ES-10/15 لعام 2004 والقرار ES-10/20 لعام 2023، أن جميع الإجراءات الإسرائيلية التي تستهدف تغيير الوضع القانوني أو الجغرافي للأراضي المحتلة باطلة ولاغية ولا تترتب عليها أي حقوق.
ثالثاً: رأي محكمة العدل الدولية وإعادة التأكيد على عدم الشرعية
في الرأي الاستشاري الصادر في 9 يوليو/تموز 2004 بشأن “الجدار الفاصل”، أكدت محكمة العدل الدولية أن بناء الجدار والاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، يشكل انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، وأن إسرائيل ملزمة بوقف هذه الانتهاكات وإزالة آثارها وتعويض الفلسطينيين المتضررين.
وفي الرأي الاستشاري الصادر في يوليو/تموز 2024، بشأن الآثار القانونية الناشئة عن سياسات إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة، أعادت المحكمة التأكيد أن الاحتلال الإسرائيلي والضم الفعلي لأجزاء من الضفة الغربية يشكلان خرقًا سافرًا لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وأن القوانين الإسرائيلية الهادفة إلى تكريس هذا الضم تُعد لاغية وباطلة ولا تنشئ أي أثر قانوني دولي.
رابعاً: الجريمة الدولية ومبدأ القواعد الآمرة
القواعد الآمرة في القانون الدولي (Jus Cogens) تمنع أي دولة من الاعتراف بالضم أو الاستيطان كواقع قانوني. كما أن نقل سكان الدولة المحتلة إلى الأراضي المحتلة يشكل جريمة حرب بموجب المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وبذلك، فإن أي تشريع يصدر عن الكنيست يُعد مشاركة في جريمة دولية جماعية تستوجب المساءلة الفردية والمؤسسية أمام المحكمة الجنائية الدولية.
خامساً: الأبعاد السياسية والاستراتيجية
محاولات إسرائيل تقنين الضم عبر الكنيست ليست سوى محاولة سياسية للهروب من مأزق الاحتلال المستمر، وإضفاء “شرعية داخلية” على واقع مرفوض دوليًا. غير أن مثل هذه الخطوات تعمّق عزلة إسرائيل على الساحة الدولية، وتؤكد أن إسرائيل باتت دولة فوق القانون الدولي في ممارساتها، لكنها في الواقع تحت طائلة المساءلة القانونية والأخلاقية.
وفي المقابل، يُعيد الموقف الدولي المتماسك – كما عبّرت عنه محكمة العدل الدولية والجمعية العامة ومجلس الأمن – التأكيد على أن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والسيادة على أرضه حق ثابت وغير قابل للتصرف، وأن جميع التدابير الإسرائيلية لا تغيّر من هذه الحقيقة القانونية شيئًا.
خاتمة
إن القانون الذي يسعى الكنيست الإسرائيلي لإقراره لا يغيّر من الواقع القانوني شيئًا، بل يرسّخ الطابع الاستعماري والعدواني للاحتلال، ويشكّل انتهاكًا خطيرًا للقواعد الآمرة في القانون الدولي. إسرائيل، مهما أصدرت من قوانين وتشريعات داخلية، لا تستطيع أن تُلغي الحقيقة الأساسية:
أن فلسطين أرض محتلة، وأن السيادة عليها للشعب الفلسطيني وحده.
وبذلك، فإن كل القوانين الإسرائيلية المتعلقة بالضم أو الاستيطان باطلة من أساسها، قانونًا وشرعًا وواقعًا، ولا تخلق أي حقوق أو التزامات، بل تشكّل دليلًا جديدًا على استمرار الجريمة الدولية ضد الشعب الفلسطيني، التي سيحاسَب مرتكبوها عاجلًا أو آجلًا أمام العدالة الدولية.




