ثقافة وفنون

ايراق؟؟؟؟؟؟ بقلم الكاتبة العراقية نهى لازار _كندا

(((((ايراق؟؟؟؟؟؟؟

بقلم نهى لازار – كندا

مهما ركضنا للوصول إليه، نراهم يبعدونه عنا أو يبعدوننا عنه، ليبقى وحيداً عليلاً !

و كلما فعلوا هذا، نجتمع و نتباحث في مواضيع شتى، من تاريخ و جغرافية  إلى فلسفة و منطق،   من علم الآثار إلى كتابة الأشعار  ، فإن كل شي يقودنا اليهِ و لا شي يستطيع  التفريق بيننا و بينه

نتعب، و لكن لا نستسلم. بل نعيد الكَرّة و نسّتقل قطار الحياة، رجوعاً ، إلى حيث الهواء العذب هناك و كل ما دونه، فقاعات .

فقاعات مصممة على شكل منازل دافئة ، بألوان الطيف مطلية سطوحها، ما أن يسقط المطر  عليها حتى تتلاشى و يتحول كل ما حولك إلى سراب ، فلا تعود ترى للحنين مكان.

و ما أدراك ما الحنين ؟

إنه  ذلك الذي كلما قطعتُ لليأس تذكرةً ، قطع هو للأمل تذكرةًً ، فأجد نفسي، كما الآن، أستقل قطاره و أنطلق لرؤية وجه ذاك العظيم العليل !

ها هي دقات قلبي تتسارع بعد كل محطة اجتازها في طريقي إليه، و ها هم المسافرون ينظرون إليّ  كمن رؤوا مجنوناً . إنهم مستغربون من منظري و أنا أتنفس بسرعة و  بعمق ، محاولاً  أن أملأ صدري بأكبر كمية من الهواء، لا لأنني أشعر بالإختناقِ، و لا لأنني فقدت صوابي، و لكن لأنه هواء من عالمٍ آخر!

هواءٌ له طعم تمر البصرة و رائحة برتقال ديالى ، و لون مياه دجلة. كيف لا يستغربون  و هم لا يعرفون أنني أكثر من عابر سبيل، إنني عاشقٌ عريق.

إنها المحطة الأخيرة . سمعت أحدهم ينادي بهذا، فسارعت بالنزول.

يا إلهي ما هذا ؟!

إنها لا تبدو المحطة التي قصدتها!

لا بد أنني مررت بها بينما كنت شارداً دون أن أعلم.

ركضتُ بسرعة محاولاً  اللحاق بالقطار،  و لكن دون جدوى.  مستغرباً نظر إليّ الجمع و حولي أنا نظرت .

كلا لستُ مخطئاً ، إنه القطار نفسه، و هذه آخر محطاته. لم تغير السنين  مساره.

و الآن ما عليّ سوى أن أبحث عن ذكرياتي،  فمع كل شارع كانت لي أسرار و حكايا.  سألت أحدهم أين كهرمانة ؟

مضى و هو يتمتم بلغة لم أفهمها .

ثم سألت: أين لاماسو ؟

أين الرشيد ؟

حسناً حسناً ، قُلّ لي يا أخي لو سمحت : أين جنائن بابل؟

ألم تكن هنا يوماً حضارة؟ !

أليست هذه بغداد ؟!

هل صُلب النخيل في البصرة و  سُحق الزيتون في نينوى ؟هل حقاً أُعدم العراق مثلما سمعت  ؟

راح السامعون يضحكون، لأنهم  على ما أظن، لم يفهموا شيئا ًمما قلته ، غير العراق .

حسناً،  ليكن ، أين العراق؟ هل هذا هو العراق حقاً ؟!

إن كان هو، فما باله عارياً،  لا زهور تزينه و لا أشجار تكسوه ؟

تابعت و كأني أتحدث إلى نفسي: كنتُ قد سمعت منذ زمنٍ أن اسداً حكمتم عليه زوراً، و أن اللذين كانوا يهابون زمجرته غدروا به و حكموا عليه بالموت . كيف لا و  هو القائل: (و أنا المهيب و لو أكون مقيدا…فالليث من خلف الشباك.. يهابا) . ويلٌ لكم، و ويلٌ لي. ويلٌ لأمة تقتل حاميها، و ويلٌ للأصيل حين يصبح غريبا.

كل شي يبدو قد تغير،  حتى الأسماء و المحلات و اللافتات الضوئية ، لا  ألفة تجمع بيني و بين البيوت ، لا للمحبة صداً في قلبي  و لا للهفة رقصة بين أضلعي.

السنين لم تغير مسار القطار، لكنها غيّرت وجهة عقول الركّاب.

عدد كبير من المتفرجين المستهزئين إلتف حولي، ثم  صاح أحدهم قائلاً : اقتلوه ، إنه مُندس . و قال آخر: إنه عميل . و هناك مَن قال : لا بد أنه مخلوق من كوكب آخر، أو شيطان رجيم .

ثم صرخ أحدهم قائلاً: لا بل هو عدو حاقد ، جاء ليسرق سعادتنا و يخرب وحدتنا و يشوه جمال وطننا!

قلت في نفسي: ياله من غبي !

عن أي جمالٍ يتحدث ؟!

متفرساً نظرت حولي ، لربما فاتني شيء، لكن لم أر سوى بيوت قديمة و أشباه شوراع ، و قاذورات منتشرة في كل مكان . لم أر سوى وجوه محطمة و جماعات ضالة ، لا هم يعرفون ماذا يريدون ، و لا أنا بتّ أعرف من أنا.

قبل أن أفقد عقلي بينهم، صرخت مجدداً : أأأين العراق ؟

و إذ بأيادي  عديدة تمتد إلي، أصحابها صارخين:إنه مجرم، أمسكوه .

ثم أوقفوني في ساحة التحرير ، بعد أن منحوني بعض الوقت للنطق بالشهادة، قبل الإعدام .

صرخت بصوت عالي : توقفوا… توقفوا  أرجوكم . قولوا لي ما هو جُرمي حتى حكمتم علي بالقتل بهذه السرعة؟

قالوا: أنت عميل . قلت :و ما الدليل ؟قالوا : أنت تبحث عن وطن ليس له وجود،  و تنطق بأسماء لم نسمع بها، و تحدّثنا عن أشياء لم تكن يوماً . ما أنت سوى كافرٍ زنديق ، جئتَ تحطم ما بنيناه ، و تشوه ما رسمناه و تخرّب ما خططنا له .

مَن هو العراق يا هذا؟ ليس هناك بلد  يحمل هذا الإسم.

للحظة كدّت أصدقهم، و أصدق أن هذه لم تكن محطتي. و لكن للتأكيد قلت: توقفوا أرجوكم، يبدو أنني حقاً مُخطيء، و أن  هذا ليس ببلدي. فقط قولوا لي أين أنا الآن؟  قالوا : أنت في إيرا..ق!

قلت دون أن أكترث لردة فعلهم : حسناً، حسناً ، الآن فهمت . فأنتم مَن قتلتم سابقاً صاحب الكرمة و الأن تريدون أن تتخلصوا من الوريث . لكني أؤكد لكم أن الأشجار من بعدي لن تثمر غير الحجارة ، و أنه من لبّ السنابل في حقولي ستتعالى الهتافات ، و من رحم  التحرير ستنهض ثورة  ، و بعد كل مخاضٍ سيولد اولاداً لنهى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب