التجار يحكمون قبضتهم على المستهلكين قبل عيد الأضحى… ووضع الحكومة يزداد حرجا

التجار يحكمون قبضتهم على المستهلكين قبل عيد الأضحى… ووضع الحكومة يزداد حرجا
حسام عبد البصير
القاهرة ـ : بينما تنتفض “جنين” مسجلة أحدث نسخ البطولة على الطريقة الفلسطينية تاركة العواصم العربية في غيبوبتها شبه الأبدية، تزداد قناعة الجماهير العربية بأنها باتت تتماهى مع أنظمتها في عدم الوفاء بدورها في دعم القضية، إذ تراجع الحراك الشعبي في نصرة الشعب الفلسطيني، حتى الندوات التي كانت تعقد لدعم الفلسطينيين باتت من سمات الماضي. أما الحدث الذي ألقى ظلاله أمس الاثنين 19 يونيو/حزيران فتجسد في تطورات الأحداث في السودان على صانع القرار في القاهرة، إذ أدركت الحكومة أخيرا أن ترك الخرطوم لحال سبيلها تواجه المؤامرة التي تستهدف استئصال شأفة السودان أرضا وشعبا سوف تنتهي بكوارث لا يمكن لمصر أن تتجاهلها. ومن جانبه أعلن مجلس السيادة السوداني، عن ترحيبه بأي دور مصري لإنهاء الأزمة السودانية، ومشاركتها أي مبادرة لإنهاء تلك الأزمة، مؤكدا أن القاهرة قادرة على التأثير والتعاطي بإيجابية مع القضية السودانية، لأن الأوضاع في السودان لها تأثير مباشر في مصر باعتبارها إحدى دول الجوار. ومن جانبه قال مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، خلال مؤتمر صحافي عقده أمس الاثنين، إنه ناقش عددا من القضايا المشتركة خلال لقائه مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، وعلى رأسها الأزمة السودانية وتأثيراتها على الدولة المصرية وكيفية معالجتها. وأكد مالك عقار أن لقاءه مع الرئيس السيسي تطرق إلى قضية اللاجئين السودانيين الذين تستضيفهم مصر، حيث أن هناك ما يقرب من 5 ملايين سوداني في مصر، كما أنه ناقش قضية العالقين السودانيين على الحدود المصرية، لافتا إلى وجود نحو ربع مليون عالق من السودانيين على الحدود. وأوضح مالك عقار أنه تم الاتفاق على تسهيل إجراءات دخول العالقين السودانيين، حيث وجه السيسي كل الجهات المعنية في مصر بالعمل على تسهيل هذه الإجراءات، معربا عن شكره للرئيس السيسي للاستجابة السريعة على المطالب السودانية.
ومن أخبار الحكومة: رحبت مصر، بإعلان دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر الشقيقتين عن إعادة التمثيل الدبلوماسي بينهما. وأشادت مصر بهذه الخطوة الإيجابية على مسار تعزيز العمل العربي المشترك وترسيخ وحدة الصف العربي، مؤكدة دعمها للجهود الرامية إلى تعزيز العلاقات العربية على مختلف المستويات، وحماية مصالح الشعوب العربية الشقيقة. ومن أخبار القلعة البيضاء: قال مرتضى منصور الصادر ضده حكم بالعزل من رئاسة نادي الزمالك، إنه لم يتلق أموالا من المستشار تركي آل الشيخ. أضاف منصور في طعنه أمام المحكمة الإدارية العليا، أنه تبرع لنادي الزمالك بنحو 151 مليون جنيه “مخدتش فلوس من تركي وأنا اللي بتبرع للنادي”. أشار إلى أن طعون عودته تمس الجمعية العمومية للنادي بأكمله. وأضاف منصور أنه الوحيد الذي يصدر ضده أحكام بالحبس والعزل “أنا الوحيد اللي بتعزل واتحبس.. وطالب رئيس هيئة المحكمة التي تنظر الطعون بإلغاء حكم عزل مرتضى منصور، من هيئة قضايا الدولة بتقديم مذكرة بعدم صدور قرار من وزير الشباب والرياضة بتنفيذ الحكم. منصو روقال في طعنه أمام المحكمة الإدارية العليا، أنه الوحيد الذي يصدر ضده أحكام بالحبس والعزل. وكانت هيئة قضايا الدولة بالنيابة عن وزير الرياضة ومديرية الشباب والرياضة بالجيزة، تقدمت بطعن على حكم عزل مرتضى منصور من رئاسة الزمالك.
