مهرجانات السينما المصرية أعلنت حالة الحداد ورفعت شعار غزة أولاً
مهرجانات السينما المصرية أعلنت حالة الحداد ورفعت شعار غزة أولاً
كمال القاضي
فرضت أحداث عام 2023 الفنية والإبداعية والثقافية عنواناً قاتماً وحزيناً يُشير إلى النهايات المأسوية والأحداث التي مرت ثقيلة فأفسدت الأيام القليلة السعيدة التي صادفها الجمهور المصري والعربي قبل اندلاع الحرب الصهيونية على غزة التي مثلت مركز الصراع والصداع الرئيسيين في رأس كل فنان ومُبدع فعطلت ملكاته وأفسدت حالته المزاجية، ومن ثم فقد القدرة على التذوق والإحساس بالجمال وبات مشغولاً بما سوف تُسفر عنه الحرب الطاحنة التي أصابت شظاياها الجسد العربي في مقتل فأعرض المُثقف الحر في مُعظم البلدان الشقيقة عن متابعة الجديد في المجال السينمائي والمسرحي وما شابه.
وأدت الحالة النفسية المُضطربة للشعوب العربية إلى فقدان شهية المُتعة والفرجة فأجبرت كبرى المهرجانات على التوقف وتأجيل نشاطاتها احتراماً لأحزان غزة وشعور الشعب الفلسطيني الشقيق الذي كان بالأمس القريب مُبتهجاً بأعراسه الثقافية والفنية المُختلفة مُنظما للفعاليات أو مشاركاً فيها. والأقرب لهذه الأمثلة مهرجان «العودة السينمائي» الذي كان يستعد لاستقبال الجديد من الأفلام المحلية والدولية لإقامة دورته الآتية بما هو جاد ومفيد وممتع من الناحية الذهنية والفكرية.
لكن شيئاً من ذلك لم يحدث بعد أن أطفأت أشباح الشر والدمار قناديل الضوء في وجه المُبدعين وحولت ساحات الأفراح المُزمع إقامتها إلى سرادق عزاء.
من هنا انطفأت مصابيح المهرجانات العربية واستُبدلت لافتات الإعلان عن أهم الأفلام والنجوم المكرمين بلافتة كُتب عليها مؤجل حتى إشعار آخر وبالطبع كان مهرجان القاهرة السينمائي الدولي على رأس المهرجانات التي علقت أنشطتها بعد صدور قرار وزيرة الثقافة نيفين الكيلاني بتأجيل الفعاليات تضامناً مع شعب غزة المناضل واحتراماً لدماء الشهداء الأبرار الذين بذلوا حياتهم في سبيل الذود عن أرضهم وعرضهم ووطنهم وبقائهم.
ولما كان هذا هو الموقف الرسمي المُعلن من جانب وزارة الثقافة حذت المهرجانات الأخرى المُستقلة نفس الحذو، إذ سارع رجل الأعمال نجيب ساويرس بإعلان توقف مهرجان الجونة السينمائي وتعليق دورته السادسة، بل زاد على ذلك بالتبرع بمبلغ خمسة ملايين جنيه مصري لدعم غزة في صمودها ضد المُحتل الغادر المُتربص بها وباستقرارها.
وفي محاولة للحفاظ على دولية المهرجان ومكانته الثقافية اضطر ساويرس إلى استئناف النشاط بعد التأجيل مع تحديد برنامج خاص بالسينما الفلسطينية لعرض أهم الأفلام من خلال ما أسماه بنافذة على فلسطين لتعريف الجمهور العربي والعالمي بطبيعة فلسطين شعباً وتاريخاً وحضارة بالتعاون مع مؤسسة الفيلم الفلسطيني وتأكيداً لدعم المهرجان ومناصرته للقضية الفلسطينية العادلة.
أما مهرجان الإسكندرية لسينما البحر المتوسط الذي يترأسه الأمير أباظة فقد بدأ دورته التاسعة والثلاثون في الفترة من 1 إلى 5 تشرين الأول/أكتوبر الماضي قبل اندلاع الحرب بيومين فقط وبذلك نجا من حرج الاحتفال بالموسم السينمائي الاعتيادي المهم الذي يستضيف عدداً من أفلام دول البحر المتوسط ويعمل على تنظيم تسابقها للفوز بالجوائز وإبراز مزاياها ومضامينها.
المهرجان المذكور أقام دورته الفائتة تحت شعار «السينما ترقص وتُغني» وهو الشعار الذي قوبل بالاستهجان من بعض النُقاد والمُثقفين لخفته وعدم ملائمته للمضمون الثقافي والإبداعي المهم والمتجاوز لفكرة الغناء والرقص.
