
فلسطين أمام محكمة العدل الدولية
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ
منذ يوم 11 / كانون2/ 2042 وملف العدوان الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية. وإن شئنا أن نقدم تلخيصا سريعا للموقف واحتمالاته، فلابد أن نتذكر ونذكر أن محكمة العدل الدولية لم تؤسس للنظر في قضايا التحرر، بل ربما على الضد منها، والولايات المتحدة تعتبر وربما مثلها حشد من الدول الغربية، يعتبرون أن الصهاينة في حالة دفاع شرعي، عن رغبتهم بل حقهم في التوسع والاستعمار والاستيطان، والابادة الجماعية بشعارات وسياسات علنية. والكيان الصهيوني منذ إقامته المشؤومة قبل 75 عاماً يقاوم إصدار قرارات دولية من هيئات مخلفة : سياسية/ اقتصادية / ثقافية، بفضل اصطفاف ودعم لامتناهي من الولايات المتحدة خلف هذا الكيان وأفعاله. وقبل أكتوبر / 2023 كانت تدور في خفاء وعلناً، واليوم جهارا نهاراً ….. وهكذا باعت هذه الدول التي تتغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان ليل نهار، باعت شعاراتها بتراب الفلوس … لذلك على الجميع أن لا يصاب بخيبة أمل إذا جاءت نتائج العدل الدولي أقل من حجم الآمال ….! ولكنها خطوة كبيرة في النضال وما زال الطريق مفتوحاُ.
المستقبل مفتوح على احتمالات عديدة، ولكن جميعها ليست في مصلحة الولايات المتحدة وربيبتها. فالرأي العام في العالم بأسره سيشطب على كلمة عدالة ما لم تصدر إدانة للإسرائيل بدرجة واضحة، وإذا صدرت إدانة، فالخطوة القادمة ستكون المحكمة الجنائية الدولية. العالم لم يعد حقل تجارب وميدان تدريب لجيوشهم العدوانية.
إلى هنا لا توجد مفاجئات، ولا قراءات معقدة، وبتقديرنا أن القضية (الفلسطينية) ابتدأت منذ أكتوبر / 2023 تأخذ اتجاهات جديدة، تستحق من المهتمين بالسياسة من العرب أن يصرفوا وقتا وجهداً في استجلاء قدراتها والممكن منها، وتحالفات جديدة، وآفاق عمل جديدة.
لكن ما أثار استغرابي هو غضب البعض من الجمهور العربي، من تولي جمهورية جنوب أفريقيا عرض وإدارة الدعوى أمام محكمة العدل الدولية. وهذا ما تسبب بوابل من الشتائم، والإهانات، مع العلم إن تولت جهة عربية إثارة وتحريك الدعوى فالأمر لا ينطوي على معنى جديد، بل بالعكس إثارة الدعوى من قبل دولة أفريقية ينطوي على مكاسب تكتيكية واستراتيجية جمة، وحتى في حال أن لم يسفر تحريك الدعوى عن منجز كبير للقضية، فإن التضامن العربي / الأفريقي / الإسلامي سيترسخ وتكون هذه المبادرة فاتحة لعناوين عمل مشترك جديد، قد تنظم له دول عديدة من أميركا اللاتينية والجنوبية، ومن دول آسيوية مهمة، إلى أن تتطور كعاصفة قوية يصعب الوقوف أمامها، ومثل هذه الخطوات حققتها المقاومة الفيثنامية، وكان القساوسة البوذيون قد تحالفوا مع الحزب الاشتراكي العمالي في حرب التحرير والوحدة، حين تمكنت بخطابها العقلاني الواعي من استقطاب قوى وفئات اجتماعية داخلية، وخارجياً، حتى دول غربية كفرنسا، ودول حليفة للولايات المتحدة لخطها.
أدعو الجميع للكثير من التفكير … وللقليل جداً من الغضب، وانفتاح أوسع على قوى عالمية، فليتصف العمل السياسي بالمرونة فلن نكسب العالم بخطاب متعصب متطرف، لا للتقوقع، والانعزال … أن يضيق علينا محيطنا، فهذا ما يريده الخصم، ليكن خطابنا هادئاً غير متشنجاً ليفهمنا أوسع قدر من القوى ويتفهمنا … ثقوا يا أخواني، أن العدو يهدف فيما يهدف إليه أن يثير غضبكم، فيكون خطكم غاضب .. غير متزن .. انفعالي .. يقلص من حجم القوى التي تقف معنا ، ويوسع من حجم المعسكر المعادي لنا .. وأخيرا، فالشتيمة لا تعبر عن شيئ إيجابي.. بل سلبي وغير ناضج.
فيما يتطلب العمل للتحرير الرؤية العريضة والعميقة والاتزان وكسب القوى مهما كانت صغيرة، حتى وإن ترجعنا هنا قليلاً وهناك، من أجل أن نكسب في النهاية، ونحن حالياً، نشتم هذا الطرف لصالح طرف آخر، نغمز هذا، ومن يعطي الكثير، يريد من كل الناس أن تعطي بقدر عطاؤه، ومن هو من التوجه (س) لا يقبل بأقل من (س) وفوقها شدة ..! يريد أن يستأثر بكل شيئ، ولكن حين يقع في المحنة، يطالب بالعون حتى من أسماك البحر ..! يا أخوان الحروب والثورات مهمة صعبة … صعبة جداً، وليست صلحة عشائر …!
لتتقدم افريقيا مشكورة بتحريك الدعوى، وإذا نجحت مساعيها الف مبروك لنا جميعاً، وكلمة شكر كبيرة لأفريقيا المناضلة ضد الاستعمار والامبريالية، أفريقيا الواعدة، أفريقيا التي تتقدم في ميدان العلاقات الدولية، وبأستثناء قلة من الكيانات ، كلها مؤيدة للقضايا العربية والإسلامية، فلماذا الغمز واللمز ..؟ خلال أيام قليلة (يومان فقط) نجح النضال العربي الافريقي في طرح صورة كفاحية تحالفية رائعة بفضل قيادة جنوب افريقيا الواعية… خلال أيام انتشرت صور فنية تعبر عن تلاحم النضال العربي / الافريقي، وما أجملها من صور …
هذه ميادين عمل رائعة، كفاح مشترك .. مصالح مشتركة، فلنمض بها بقوة ووعي …