موهبة لا نملكها
صناعة المستقبل عملية مارسها العديد من الأمم والأوطان، ولها استراتيجيات متعارف عليها، وطرائق متفق عليها، أهمها كما اطلعنا الدكتور نصر محمد عارف في “الأهرام” الاستفادة من تجارب الدول التي سبقت؛ من خلال دراسة هذه التجارب دراسة عميقة، واستخلاص المسالك الناجحة التي سارت فيها، واختيار ما يتناسب مع طبيعة المجتمع الذي يريد العبور للمستقبل. لأن التطور البشرى – حسبما يعتقد غالبية علماء الأنثروبولوجيا أو علم الانسان ـ تم من خلال عمليات الانتشار الثقافي، وليس التطور الذاتي. فالمجتمعات تستفيد مما عند الآخرين أكثر من استفادتها من تطورها الداخلي النابع من ذاتها. فمثلا الآلات والمخترعات من أبسطها إلى أكثرها تعقيدا وتطورا، نشأت في مكان بعينه، ثم انتشرت إلى باقي المجتمعات البشرية؛ بحيث نجد أن الفأس والسكين والمحراث جميعها موجود في كل بقاع الأرض، ولكن الأصل فيها أن مجتمعا بعينه قد ابتكرها ثم انتشرت، كذلك الكمبيوتر والتليفون والطائرة والسيارة، إلخ. هذا يعلمنا أن التطور البشري يعتمد دائما على التعلم من الآخرين والاستفادة من تجاربهم، والأكثر نجاحا هو الأسرع تعلما، والأكثر متابعة، والأعمق تفكيرا في الاستفادة من الآخرين؛ بحيث لا ينقل ولا يستفيد إلا مما هو مفيد لمجتمعه، وما يحقق إضافات إيجابية، ويبتعد عما يحدث خللا، أو تفكيكا لمجتمعه، ولذلك فإن عملية الاستفادة تحتاج إلى عقول واسعة الاطلاع، عميقة التفكير، حكيمة القرار؛ لكي تستطيع الاطلاع على أفضل ما لدى العالم، وتختار منه الأنسب والأصلح لمجتمعها. ولعل القضية الكبرى في صناعة المستقبل هي قضية الإدارة في كل المجالات والقطاعات، فالتنمية إدارة، والتقدم إدارة، والنجاح إدارة، وكل ما يتعلق بحياة الإنسان هو عملية إدارة في الأساس. فالإدارة هي التي توظف الموارد المتاحة، وتستخرج أفضل ما فيها، وتحقق الغاية من وجودها، سواء الموارد المادية، أو الموارد البشرية، فهي رأس سنام التنمية والنهوض وصناعة الحضارة، وهي جوهر النجاح الفردي والمجتمعي، وهي الباب الأول للدخول إلى المستقبل، ودون رؤية إدارية جديدة لن يستطيع أي مجتمع أن يحقق نجاحا في أي مجال، ومنذ قرن من الزمن قارن شاعر مصري بين حال وطنه وحال الأوطان الأوروبية فقال: وما فازوا بمعجزة علينا/ ولكن في أمورهم نظام.
مظاهر تخلفنا
الناظر في حال الدول التي حققت تنمية حقيقية، وانتقلت من عالم الدول المتخلفة، أو غير النامية إلى عالم الدول المتقدمة أو النامية، يجد وفق مالاحظ الدكتور نصر محمد عارف، أن أهم عملية تقوم بها جميع المؤسسات العامة، والخاصة هي التخطيط الاستراتيجي، وأهم مكونات تدريب العاملين هو التدريب على التخطيط الاستراتيجي للمؤسسة التي يعملون فيها، وعلى تنفيذ الخطط الاستراتيجية في جداولها الزمنية. ويكفي أن نذكر في هذا السياق موضوعين قد تجاوزهما العالم المتقدم والنامي بصورة كاملة شاملة، أولهما: بقاء الموظف في هيئة أو مؤسسة واحدة يترقى فيها منذ تخرجه من الجامعة حتى خروجه للتقاعد أو المعاش، هذا النمط لفظه العالم بصورة كاملة، وأصبح الموظف ينتقل من مكان إلى مكان آخر، ومن مؤسسة إلى أخرى، وهذا الانتقال يكون عادة للأفضل، والأعلى دخلا؛ وهذا يتطلب منه التعلم الدائم، والتدريب المستمر، وتطوير الذات واكتساب مهارات جديدة، أما أن يبقى الإنسان في مكان واحد آمن فيه، ومستريح فهذه وصفة عبقرية للجمود والتحجر وفقدان الكفاءة ثم الفساد. ومن أكثر الملاحظات في هذا المجال أن المؤسسات العالمية صارت لا تقبل أن توظف شخصا ظل في وظيفة واحدة لفترة طويلة، لأنها تعتبره شخصا خاملا عديم الطموح. وثانيهما: أن الجامعات في مختلف الدول التي تحقق جامعاتها مواقع متقدمة في تصنيف الجامعات العالمية، أصبحت لا تعين عمداء الكليات من خريجي الكلية نفسها، أو من الذين عملوا فيها لفترات طويلة، وكذلك لا تعين رؤساء الجامعات من العاملين في الجامعة نفسها، وتحرص على أن تأتي بخبرات جديدة من كليات أخرى في التخصص نفسه، أو رؤساء جامعات من جامعات أخرى من الذين حققوا إنجازات متميزة. وبهذا يتم التجديد المستمر والترقي الدائم، ومن خلال هذا يكون المستقبل أفضل من الحاضر، وعليه فإن الحوار حول المستقبل يحتاج أن تتم الاستفادة من التجارب الناجحة في جميع المجالات، وهذان المثالان ما هما إلا نموذج لعدد غير محدود من النماذج التي ينبغى أن يستفيد منها من أراد أن يصنع مستقبلا أفضل من حاضره.
مهمة مستحيلة
في كل الدنيا كما أخبرنا جلال عارف في “الأخبار” عندما تمر الأسواق التجارية بحالة من الركود، يقوم المنتج بتخفيض السعر قدر المستطاع، ويقوم التاجر بتقديم عروض لإغراء المستهلك بالشراء. لكن عندنا يحدث العكس، يتصور البعض أن تعوض قلة المبيعات برفع الأسعار، والنتيجة عبء متزايد على المستهلك، وخسارة أكبر للتاجر الذي يتجاهل أحكام السوق. ما أعلنه المسؤول عن شعبة الأرز في الغرفة التجارية بأن السعر العادل للأرز المحلي الجيد ينبغي أن لا يتجاوز 23 جنيها للكيلو، يتصادم مع ما تشهده الأسواق حيث لا يقل السعر عن 30 جنيها في أحسن الأحوال، لكن الأسوأ أن يُقال إن الأرز مكدس في مضارب الأرز ولا يجد من يشتريه.. ما يعني أن هناك من أخفى الأرز ليرفع سعره وهو يخشى الآن من اقتراب موسم الحصاد الجديد، وأن هناك من يتمسك بأسعار التجزئة التي فرضها خلال الفترة الماضية عن طريق الإبقاء على قلة المعروض للمستهلك، رغم التكدس في مضارب الأرز. ما تشهده سوق الأرز تشهده السوق مع سلع أساسية عديدة، الكل يريد أن يتحمل المستهلك وحده عبء ارتفاع الأسعار، والبعض لا يدرك أن المنتج والتاجر هما الخاسران في النهاية، إذا لم يتشاركا العبء مع المستهلك، وإذا لم يدركا أن هذا ليس وقت المضاربة، بل وقت تحريك السوق وتخفيف العبء عن المستهلك وعدم المغالاة بالربح.. وأن هذا هو الذي يحقق مصلحة كل الأطراف. لا بد أن يدرك الجميع أننا نمر بظروف استثنائية، وأن علينا جميعا أن نتعاون لكي نعبر الأزمة بسلام، هناك جهود هائلة لتوفير المواد الأساسية بأسعار مناسبة لملايين المواطنين من مؤسسات الدولة، وهي لا بد أن تكتمل بانضباط الأسواق واختفاء السمسرة والمضاربات. وهو ما يحتاج للمزيد من الرقابة وإلزام الجميع بإعلان الأسعار وفرض العقوبات الرادعة على اختفاء السلع الأساسية، وعلى الممارسات الاحتكارية من قلة لا تضر بمصلحة المستهلك وحدها، بل تضر أيضا بمصلحة المنتج والتاجر وتخلق المزيد من الضغوط في ظروف استثنائية. ويبقى أن الذين قاموا بإخفاء السلع المستوردة أو المحلية سوف يحاولون الآن رفع أسعار سلع مثل الأجهزة الكهربائية والسيارات، وأن بعض من كانوا يراهنون على رفع الحظر على تصدير سلع أساسية، وهو ما لم يحدث، سوف يحاولون التعويض في السوق المحلية.. لذا لزم التنويه، ولزمت المواجهة.
نسوا فلسطين
المفارقة التي انتبه لها مؤخرا سليمان جودة في “المصري اليوم” أن الاتفاقيات التي تم توقيعها بين تل أبيب مع الإمارات، والبحرين، والسودان، والمغرب، منذ توقيعها حرص الإسرائيليون على قطف ثمار جانبها الاقتصادي دون سواه، ثم نسوا تماما أن فيها جانبا آخر يخص قضية أبناء فلسطين، وأن هذا الجانب لا بديل عن وضعه في الاعتبار. وهكذا بدا أن الانتهازية السياسية الإسرائيلية عنوان في هذه الاتفاقيات، فكانت الحكومة في تل أبيب ولا تزال تعمل على تقوية كل ما هو اقتصادي في كل اتفاقية وقّعتها مع كل دولة من الدول الأربع، ثم كانت تتعمد في الوقت نفسه تجاهل كل ما هو سياسي يخص فلسطين في الموضوع. وكان من الطبيعي أن يشعر كل مواطن عربي في مكانه، بأن إسرائيل ليست جادة في الذهاب إلى حل للقضية، وأنها تستهلك الوقت والجهد، وأنها تقفز فوق القضية، رغم أنها القضية الأم التي تمثل هما مشتركا لدى المواطنين العرب، رغم الهموم الخاصة التي تلاحق كل مواطن منهم في بلده. والحقيقة أنه لا معنى لاتفاقيات سلام إبراهيمي لا تتعامل مع القضية الأم، حتى لو انعقدت اتفاقيات من النوع نفسه مع الدول العربية جميعها.. وإذا ظلت الدولة العبرية تقفز على ما يخص فلسطين في هذه الاتفاقيات، فهي لا تفعل شيئا سوى أنها تهرب للأمام. وعندما تكلم الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، عن موضوع التطبيع بعد مغادرة الوزير بلينكن، قال كلاما في غاية الدبلوماسية والوضوح.. قال إن التطبيع يصبّ في صالح المنطقة كلها لا شك في ذلك، ولكنه في حاجة إلى معالجة جذرية للقضية الأم تسبقه. وليست هذه هي المرة الأولى التي تبدي فيها الرياض هذا الرأي بهذه الطريقة، فمن قبل كانت كلما انفتح الموضوع عادت لتؤكد على ما تراه، وهو أن تطبيعا قبل حل عادل للقضية لن يؤدي في النهاية إلى شيء. وفي كل مرة تعود فيها واشنطن أو تل أبيب إلى الموضوع يتضح أنهما لم يستوعبا ما تقوله السعودية، وأنهما يريدان تطبيعا بلا ثمن تدفعه إسرائيل، وهو ما لن يكون ممكنا لأنه لا شيء في هذه الدنيا بلا ثمن، سواء كان هذا الشيء تطبيعا أو غير تطبيع..
طابت له مصر
الكلمات كما جسدها مصطفى عبيد في “الوفد”، خالدات تعيش أضعاف أعمار أصحابها، تزيل حضارات، وتؤسس دولا، وتُحرك جيوشا، وتشعل حرائق، لذا فإننا ما زلنا بعد عشرات القرون، نحفظ عبارات ساحرة لأناس غيروا العالم بما قالوه. تذكروا مثلا كيف سيّرت كلمة واحدة، وهي «وامعتصماه» أطلقتها امرأة مجهولة لا نعرفها جيوشا جرارة غزت دولة الروم ومزقتها. وقبلها كيف أشعلت عبارة «يا لثارات الحسين» التي أطلقها التوابون ندما على استشهاد الحسين نيران ثورات دامية راح ضحيتها عشرات الآلاف. وربما تدلل مقولة يوليوس قيصر الشهيرة «حتى أنت يا بروتس» التي رددها لصديقه عندما رآه يقف في صف القتلة وهم يجهزون عليه على عمق الخيانة السياسية للحاكم. ونحفظ من التاريخ الحديث عبارة أثيرة لنابليون بونابرت تقول «إن المستحيل كلمة لا يرددها سوى الأغبياء»، ونتذكر أيضا عبارة جوزيف ستالين «الأفكار أقوى من المدافع» لتعرف إلى أي مدى يخشى الطغاة أصحاب الرأي. وُتدلل عبارة غاندي القائلة: «إنني لم أتعلم الشطرنج لأنني لا أريد أن أقتل جيشي ليحيا الملك» على أولوية حياة المحكوم عن الحاكم لدى أولئك المؤمنين بقوة الأمة. وفي تاريخنا المصري الحديث عبارات لا يمكن نسيانها، تعيش مع الناس، وُربما تتكرر الحاجة إليها في أزمنة تالية. فيُخلد لنا التاريخ مثلا قول محمد علي الشهير عندما أخبر بوفاة محمد بك الألفي قائد المماليك الشهير سنة 1807 الآن طابت لي مصر. ولا ننسى أبدا عبارة الخديوي إسماعيل عندما حلم بنهضة شاملة في مصر حيث قال: «سأجعل مصر قطعة من أوروبا». وثمة مقولات عديدة تركها المصلح العظيم جمال الدين الأفغاني في نفوس تلاميذه في مصر لتبقى دروسا رائعة في السياسة منها مثلا «إن أمة تطعن حاكمها سرا وتعبده جهرا لا تستحق الحياة»، ومنها أيضا «الأزمة تلد الهمة»، و«لا يكون المرء صاحب حق أن لم يدافع عنه».
البحث عن أنياب
تبقى أقوى مقولة سياسية من وجهة نظر مصطفى عبيد، تلك التي أطلقها زعيم في تاريخ مصر الحديث هي مقولة سعد زغلول القائلة «الحق فوق القوة، والأمة فوق الحكومة»، فهي تعكس الفكرة الأساسية للديمقراطية بأن الأمة وليس الحاكم هي مصدر السلطات، وأن كل حاكم في حقيقة الأمر هو أجير لدى الشعب لا سيدا عليه. ومن مقولات مصطفى النحاس الشهيرة قوله يوم إعلان الكفاح المسلح ضد الإنكليز «من أجل مصر وقعت اتفاقية 1936، ومن أجل مصر أطالبكم اليوم بإلغائها». ويُمكن القول بأن الرئيس جمال عبدالناصر، كان صاحب الرقم القياسي في العبارات المأثورة، بغض النظر عن صحتها، أو تطابقها مع الواقع، وكانت من المقولات المبكرة التي أطلقها «على الاستعمار أن يحمل عصاه ويرحل»، وقال أيضا «إن الخائفين لا يصنعون الحرية، والضعفاء لا يصنعون الكرامة»، لكن تبقى إحدى أبلغ عباراته قوله بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967 «ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة». ورغم أن الرئيس الراحل أنور السادات كان نموذجا واضحا لتوظيف الدين في خدمة السياسة، إلا أن إحدى عباراته الأثيرة عندما اكتوى بنار تسييس الدين هي «لا دين في السياسة، ولا سياسة في الدين»، ومن عباراته الواقعية قوله: «إن الديمقراطية لها أنياب». وتبقى أقوى عباراته تأثيرا في السياسة الدولية عبارته التي أطلقها في البرلمان سنة 1977 لبدء عملية السلام حيث قال «أنا على استعداد للذهاب حتى آخر العالم من أجل السلام، وستدهش إسرائيل عندما يسمعونني أقول لهم إنني على استعداد للذهاب إليهم في عقر دارهم في الكنيست الإسرائيلي من أجل السلام».
منظمة المحبطين
ما إن أشرقت شمس الحياة بعد جائحة مميتة، أهلكت البشرية، وكلفتها أرواحا طيبة، حتى أظلمها مجددا في وجوهنا المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جبريسوس، ويخشى حمدي رزق في “المصري اليوم” أن يكون (هو) مَن يسيءُ الظنَّ بالحياة. متشائما، قال: «يجب على العالم أن يكون مستعدا لتفشى وباء (أشد فتكا) من (كوفيد – 19)»، نفثها كـ«حُمّة»، (مفرد حُمَم)، نفث الرَّماد في الهواء، والحُمَمُ كلٌّ ما احْترق من النار، نفثها في وجوه حضور اجتماع صنع القرار السنوي للدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية، البالغ عددها 194 دولة في جنيف. سوّدها في وجوهنا ومضى إلى حال سبيله، جد صرت قلقا مبلبلا بعد نبوءة تيدروس، عاد رهاب الفيروس يقض مضجعي، إحساس دفين أن تيدروس يستهدفني شخصيّا بكلماته، كلما هدأت نفسي وسكنت مخاوفي، واشتعلت روحي بجذوة الأمل في خلاص البشرية من الجوائح، أعادني تيدروس إلى نقطة الصفر نفسيّا. يُذكرنى تيدروس ببيت شعر لطيب الذكر صلاح عبدالصبور، في رائعته الخالدة «يوميات نبي مهزوم يحمل قلما»، يقول: «انفجروا أو موتوا.. لن ينجيَكم أن تعتصموا منهُ بأعالي جبل الصمت.. أو ببطون الغابات»، خلاصته «رعبٌ أكبرُ من هذا سوف يجيء». لا أعرف مدى ثقافة تيدروس العربية ليفقه المعنى الكامن في بطن الشاعر، كتبت قبلا، وما زلت أعتقد أن منظمة الصحة العالمية ومديرها الإثيوبي لا يعرفان طريق التفاؤل أبدا، منظمة عابسة ومديرها مشمئنط، وبياناتها يلونها تشاؤم، وقنوط، تحض على الانتحار يأسا. تيدروس يستحق لقب «المُتَشائِم»، لاسِيَّما أن نبوءته المفترض أن تقوم على دليل علمي طبي موثق، وليس تكهنات، أخشى أن تُضم نبوءته إلى مثيلاتها من نبوءات العرّافين حول العالم، العراف الإثيوبي يتأبّط شرا. فلتفرد المنظمة الكونية وجهها الكئيب، فليبتسم تيدروس وهو يقذف بنبوءاته في وجوهنا، المنظمة في حاجة ماسّة إلى وجه مريح، متفائل، يبشر بالخير تحس بأن منظمة الصحة العالمية مريضة نفسيا، منظمة المحبطين، وجوه منتقاة من كوكب عبس، لا يكفون عن إحباط البشر ويتولون عند الغوث، متسلطين علينا.
صناعة التفاهة
لماذا تطفو على سطح حياتنا العديد من الأمور التافهة والسخيفة والمستفزة؟ الإجابة من وجهة نظر عبد القادر شهيب في “فيتو”: لأنها تجد من يكترث بها ويتحدث عنها، بل يروجها بين الناس، ولو تم تجاهلها وإهمالها وعدم الاهتمام بها لما شغلت الناس، ولما تحدث عنها أحد واندثرت بذلك فورا. ذلك هو السبب الأساسي لانشغال الرأي العام لدينا بأمور تافهة وسخيفة ومستفزة.. نعم هناك سبب آخر مهم لانشغال الناس بها يتمثل بأنه لا أحد يقوم بمسؤوليته في حساب أحد أو حتى توجيه اللوم عندما يقتضي الأمر ذلك، لكن يسبق ذلك هو أن لدينا من يهتم بالتافه والسيئ والسخيف والمستفز، ويقوم بترويجه ونشره بين الناس، وبالتالي يفرضه فرضا على الناس.. أي أن المشكلة تكمن في المنبع أساسا، بل الأكثر من ذلك من يمنح التافه والسيئ والسخيف من الأمور اهتماما خاصا لا تحظى به الأمور الجادة الأولى بالاهتمام من خلال مناقشته والتعليق عليه، وبذلك يسهم في فرضه فرضا على الرأي العام، ودفعه دفعا للاهتمام به بدوره، والنتيجة انتقاص في اهتمام الرأي العام بما هو جاد وأولى بالاهتمام.. وهكذا هؤلاء يفسدون الوعي العام عندما يمنحون ما هو تافه اهتماما لا يستحقه، وعندما يحفزون الناس إلى محاكاتهم ومنح اهتمامهم لهذا السيئ والتافه والسخيف من الأمور، وهنا يبرز دور الإعلام.. عليه أن يصحح هذا الخلل الذي يجد مرتعا له على مواقع التواصل الاجتماعي.. عليه أن يمنح جل اهتمامه لكل ما هو جاد ويهم الناس، وأن يتناوله بموضوعية ويقدم المعلومات الصحيحة والسليمة عنه، ويقدم أيضا الآراء والرؤى المختلفة حوله.. وبذلك يقوم الإعلام أولا بمسؤوليته المهنية قبل مسؤوليته الوطنية.
رفات المشاهير
وجد قرار الرئيس السيسي بإنشاء مقبرة الخالدين تجمع رفات رموز مصر الذي احتفى به فاروق جويدة في “الأهرام” صدى واسعا لدى أسر وعائلات كثيرة ممن أزيلت مقابرهم حول السيدة نفيسة والإمام الشافعي رضي الله عنهما وأماكن أخرى.. وقد أرسل لي اللواء طبيب محمد أحمد رامي ابن الشاعر الكبير أحمد رامي رسالة يؤكد فيها أن مقبرة الخالدين لم تضم بين رموزها رفات والده، رغم إزالة مقبرته ويطلب باسم عائلة الشاعر أن ينتقل رفاته إلى مقبرة الخالدين.. فهو واحد من أكبر شعراء مصر، وقدّم لأم كلثوم أجمل ما غنت، كما أن دوره في تطوير الأغنية المصرية لا ينكره أحد.. ورامي يعتبر واحدا من رموز الشعر العربي في عصره الذهبي مع شوقي وحافظ وناجي ومحمود حسن إسماعيل، وهو أحق بأن يتصدر قائمة الخالدين الذين ستجمعهم المقبرة الجديدة.. إنني أضم صوتى إلى اللواء طبيب محمد أحمد رامي وأسرة الشاعر الكبير لأنه لا يعقل أن نتجاهل قيمة رامي، الشاعر الذي شكل الوجدان العربي من خلال عبقرية أم كلثوم وأصبح علامة في تاريخ الشعر العربي والأغنية المصرية في عصرها الذهبي.. اللجنة التي تشكلت لإنجاز هذا المشروع الحضاري والإنساني والتاريخي يجب أن تراجع قوائم رموز مصر التي سوف تضمها مقبرة الخالدين حتى لا تسقط رمزا.. خاصة أن هناك أسماء كثيرة تمت إزالة مقابرها وتنتظر الانتقال إلى المقبرة الجديدة.. في بلاد كثيرة تلقى أضرحة الشعراء أهمية خاصة، وتتحول إلى مزارات لعشاق الشعر وهذا يحدث في إيران في مزار الخيام، وفي الهند في مزار طاغور، وفي باكستان في مزار إقبال، وكثيرون يزورون فيرونا في إيطاليا، حيث دارت قصة روميو وجولييت، ورامي ليس أقل من هؤلاء.. وللأسف الشديد أن كثيرا من كبار الشعراء في عالمنا العربي لا تعرف أضرحتهم وقد تكون تجربة مصر في إنشاء مقبرة الخالدين أول مبادرة لتكريم الرموز في الفنون والإبداع في ثقافتنا العربية.
مسح جوخ
عندما يعثر الإنسان على شخص صاحب حكمة وثقافة وتجربة عريضة في الحياة، وفى الوقت نفسه يُحسن الحكي ولا يضن بالرأي والنصيحة فإنه قد عثر، على حد رأي أسامة غريب في “المصري اليوم” على كنز بشري نادر، وهذا يحسن أن يصمت المرء في حضرته ليستمع ويستمتع. غير أن هناك أنواعا أخرى من الناس يصمت الواحد في حضورهم لأسباب أخرى.. هناك صاحب النفوذ والثراء الذي يجلس يحيط به حواريوه المنافقون الذين يقومون في حضرته بحرق البخور والثناء على كل ما يخرج من فمه وكأنه اللؤلؤ المنثور. هنا يكون الصمت واجبا لعدم جدوى الكلام، لأنك إذا تكلمت بما يخالف تيار الجلسة ستتعرض لهجوم كاسح من الشماشرجية الذين يحرجهم وجود صوت عقلاني في جلسة مسح جوخ. هناك أيضا الصمت في حضرة المدير في العمل، خاصة الذي تستبد به شهوة الكلام بعدما أيقن أن السمّيعة كُثرُ، وحتى لو كان المدير رجلا طيبا غير متجبر وغير مؤذ فإنك ستجد نفسك غير راغب في استغلال طيبته وكرم أخلاقه لأجل توبيخه والاعتراض على آرائه الفارغة، لكن ستجلس في حضرته صامتا تستمع إلى تنظير في السياسة والفن والثقافة والأدب والرياضة. وربما أن هذا أحد الأسباب الأساسية في الاكتئاب الذي يصيب كبار الموظفين بعد خروجهم على المعاش، ذلك أنهم يفتقدون السمّيعة والصهبجية الذين كانوا يحيطون بهم على الدوام، الآن بعد المعاش فإنهم إذا ما أبدوا آراء في أي شأن جوبهوا بالاستنكار والانتقاد، وكأنهم لم يكونوا إلى وقت قريب فلاسفة كبار لهم حكمة أرسطو وبلاغة المتنبي.
انصرف منذ قليل
لكل ما سبق أن ذكره أسامة غريب، فإن الناس ما أن يبتعدوا عن المديرين والرؤساء وأصحاب الثراء والنفوذ، ويخلو الواحد منهم إلى قرنائه وأصدقائه حتى تنطلق منه نافورة كلام، في الوقت الذي يفعل الآخرون الأمر نفسه.. كبت وحرمان من الكلام يعبر عن نفسه في صورة انفلات ورغي وتنكيت وصخب وهرج يؤديه الجالسون، فلا أحد يسمع أحدا ولا أحد يصغى أو يعتبر بما يحكيه الآخرون.. وقد جربت شخصيا حضور جلسات من هذا النوع مع رفاق كانوا يقضون السهرة على القهوة لعدة ساعات، وكلهم يتكلمون في مواضيع مختلفة في الوقت نفسه، دون أن يكون لأحد منهم مستمع واحد.. يفعلون هذا بعد أن ينصرف المدير الذي كان يجلس معهم على القهوة منذ قليل، بعد أن احتكر الرغي وحده لمدة ساعة جلسها معهم، قام خلالها بتعليمهم فنون الأكل والشرب والإتيكيت، وأعطاهم محاضرات في التاريخ والاجتماع والاقتصاد، وروى لهم عن علاقاته ومغامراته النسائية، وعدّد لهم أنواع وأصناف النساء، وكيفية التعامل مع كل نوع.. كل هذا وهو مجرد رجل غلبان بلا خبرة ولا ثقافة. والجدير بالتأمل في جلسات كهذه أن أقل الحضور يلوذون بالصمت، ومن المؤكد أن الحياة تكون أفضل لو أن الصامتين أتيح لهم أن يتكلموا.
الفقر وأشياء أخرى
أكثر من ربع مليون حالة طلاق في مصر في عام 2021، وبالتحديد كما أوضح ناصر عراق في “الوفد” 254777 حالة كما ذكر ذلك الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في حين كانت النسبة أقل قليلا في العام السابق، أي في سنة 2020، حيث بلغ العدد 222039 حالة طلاق. هذه الأرقام منذرة بلا ريب، إذ تعني أن هناك خللا كبيرا في مفهوم الأسرة ودورها وضرورتها للحفاظ على السلامة النفسية للأبناء، الذين يمثلون المستقبل، فإذا تعرض الأبناء لزلازل نفسية مؤذية بسبب انفصال الأبوين، فهذا يعني أن المستقبل ليس بخير، إذ كيف يصنع المستقبلَ المزدهر أناس مأزومون نفسيا؟ لاحظ أنني أتحدث هنا عن الطلاق الذي يحدث بين زوجين لديهما أبناء، لأنني مشغول بالمستقبل، أما الزوجان اللذان حُرما من الإنجاب، فلا أناقش قضايا طلاقهما في هذا المقال. في ظنى أن هناك عدة أسباب تدفع الإنسان إلى طلب الطلاق والإصرار عليه، سواء كان رجلا أو امرأة، ولكن قبل ذكر تلك الأسباب عندي ملاحظة أود تحريرها وتتلخص في أن المرأة بعد الإنجاب تصبح مأسورة بشكل شبه تام لابنها، فهو الذي يستحوذ على جل اهتمامها ورعايتها، وهذا أمر طبيعي جدا، لأنه غريزي جبار متسلط تخضع له جميع الإناث في الكائنات الحية، فإذا زاد عدد الأبناء، صار انشغال الأم بهم أكثر وأكثر، الأمر الذي قد يؤلم الزوج إذ يشعر بأن امرأته أزاحته من بستان اهتمامها ورعايتها، فتزدهر في داخله أشجار السخط، خاصة إذا كانت الزوجة ضمن طائفة العاملات، إذ ستغدو ممزقة بين عملها وأبنائها وبيتها، وهو أمر بالغ المشقة على المرأة، وبالغ العذاب على الزوج.
احذروا ما يلي
حتى لا تتفاقم الخلافات المتوقعة بين الزوجين، يقدم ناصر عراق مجموعة من النصائح المهمة للزوجين من أجل النجاة من مصير الفشل في الحياة الزوجية: على الرجل أن ينتبه لظروف زوجته فيتعامل مع غريزة الأمومة لديها برفق وحنان، فلا يتأفف إذا شعرت بتعب، ولا ينتقد تصرفاتها إذا غفلت عن أمر يخصه، فلا يزعج المرأة شيئا قدر نقد قولها أو تصرفاتها. تدخل الأهل، خاصة الحموات، في حياة الزوجين يشعل دوما نار الخلافات، فليت الأهالي تبتعد عن خصوصيات الأبناء، وتتركهم يواجهون الخلافات معا. علما بأن الرجل يجب أن يعي أنه قائد الأسرة، وأن عليه أن يعكف على تخفيف الاحتقان مع أم أولاده، وأن يصبر على ظروفها، فهي تحمل أعباء جساما، حتى لا تغدو عدوا له، كما قال الله عز وجل في سورة التغابن: (يا أيها الذين آمنوا أن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم، فاحذروهم). كما يجب على الزوجة أن تتحمل شطحات زوجها وانفعاله قدر الإمكان. إن الآباء والأمهات يمثلون الحاضر والماضي، أما الأبناء فهم الحاضر والمستقبل، فمن يضحي بالمستقبل ويدمره بإصراره على الطلاق، سواء كان الزوج أو الزوجة، يدخل من الباب الضيق لطائفة الأنانيين.
«القدس العربي»