وافتتح مهرجان الإسكندرية دورته التاسعة والثلاثين التي شارك فيها 120 فيلماً من دول البحر المتوسط بالفيلم القصير «فاطيما» وقام بتكريم كل من خالد زكي وحنان مطاوع والمخرج اليوناني من أصل مصري كوستاس فيرس والنجمة الفرنسية كارولين سيلول والمنتج الفرنسي جون لوليفي.
وفي أنشطة أخرى موازية حفل العام ببعض التظاهرات الفنية من ذات النوع ليكون التفاعل مُتصلاً مُنفصلاً فمن بين ما حظيت الساحة الفنية باحتوائه مهرجان العلمين الجديدة للسينما وهو المهرجان السياحي النوعي الذي جاءت إقامته بغرض تنشيط السياحة في منطقة العلمين الجديدة وخلق أجواء جاذبة للسياح، حيث لم يكن الهدف هو السينما في حد ذاتها وإنما تم توظيفها كوسيلة داعمة للهدف السياحي، لا سيما أن الحضور القوي للنجوم والنجمات يلعب دائماً دوراً رئيساً في تحقيق الخُطط والأهداف الاستثمارية المرجوة وهي طريقة مُجربة ومضمونة العائد والمفعول.
مهرجان الدراما المصرية
وفي ذات السياق الدعائي الفني عمدت الجهات المعنية بالتثقيف والتوعية والسياحة إلى تنظيم الدورة الثانية من مهرجان الدراما المصرية برئاسة الفنان يحي الفخراني واختير للدورة أو النسخة الثانية من المهرجان عنوان لائق ومُقنع 60 سنة دراما، وتم حشد عدد كبير من النجوم والمسلسلات فلم يُستثن مسلسل واحد من إنتاج عام 2023 من المُشاركة في المسابقة الرسمية مهما كان المستوى الفني والتقني والإبداعي.
وعليه سارت الخُطة وفق المسار المُتفق عليه، فقد تم توزيع الجوائز على المسلسلات الأكثر تميزاً بطبيعة الحال وفاز بمعظمها مسلسل «تحت الوصاية» بطولة منى زكي التي نالت بدورها جائزة أحسن ممثلة، بينما حصل تامر كروان على جائزة الموسيقى التصويرية عن نفس المسلسل.
وجاء فوز مسلسل «ستهم» الذي عُرض في الموسم الرمضاني وقامت ببطولته روجينا لافتاً لأن الفائز بالجائزة كان الشيخ ياسين التهامي المُنشد الشهير الذي شارك في المسلسل بشخصيته الحقيقية كأشهر المُنشدين والمداحين لحاجة السياق الدرامي لوجوده، خاصة أن الأحداث كانت تدور في صعيد مصر والشيخ ياسين أحد أعمدة الإنشاد ورموزه المهمين في إقليم الصعيد وأشهرهم على الإطلاق لذا تم الاستعانة به ليقوم بدوره الطبيعي في الواقع بوصفه من المؤثرين في الثقافة الشعبية المصرية.
صالون أحمد فؤاد درويش
وعلى مدار السنة كان النشاط الثقافي السينمائي الأقوى والأبرز في دار الأوبرا المصرية للمخرج أحمد فؤاد درويش الذي استمر في عرض بعض الأفلام التسجيلية المُختارة بعناية والمُتصلة بالحالة السياسية والاجتماعية، والدافعة إلى تطوير الوعي الفني والتعرف على مدارس السينما الكلاسيكية والحديثة والإلمام الثقافي والمعرفي بقيمة وأهمية الفيلم التسجيلي، وهو ما اجتهد المخرج والمنتج الكبير في تحقيقه وسعى لربطه بالدور الرسمي لوزارة الثقافة التي منحته الفرصة كاملة لإقامة ندواته بانتظام واستضافة الجمهور في المسرح الصغير ومركز الإبداع ومسرح الهناجر بغرض دعمه وتفعيل برنامجه الهادف والمُثمر.
وعرض المخرج أحمد فؤاد درويش من إبداعه الخاص فيلمين مهمين عن القضية الفلسطينية هما «وجوه من القدس» و«كرنفال» فالأول أنتجه منذ ما يقرب من عشرين عاماً وصور من خلاله ملاحم النضال الفلسطيني عبر رؤية استثنائية خاصة عن الشهداء والأسماء البارزة في سجل الحركة الفدائية التي أفدت الوطن بحياتها ودافعت عن القضية بدمائها.
أما الفيلم الثاني «كرنفال» فهو تسجيلي سياسي طويل عن الصراع العربي الإسرائيلي منذ حرب 48 وحتى عام 1977 مروراً بكافة الأزمات والمُنعطفات التي تسببت في تفاقم المشكلة وتعقيدها. ويُحسب للمخرج تمسكه بمبادئه السياسية الرافضة لأية اتفاقات بين العرب وإسرائيل طالما لا تزال الأراضي الفلسطينية مُحتلة فأية محاولة للتوصل إلى حل مؤقت هي مضيعة للوقت من وجهة نظرة فلا سلام إلا بتحقيق الاستقلال التام والجلاء عن كامل الأراضي الفلسطينية التي اغتصبتها إسرائيل عنوة بقوة الحديد والنار.
