مقالات

المهندس محمود جمال الدين القائد الملهم . . رمز أم درمان الباذخ —كتب: البخيت النعيم

كتب: البخيت النعيم

المهندس محمود جمال الدين
القائد الملهم . . رمز أم درمان الباذخ
كتب: البخيت النعيم
مدخل:
منذ أن اغمض عينيه، ورحل في القاهرة يوم 31 أغسطس الماضي، مهندس محمود جمال الدين، ظلت تحاصرني صوره ومحياه وخواطر شخصيته الفذة والملهمة، كقائد تاريخي، عرفته لأكثر من خمسة عقود.
شهد الراحل محمود، بداية تراجيديا حرب 15/أبريل الماضى، اللعينة والمدمرة، بالخرطوم وبحرى وأم درمان، كان حزينا على مأساة وطن حضارته حافلة في التاريخ الإنساني، لماذا أحرقه الظلاميون؟
ظل الراحل محمود، يحاصره المرض فسافر من امدرمان إلى دنقلا، ثم القاهرة، مستشفيا حتى رحل وفي يده مصحف ووردة وشارة للسلام الوطني ونصر وتحرير للقضية الفلسطينية، التي بدأت انتفاضة طوفان الأقصى المباركة، وأمل كبير فى وحدة الأمة العربية التي كان محمودا، متربعا على خارطتها من المحيط إلى الخليج.
حقا افتقدنا بطلا وبيت حكمة، ورجلا باذخا في العطاء والنبل والتضحيات والكرم وكان عنوانا للبطولة والجسارة.
تعود معرفتي بالراحل محمود منذ عام 1987م عندما التقينا في مكتبة المجلس البلدي بامدرمان، مع الرفاق حسن هاشم والزاكي ابراهيم الحبيب، وصديقه المهندس عبدالمجيد عبدالله، فدعانا إلى منزله العامر في حى الهاشماب، هكذا مشينا خطى الصداقة، ظللنا في حالة تواصل اسبوعي، يزورنا في امدرمان الثورة، حيث تفهمت معدنه الثوري الأصيل، كان متصالحا مع ذاته كريما مع رفاقه واصدقائه وزملائه، كان قلبه ابيضا، وواضحا في مفردات حياته، لا يعرف اللف والدوران أو التكتيك أو الثرثرة وسط رفاقه، كان كتابا مفتوحا للجميع، لذلك نال ثقة الناس وأحبه الجميع. كان بشوشا ومقداما ومبادرا على المستوى الفكري والسياسي والتنظيمي والاجتماعي والثقافي والمهني.
رحل محمود وفي يده كتاب الله القرآن الكريم كان حافظا له، وله قدرة على ترتيل ايات الله، يتميز بصوت جهور في الصلوات عندما يتقدم لامامة المصلين.
علاقاته الاجتماعية
كان المهندس محمود جمال، اجتماعيا من الطراز الفريد، وكيف لا وهو ابن امدرمان والسودان، كان محمود موسوعة في معرفة أنساب القبائل السودانية، زار كل ولايات السودان شمالا وغربا وشرقا ووسطا وجنوبا، له ابحاث ودراسات وأوراق عن الديموغرافيا والجغرافيا وحفريات الثقافة السودانية.
محمود الجذور والتاريخ
ولد المهندس محمود جمال الدين، بمدينة ام درمان، في خمسينات القرن الماضي، وهو من أسرة عريقة حفيد آل البيلي والمؤرخ السوداني المشهور محمد عبدالرحيم صاحب كتاب انفاث اليراع والعديد من المؤلفات، هو من اسرة امدرمانية، عرفت بالأصالة والمعاصرة والعمل المهني والثقافي والرياضي.
حيث درس كل مراحله التعليمية الأولية والمتوسطة والثانوية في امدرمان، ثم سافر الي اليونان، لدراسة هندسة الميكانيكا في ارقى الجامعات، ثم عاد الى السودان ليعمل مهندسا في النقل المكانيكي لسنوات، ثم هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
ثم عاد للسودان، ليعمل مستشارا فنيا في المجلس الأعلى للبيئة، وهيئة نظافة ولاية الخرطوم. كما ساهم مع شعبه وحزبه في النضال ضد الأنظمة الديكتاتورية. ليترك أثرا وبصمات نضالية وسياسية وشعبية، كقائد ملهم، اهتدى على طريقه، الالاف من أبناء وبنات شعبنا.
تزوج من رفيقة دربه الأستاذة مها عبدالرحمن أزرق، التي رافقته حتى رحيله.
المناضل محمود وحزب الثورة العربية
انتمى المناضل محمود جمال الدين، الى حزب الثورة العربية (البعث) في منتصف سبعينات القرن الماضي، كان مناضلا مخلصا ومؤمنا بمبادئ وأهداف الفكر القومي البعثي عايش معاركه النضالية والتاريخية في السودان، مثلما له مساهمات علي المستوى القومي، مشاركا في معارك ام المعارك، في البوابة الشرقية لأمتنا، مثلما كان له أدوار نضالية في ساحات الجامعات في الدول الاروبية، كما تصدى للأفكار الرجعية والتقليدية فاضحا كل مؤامراتها وانتهازيتها واستغلالها لجماهير شعبنا الكادح.
كما شارك بشكل خاص ضد الأنظمة الديكتاتورية خاصة انتفاضة مارس ابريل 1985م وثورة ديسمبر المجيدة 2018م والتي لا زالت مستمرة حتى النصر.
يتميز المناضل محمود جمال بثباته وصموده الاسطوري في المعتقلات والسجون، فلم يداهن أو يساوم الأنظمة المستبدة، كان دوما منحازا لارادة شعبه وحتمية انتصاره علي قوى الردة والاستبداد.
