إعادة الاعتبار لكهانا!

إعادة الاعتبار لكهانا!
سقطت عن هذه الدولة كل الأقنعة والمساحيق التجميلية، وظهرت حقيقتها الاستعمارية الإبادية عارية، حتى أصبحت جرائم القتل والحرق والاغتصاب والتدمير والتعذيب المرتكبة بحق الفلسطينيين مصدر فخر واعتزاز في عُرف مجتمعها…
لم تكن تصريحات نائب رئيس الكنيست من حزب الليكود، نيسيم فاتوري، التي امتدح فيها الفاشي مئير كهانا، مشيرًا إلى صوابية نهجه، قائلًا إنه لو كان على قيد الحياة لمنح جائزة إسرائيل، لم تكن مجرد زلة، ولا هي استثناء يمثّل شذوذًا عن القاعدة الأخلاقية التي تتسم وتوصم بها السياسة والمجتمع في إسرائيل بعد السابع من أكتوبر وحرب الإبادة على غزّة، التي كشفت عن الوجه الحقيقي للصهيونية، وصهرت جميع أحزابها ومركّبات مجتمعها في بوتقة واحدة تنضح بالعنصرية والعداء، لتحوّلها إلى كتلة متراصّة مجبولة بالحقد والكراهية البغيضة، تنطق بصوت واحد: لقد صدق كهانا. أو كما قال عضو الكنيست فاتوري، إن كهانا أصاب في العديد من المواقع التي أخطأ فيها شعب إسرائيل.
فاتوري اعترف أن الليكود أخطأ عندما قام بعزل كهانا وإقصائه ونبذه، قائلًا إنهم سيقومون بتصحيح هذا الخطأ. والحقيقة أن الليكود قام بهذه الخطوة التصحيحية منذ بضع سنوات، عندما أسّس ائتلافه الحكومي على التحالف مع سموتريتش وبن غفير، تلميذ كهانا وخليفته، وأنشأه على قاعدة منهجه السياسي والأيديولوجي العنصري والفاشي، وقام بترجمة هذا النهج في حرب الإبادة غير المنتهية على قطاع غزّة، والتي لم يعرف التاريخ الحديث مثيلًا لها في مستويات القتل والدمار والتجويع.
الليكود الذي يقود هذه الحكومة، يطلق العنان لقطعان المستوطنين الفاشيين وعصاباتهم في الضفة الغربية، فيعملون الخراب والحرق والدمار في بيوت الفلسطينيين ومزروعاتهم وأملاكهم، والاعتداء عليهم جسديًا وبالرصاص الحي، وذلك ضمن استراتيجية واضحة تهدف إلى ترهيب الفلسطينيين في هذه المناطق وتضييق سبل عيشهم، لدفعهم إلى الرحيل عن أرضهم والاستيلاء عليها.
وكانت آخر هذه الهجمات الإرهابية هي الاعتداء الذي وقع أمس الأول في بيت ليد ودير شرف في منطقتي طولكرم ونابلس، حيث جرى إشعال النار في مصنع ألبان تابع لشركة الجنيدي التي تشغّل آلاف العمال في الضفة الغربية، كما جرى إحراق عدد من الشاحنات والسيارات الخاصة المتوقفة في المكان، إضافة إلى إشعال النيران بخيام سكنية في أحد التجمعات البدوية القريبة.
وفي هذا السياق، تشير معطيات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” إلى أن شهر تشرين الأول الفائت شهد 264 حالة اعتداء من قبل المستوطنين، في حين بلغت هذه الاعتداءات منذ بداية العام الجاري أكثر من 1500 اعتداء، هذا في حين أسفرت هذه الاعتداءات عن تهجير 3200 فلسطيني من بيوتهم.
وقد حوّلت هذه الهجمات المتكررة والمنظّمة، التي تعاظمت منذ السابع من أكتوبر، المستوطنين إلى ذراع ضارب في خدمة تنفيذ سياسة الاحتلال، في عملية منسّقة لتقاسم الأدوار مع قوات الجيش في قمع الفلسطينيين، ولعب الدور الأكثر قذارة في العملية المنهجية التي تهدف إلى إرهاب الفلسطينيين في المناطق “ج” بشكل خاص، بغية إخلائها من سكانها تمهيدًا لضمّها. بينما تفيد المعطيات أن هجمات المستوطنين تلك قد أفلحت بتحقيق ما فشل به جيش الاحتلال خلال سنوات، حيث نجحت منذ بداية حرب الإبادة في اقتلاع 33 تجمعًا رعويًا فلسطينيًا في منطقة الأغوار.
وفي مناطق التماس الواقعة على الخط الأخضر، تجري أيضًا عملية تهجير منهجية للفلسطينيين من أراضيهم الواقعة غرب الجدار، والتي تُقدّر مساحتها بـ320 ألف دونم. حيث تصف الصحفية الإسرائيلية عميرة هس تلك العملية بأنها “ترانسفير هادئ”، وتقول في مقال نشرته “هآرتس”، إنه في الوقت الذي تقوم به ما تصفها بـ”القوى الضاربة” التابعة لمجلس المستوطنات بمهمة طرد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من أرضهم، يجري بالتوازي طرد مشابه لكن بدون عناوين وبدون عنف وقضبان حديدية ورصاص حي، بل بواسطة أوامر إخلاء وقواعد قانونية صاغها حقوقيون بدون أسماء، بتواقيع جنرالات ومصادقة المحكمة العليا الإسرائيلية.
وتقول هس إنه يكفي أن يقوم شبيبة المستوطنين بنصب “كرفان” على بعد بضعة أمتار من كرم زيتون فلسطيني، ثم يدّعوا بعد ذلك أن عملية قطف الزيتون من قبل الفلسطينيين تضايقهم، ليصبح من “حقهم الإلهي” أن يهاجموا قاطفيه حتى ينزفوا دمًا. في حين ترى الدولة في السكان الذين احتلتهم إلى الأبد عام 1967، مجرد رعايا مسلوبي الحقوق، وعليه فإن أي بئر ماء أو سوق شعبي أو رحلة منظّمة في المنطقة المصنّفة ج مخالفة تستحق العقاب، على حد وصفها.
الأمر أكثر سوءًا في منطقة التماس التي تعتبر “ج تربيع” حسب تعبيرها، حتى إن بضعة آلاف الفلسطينيين الذين يسكنون في القرى التي تم حبسها خلف الجدار، يستطيعون السكن فيها فقط إذا ما أصدرت لهم إسرائيل تصاريح مناسبة.
في ضوء هذا الواقع، لم يُخطئ عضو الكنيست الليكود ونائب رئيس الكنيست المذكور عندما ترحّم على كهانا واستسمحه، وهو المدان بعمليات إرهابية في إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. فقد سقطت عن هذه الدولة كل الأقنعة والمساحيق التجميلية، وظهرت حقيقتها الاستعمارية الإبادية عارية، حتى أصبحت جرائم القتل والحرق والاغتصاب والتدمير والتعذيب المرتكبة بحق الفلسطينيين مصدر فخر واعتزاز في عُرف مجتمعها، في حين أن الإبلاغ عنها ومحاولة فضحها محطّ عار وشنار وتهمة يُحاكم عليها القانون.