ولم يقتصر صالون درويش الثقافي السينمائي على عرض الأفلام فقط وإنما تضمن حلقات نقاشية حول مستقبل صناعة السينما ودور النوع التسجيلي منها في عرض القضايا السياسية والمجتمعية والمساهمة في الإصلاح الفكري والدعم التربوي.
ما يدل على أهمية صالون أحمد فؤاد درويش الثقافي أنه استمر طوال عام 2023 بواقع لقاء كل أسبوع بحضور كوكبة من السينمائيين والمثقفين والمهتمين بالقضايا العامة والتواقين للمعرفة.
أحداث ثقافية
يأتي معرض القاهرة الدولي للكتاب على رأس الأحداث الثقافية والفعاليات المهمة. ففي عام 2023 أقيمت الدورة 54 واختير الشاعر الكبير ورسام الكاريكاتير الراحل صلاح جاهين ليكون شخصية العام نظراً لإسهامه القوي طوال رحلته الأدبية في أكثر من مجال إبداعي مهم فهو شاعر العامية المتميز ورسام الكاريكاتير الساخر والصحافي الأشهر بمجلة «صباح الخير» والممثل وصاحب الأدوار المؤثرة في بعض الأفلام منها فيلم «لا وقت للحُب» مع فاتن حمامة ورشدي أباظة.
وبمناسبة تكريم اسم صاح جاهين عملت الهيئة العامة للكتاب خلال المعرض على إعادة طباعة أعمالة الكاملة وقامت بطرحها في الأسواق بأسعار مُخفضه ليتسنى للشباب قراءتها والإطلاع عليها والاستفادة منها.
كما اختارت الدورة كاتب أدب الأطفال كامل الكيلاني كشخصية بارزة لعام 2023 في معرض كتاب الطفل لتشجيع النشء الجديد على القراءة والتثقيف.
وفي هذه الدورة تم اختيار المملكة الأردنية الهاشمية ضيف شرف معرض القاهرة الدولي للكتاب لتحقيق التواصل الثقافي والمعرفي بين الدولتين على خلفية الحدث الثقافي المصري العربي الكبير.
ومن الأحداث الثقافية المهمة التي جرت وقائعها خلال العام الذي يلملم أوراقه ويوشك على الانقضاء مُلتقى الرواية ومؤتمر أدباء مصر والأخير كان قد توقف لعامين متتاليين بسبب جائحة كرونا واستُأنف نشاطه مره أخرى بعد زوال الخطر.
وهناك أيضاً مؤتمر القاهرة للرواية العربية الذي يُعد ضمن الأحداث الثقافية البارزة والذي أقيم تحت عنوان الرواية العربية ظواهر جديدة، وحملت الدورة اسم الناقد والمُثقف الكبير جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق.
وقد شملت المحاور بعض الإشارات المهمة كرواية المنفى والهجرة والهويات الملتبسة وروايات التنوع المعرفي والرواية وجماليات النوع الأدبي والرواية والفنون والرواية ووسائل الاتصال والرواية العربية وأسئلة الانتشار والتلقي إلى آخر العناوين الدالة على المحتوى الثقافي محل المناقشة والبحث.
ومن جانبه اعتنى مؤتمر أدباء مصر بالربط بين الثقافة والوعي القومي في دورته 36 الأخيرة فجاءت عناوينه ومحاورة منصبة على هذا الاتجاه.
وتم اختيار الكاتب الصحافي والأديب الراحل جمال الغيطاني كشخصية أدبية بارزة للدورة السادسة والثلاثين باعتباره من الأدباء المهمين الذين كتبوا في أدب الحرب وسجلوا وقائع نصر أكتوبر 73.
نجوم رحلوا في عام 2023
ترك عام 2023 أحزانه ورحل. فعلى مدار السنة توفي عدد كبير من نجوم مصر وطاقاتها المُبدعة كان آخرهم الفنان المسرحي أشرف عبد الغفور ومن قبله كانت المطربة شريفة فاضل ونجاح سلام ونجمة سينما الستينيات كريمان التي شاركت عبد الحليم حافظ أجمل أفلامه «بنات اليوم» ورشدي أباظة في فيلم «تمر حنة» وكمال الشناوي في «الحموات الفاتنات» وصلاح ذو الفقار في «مراتي مدير عام».
كذلك رحل المُمثلان المعروفان طارق عبد العزيز وعادل أنور ولحق بهما مؤخراً المخرج أحمد البدري.