
صباح فلسطيني يطل من شرفه لبنانيه
بقلم حسين عبدالله جمعه
الصباح الباكر… من نافذتي الشمالية في بعلبك، كنت أرتشف قهوتي وأتطلّع نحو الأفق البعيد.
كانت قمم صنين قد ارتدت ثوبها الأبيض مع نهاية نوفمبر، فيما افترشت الشرفة أوراق الكرز والخوخ التي سقطت عن شجرتَي في الحديقة. تلك الأوراق وحدها كانت كافية لتوقظ في داخلي شادي الضائع في صوت فيروز، ومطلع الأغنية التي لطالما هزّت شيئًا عميقًا في روحي:
> بصباح الألف الثالث… بعد في جوع
في أطفال مشرّدين… وبكي ودموع…
أغنية تجعل الإنسان يسأل نفسه: من نحن؟ وأي زمن هذا الذي يأكل أبناءه؟
ومع كل دفقة حنين، كانت عيناي تعودان إلى ذلك الأفق الشمالي… تتجاوزان صنين، وتعبران البحر، لتصلا إلى حيث محمود درويش… وإلى قهوة أمّي.
أدركتُ يومها أن أعمارنا لم تعد تُقاس بعدد السنين، بل بعدد الحروب التي مرّت فوق رؤوسنا، وبكمّ الخوف الذي سكن ليالينا، وبما تهدّم في داخلنا من بيوت وأحلام وذكريات.
صارت أعمارنا تُقاس بعدد المرات التي هُجّرنا فيها… بعدد المرات التي فقدنا فيها صديقًا، جارًا، حبيبًا… أو مدينة كاملة.
صرنا مثل مدن الملح؛ نتلاشى بهدوء، نذوب من دون أن نترك على الرمال أثرًا واضحًا.
والمؤلم–المضحك في آن–أننا ما زلنا نسير بهيئة إنسان، لكننا مائلون للسقوط في أي لحظة.
وحين تشتدّ الرحلة في داخلي، تحملني الذاكرة إلى عكّا وحيفا… وتقول لي عيناي، من وراء الدمع:
رغم كل شيء… سيبقى صباحُك فلسطينيًا، ولو كنت على شرفةٍ رومانسية في بعلبك.
فالعدالة والرومانسية… خطّان متوازيان، لا يلتقيان في عالم تحكمه القوة، وتحرُس ظلمه الغطرسة.
حسين عبدالله جمعه
بعلبك – 23/11/2014