خواطر وذكريات مع محمود
من معاني الرسول (ص) (انزلوا الناس منازلهم).
ظلت علاقتنا في حالة تواصل وصداقة، حيث كان يزورني وازوره في داره وفي مكان العمل.
أسس في مصلحة النقل الميكانيكي منتدى ثقافي يعني بحقوق العمال وقضايا الحركة الجماهيرية والثقافة الوطنية، كان يأتيني في فترة الديموقراطية الثالثة، في الثمانينات كل خميس، حيث كنت اعمل في صحيفة الهدف، بالخرطوم لكي نذهب معا ونلقي محاضرات ثقافية للمنتدى، شارك فيه العديد من أهل الفكر والنقابات.
جاءني يوما بمنزلي بالثورة بامدرمان مع صديقي المناضل محمد ضياء الدين لوداعي لأنني كنت مسافرا لدولة روسيا، لعلاج العيون، فعلا صوته الجهور في بوابه الدار، لفت انتباه اهل الدار والجيران، كانت دعواته الصادقة أن تنجح رحلة العلاج واعود للوطن سالما، فقال نحن نحتاجك يا أبو عمر وصدام، كل منهما كان يحمل ظرفا مليئا بالدولارات، فقلت لهما من أين لكما هذه الظروف، فضحك وقال أمام حضرتك تتنزل الرحمة من حيث لا ندري!
عند محمود تلتقي الجغرافيا والديموغرافيا والتاريخ والأصالة والمعاصرة، والمعرفة والتواضع.
عاش عزيزنا المناضل المهندس محمود جمال الدين حياة محبة وسلام بين رفاقه وأهله واصدقائه وكل مكونات ام درمان وأرض النوبيين والشمالية، حيث طاف دارفور وكردفان وكم احتفى به أهل ولاية غرب كردفان وسهولها ووديانها خاصة عندما زار مدينة المجلد دينقا أم الديار التي زارها مرارا مع صديقه المهندس حيدر بابو نمر، عاشا لحظات باقية مع صيد جدي الريل والحوبارة وغناء الهداي والحكامة وأنغام وألحان الربابة ذات السلم السباعي.
درب الحبيب رمله
نمشيه في القمرة
فراق الحبيب كضاب البحمله
كما غني مع الشاعر فضيلى جماع.
جيناك زي وزين هجر الرهيد يوم جفا
وتغني مع القوم ملحمة العطاوة التراثية الجنزير التقيل
الجنزير التقيل البقلا ياتو
يوم الحارة الزول بلقا اخو
من مقولات محمود عن امدرمان
-قال تكمن روعة ام درمان في انصهار جميع مكوناتها واستقرار نسيجها الاجتماعي، وهي مهد الحضارة والثقافة الوطنية.
– ام درمان هي الاذاعة والتلفزيون والمسرح، وهي النهر والطابية.
-امدر هي حقيبة الفن، هي سرور وكرومه والجابري هي آل المهدى وال الخليفة ود تورشين والمحجوب والأزهري والبنا وآل بدري وال البيلى وال المليك وال ابو حراز وغيرهم من فسيفساء المجتمع السوداني، ام در هي الوسطية في السودان.
كان يردد محمود عند المحن مقولة الشاعر عوض جبريل.
ما تهتم للأيام ظروف وتعدي
طبيعة الدنيا زي الموج تجيب وتودي.
ودع محمود ام درمان
علايل ابوروف للمزالق من فتيح الخور للمغالق.
ودع امدرمان مرددا كلمات الشاعر عبيد عبدالرحمن.
-طال هجري يا امدرمان بي بعادي حكم الزمان
-انت أرضك من الجنان انت زهرة وناسك حنان
– حار فراقك يرث الحنان دا البفاصل الحشا والحنان
– ياحليلنا ويا حليل زمان ام در امان وكنا في امان.
كلمات رثاء في حق محمود جمال من منظمات وشخصيات
نعته قيادة قطر السودان، لحزب البعث العربى الاشتراكى، ومنظمات مهنية وديموقراطية. وجمعية الصداقة السودانية اليونانية.
قال عنه الأستاذ علي الريح السنهوري الأمين العام المساعد القومي لحزب البعث وأمين سر قيادة قطر السودان، لقد كان الرفيق محمود جمال مناضلا جسورا صلبا مضحيا مؤمنا سخيا في عطائه للبعث في أحلك الظروف واشدها قساوة محبا لحزبه ورفاقه وشعبه.
قال عنه المناضل محمد ضياء الدين ابن عم الراحل محمود جمال نحن مكلومون بفقدان أحد أعمدة اسرتنا آل المؤرخ محمد عبدالرحيم، محمود كان قدوتنا كان بارا باهله وجيرانه ورفاقه واصدقائه وعماله فقدت امدرمان، أحد رموزها، كان رمزا وطنيا وقوميا قارع الانظمة الديكتاتورية بكل شجاعة وبسالة.
قال عنه صديقه المهندس حيدر بابو نمر كان محمود صديقا فريدا محبوبا من جميع الأهل والأصدقاء ذهبنا رحلات إلى مدينة المجلد وكردفان هو رجل اجتماعي من الطراز الفريد.
وداعا رفيقي وصديقي المهندس محمود جمال الدين، ترك رحيلك حزنا خرافيا، وسط رفاقك والرفيقات وأهل امدر والهاشماب وودنوباوي ودنقلا والخرطوم وبحرى، سوف تبقى حيا في قلوبنا في ذاكرتنا، فانت القائد الملهم الباذخ، ابن امدر-امان عاصمة الفكر والثقافة والأصالة والمعاصرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب