بين ثوابت المجتمع وتحولات الخطاب الاجتماعي

بين ثوابت المجتمع وتحولات الخطاب الاجتماعي: قراءة في رفض مؤتمر “المساواة بين المرأة والرجل” بجامعة القدس – أبو ديس
إعداد: الدكتورة شرين الناجي
شهدت جامعة القدس – أبو ديس هذا الأسبوع حالة من الجدل المجتمعي عقب الإعلان عن مؤتمر بعنوان “المساواة بين المرأة والرجل”. وفي سياق هذا الرفض الشعبي، قام شيخ مشايخ عرب السواحرة ورئيس مجلس عشائرها، الشيخ أحمد مشهور (أبو مشهور)، بزيارة رسمية إلى الجامعة، التقى خلالها عدداً من ممثلي إدارتها، حيث سلّمهم كتابًا يوثّق موقف عشائر السواحرة الرافض لانعقاد المؤتمر بصيغته المطروحة.
موقف العشائر: حماية الثوابت الدينية والقيم المجتمعية
أكد الشيخ أبو مشهور خلال اللقاء أهمية صون ثوابت المجتمع الدينية والقيمية، والحفاظ على الأعراف الحميدة التي تمثّل ركيزة الهوية الفلسطينية الأصيلة. وأشار إلى مسؤولية الجامعات، بوصفها مؤسسات تربوية وثقافية، في تعزيز الانسجام بين برامجها الأكاديمية وبين النظام القيمي الذي يحكم حياة المجتمع الفلسطيني.
الزيارة، بشكليها الرمزي والرسمي، تعكس إدراكًا واسعًا لدى العشائر بأن الخطاب الاجتماعي المرتبط بقضايا الأسرة والمرأة وحقوقها هو خطاب حساس، يحتاج إلى معالجة علمية رصينة تراعي خصوصية المجتمع دون الإخلال بمبدأ التطور والبحث الأكاديمي.
الأسرة في المنظور الإسلامي: تكامل الأدوار لا صراعها
من منظور أكاديمي وفقهي، تميّزت الشريعة الإسلامية بمقاربة متوازنة لقضايا الأسرة؛ فهي تؤسس لعلاقة قائمة على التكامل بين الرجل والمرأة، وليس على التنازع أو التنافس. وقد أكد القرآن الكريم على مبدأ المساواة الروحية والإنسانية بين الجنسين، إذ يقول تعالى:
“ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف”.
لكن هذه المساواة لا تلغي الفوارق الطبيعية في الأدوار والوظائف، بل تنظمها ضمن إطار يحفظ كيان الأسرة ويضمن استقرارها. ومن هنا تأتي حساسية أي خطاب يدعو إلى “مساواة مطلقة” دون تمييز بين المجالات التي تتطلب الشراكة، وتلك التي تحتاج إلى توزيع الأدوار بما يراعي الفطرة والواقع الاجتماعي.
قانون الأحوال الشخصية: بين التطوير ومراعاة المرجعية الشرعية
يستند قانون الأحوال الشخصية الفلسطيني في جوهره إلى مبادئ الفقه الإسلامي، ويوفّر مظلة تشريعية تحافظ على كيان الأسرة وحقوق جميع أفرادها. ورغم الحاجة الطبيعية لمراجعة القوانين وتطويرها بما يتناسب مع تطور الزمن واحتياجات المجتمع، فإن أي عملية تطوير يجب أن تتم وفق المقاصد الشرعية، وبما يحافظ على التوازن الدقيق بين حقوق المرأة والرجل وواجباتهما.
وفي هذا السياق، يرى المختصون أن مؤتمرات من هذا النوع ينبغي أن تعتمد على لغة علمية متوازنة، وأن تُطرح قضايا النوع الاجتماعي بصياغات دقيقة لا تُفهم باعتبارها تجاوزًا للثوابت الدينية، بل إطارًا للنقاش الأكاديمي المحكوم بالضوابط الثقافية للمجتمع.
أهمية الحوار بين المؤسسات والعشائر
زيارة الشيخ أبو مشهور تمثل نموذجًا إيجابيًا لحالة من الحوار المسؤول بين المجتمع المحلي والمؤسسة الأكاديمية. فبدل التصعيد أو القطيعة، اتجه الطرفان إلى الحوار والتواصل وتسليم موقف مكتوب، ما يعكس نضجًا مجتمعيًا وحضورًا وطنيًا يوازن بين حرية البحث الأكاديمي وبين احترام المرجعية القيمية.
خاتمة: نحو خطاب اجتماعي يحترم الهوية ويستجيب للتحولات
إن النقاش حول الأسرة والمساواة والحقوق ليس جديدًا في المجتمع الفلسطيني، لكنه يتطلب دائمًا أن يتم بمنهجية علمية رشيدة، تستند إلى العقيدة الإسلامية وإلى التجارب القانونية المقارنة، وتضع مصلحة الأسرة واستقرار المجتمع في مقدمة الأولويات.
ويبقى دور الجامعات محوريًا في تقديم هذا الخطاب المتوازن، بما يضمن أن تكون برامجها منصّة للحوار لا للصدام، وللوعي لا للقطيعة، ولصون الهوية لا لتغييبها.
.



