مقالات

في خطاب الضرورة ردٌّ على تشريع الضرورة. بقلم حسن غريب(لبنان)

في خطاب الضرورة ردٌّ على تشريع الضرورة

  14/ 2/ 2023 حسن خليل غريب-لبنان

لم يعد ينقص أحزاب السلطة سوى أن يدفنوا أموال المودعين المنهوبة، ويشيِّعوا جثمانها إلى مثواها الأخير، فيدفنوا معها أسرار اللصوص الذين نهبوها، ابتداء من أول موظف حكومي حرامي، انتهاء بالأعلى منهم رتبة. وابتداء من أصغر صرَّاف مأجور يتجوَّل في الشوارع، وانتهاء بأعلى المصارف درجة. وقد جمعتهم صفة (حرامي) بامتياز.

ومن أجل مشروعية الدفن بواسطة (نُهَّاب) المجلس التشريعي، ابتدأوا بمسرحيةٍ إقفال أبواب مصارفهم، واستكملوها بـ(تسونامية) أخرى في رفع أسعار الدولار بشكل جنوني لتتهاوى معها أسعار الليرة اللبنانية، فيتضاعف معهما ثمن رغيف الخبز. فيزداد الفقير فقراً، وترتفع أصوات الجائعين طلباً للخلاص بأي ثمن، الأمر الذي يُسهِّل تمرير مشروع الكابيتال كنترول المشبوه. وفي تلك الحالة، ولكي لا تزداد الأمور سوءاً، كما كذبوا، ابتكر الذين نهبوا لبنان، أحزاب السلطة بالتواطؤ مع المصارف، بدعة (تشريع الضرورة)، لكي يمحو ودائع الملايين (بشحطة قانون).

بعد نشر مشروع الكابيتال كونترول، تبيَّن للقانونيين كم هو خطير هذا المشروع، وكشفوا أن مضمونه يعفي المجرم (السلطة والمصارف) من جريمتهم، ويعمل على تبييضها، ليس الآن، بل سابقاً ولاحقاً. أي يمنع محاكمة كل من شارك في الجريمة في السابق وفي المستقبل. وهذا ما يدعو إلى الاستنتاج أن المودعين، وهم بالملايين، هم الذين سرقوا أنفسهم. ولا ينقص مشروع القانون سوى ثغرة واحدة هي أن يُقدِّموا المودعين للمحاكم، لمحاكمتهم على سرقة أنفسهم.

عيب وألف عيب يا أولاد (السلطة)

وإذا كانت سلطة أولاد (السلطة) ضالعة بجرائمها التي هي أكثر من أن تُحصى، فإن درجة الغضب عند الجياع بلغت حد الجنون، وأصبح من يكتبون عن حالتهم في عجز تام عن ابتكار أوصاف تليق بمقامات اللصوص، وأخاديعهم الشعبوية في تغطية جرائمهم من على منابر الأماكن العامة، ومن على شاشات تلفزتهم، وعلى صفحات صحفهم، ناهيك عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي أنشأها مماليكهم بالمئات، تلك التي تنشر فيها أفيون وحشيش التخدير في أوساط العامة من أتباعهم ومريديهم والمنخدعين بقدسية أمرائهم الطوائفيين.

يا سادة

يا جوعى لبنان من كل الطوائف كافة،

في التفتيش عن أوصاف تليق بـ(أحزاب السلطة) في لبنان. خاصة بعد أن ضاق بنا السبيل في صياغة مفردات تعبِّر عن واقعهم، فلم نجد ذريعة سوى بمصطلح، (خطاب الضرورة)، الذي لا بُدَّ لنا من مخاطبتهم بأولاد (السلطة) الذين لا نستثني منهم أحداً.

وصلت المرارة نسبة عالية من الاحتقان، إلى الحد الذي أصبح مطلب الكل اللبناني الفقير أن يتوقَّف الانهيار قليلاً لكي يستطيع أن يتنفَّس. ولكن عبثاً ينتظرون، فالسنين العجاف بلغت حداً لا يطيقه أحد. ولا يوجد يوسف بينهم منذ زمن طويل من يُرشد فرعوناً بأن يخبئ الرغيف الأبيض ليوم المجاعة الأسود. فكيف بهم وهم الذين أوصلوا لبنان إلى السنين العجاف؟

لقد مات يوسف على أبواب الكثيرين من المعمَّمين الذين يبشمون من رشاوى أمراء الطوائف، ولا يخجلوا أن يدعو الجائعين للصبر في الأيام العجاف لقاء حصولهم بعد الموت على قصر من قصور الجنة. يحصل هذا وهم يملكون القصور وطوابير السيارات المصفَّحة، وهضاباً من الموائد العامرة بما لذَّ وطاب من ثمار الدنيا، ولا ينامون على جوع أو عطش.

أين أنت يا يوسف؟

وإن كانت الأكثرية العظمى من اللبنانيين تطلب أن تتوقف المفاسد عند حد لكي يلتقطوا أنفاسهم من الوضع المزري، لكنهم يفضِّلون أن لا تكون مرحلة التقاء الأنفاس لتنشُّق هواء أولاد (السلطة) لأنه حتماً سيكون موبوءاً بأدران ثاني أوكسيد الكربون، وبفضلات الطعام التي تبقى على موائدهم بعد أن يبشموا.

إن أولاد (السلطة)، ولا نستثني منهم أحداً، لم يسمعوا، ولن يسمعوا، لأنهم جميعاً أولاد (سلطة). لا قلب عندهم ولا ضمير ولا شفقة، فهم لا يزالوا يفتِّشون عن جنس ملائكة رئيس للجمهورية يغطَّي عوراتهم وجرائمهم وفسادهم بينما لبنان يعمَّه الظلم والظلام والجوع والفقر وسوء الحال والمآل.

يفتِّشون عن رئيس للجمهورية يعترف لهم أنهم رجال، وما هم برجال، فقد خصاهم الخارج، فهم خصيان عاقرون عن إنجاب الخير. وهم قادرون فقط على إنجاب كل ما يعمل على تجويع الناس وإذلالهم.

لقد قتلوك لأنك كنت ستسدي لهم خدمة النصح، وقتلوا حتى فرعون الذي لديه قوة الاستماع لمن يسدي النصيحة.

لقد قتلوك يا يوسف كي لا تتنبَّأ بالسنين العجاف، وقتلوا فرعون (الطاغية) ويبتكروا فرعوناً فاقد السمع يخلف الفرعون الذي سمع نصيحتك بأن يَعدَّ للسبع العجاف بتوفير إهراءات للقمح تكفيهم مؤونة الجوع في الأيام السود.

لقد أصبح قاتلوك يا يوسف فراعنة عصرهم، ولكنهم سملوا آذانهم لكي لا يسمعوا ما لا يرضيهم من صراخ اليتامى وأبناء السبيل. ولهذا فهم لا يسمعوا أنين شعبهم الذي يتسوَّل رغيفاً من الخبز يأتيهم من صوامع الخارج. وقد يسمحون بوصوله إليهم ناقصاً ما قرَّروا لأنفسهم بسرقة ما يوزِّعونه على أتباعهم ويقفلوا بها أفواههم كي لا تصرخ.

عسى أن يسمعوا، ولكنهم لن يفعلوها، وساعتئذٍ سيكون (خطاب الضرورة) أشدَّ إيلاماً، وأكثر قذارة مما يتصورون. إن الله لا يستطيع أن يظهر أمام الملايين الجائعة سوى بصورة رغيف الخبز. فهل تساءل (أولاد السلطة) كيف سيظهرون أمام الذين أفقروهم؟

ولكي نختم صرختنا عبر (خطاب الضرورة)، نناشد الفقراء فينا بتذكيرهم بالمثل العامي القائل: (يا فرعون من فرعنك، قال: تفرعنت ولم يصدَّني أحد). فهل منكم من يتجرَّأ أن يصدَّ فرعون عن طغيانه؟ وإذا وجدنا من يمتلكون الجرأة، سوف تكون البداية الجدية لإسقاط فراعنة العصر وطغيانهم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب