مقالات

ماذا يحمل ترامب في جعبته؟ بقلم الدكتور وليد عبد الحي

بقلم الدكتور وليد عبد الحي

ماذا يحمل ترامب في جعبته؟
بقلم الدكتور وليد عبد الحي
بعد يومين يحل الرئيس الامريكي دونالد ترامب “ضيفا” على المنطقة العربية ، وسيقوم بزيارة ثلاث دول عربية هي السعودية والامارات العربية وقطر، ورافق الاعلان عن الرحلة فيض من التكهنات عن ” اسرار” الرحلة واهدافها ، ناهيك عن تصريحات لترامب نفسه ولفريقه الحكومي ، ولم اجد اي اتساق بين كل هذه التصريحات, فكيف نفهم هذا الرجل؟
أولا شخصية ترامب:
ازعم انني تتبعت قدرا كافيا من التقارير والكتب-وبعضها كتبها ترامب نفسه- أو بعض اقاربه(مثل كتاب ابنة اخيه) ناهيك عن قدر كاف من الخبراء الاجتماعيين والنفسيين الامريكيين، ولن اتوقف عند الجانب العام بل سأتوقف عند البعد السياسي في شخصية ترامب:
أ‌- ترامب لا ينظر للدول ككيانات ذات محتوى سوسيولوجي بل “كعقارات صماء “، فهو ليس معنيا بالسيادة والاستقلال والقانون الدولي والتحرر بل ببعد واحد” ما هو ثمن العقار ” ؟ وتخلو منظومة ترامب المعرفية من ما يسميه علماء الاجتماع السياسي الدافع المكاني(Territorial Drive) ، فمفهوم الترابط الوجداني والمنظور السياسي للوطن ليس جزءا من رؤية ترامب، وإلا كيف نفسر دعوته لضم كندا او غرينلاند او اخذ قناة بنما او حقوقه في قناة السويس او تحويل غزة الى “ريفيرا” …الخ.
ب‌- ان الكذب-عند ترامب- هو احد الفضائل التي يجب ان يتحلى بها المفاوض السياسي.
ت‌- لا يتورع ترامب عن ابتزاز الخصم الى اقصى درجة وليس هناك اية مثلبة لو خضعت إذا وجدت نفسك في موقف ضعيف(وكتابه The Art of the Deal يشي بذلك بوضوح)
ث‌- ان صورة العرب في ذهن ترامب هي ” تاريخهم كله صراعات بينية، غرائزيون، اغبياء”، وهو ما يجعله مستهينا الى درجة كبيرة بهم .
ثانيا: موضوعات على جدول اعمال ترامب:
ما هي الموضوعات التي يحملها ترامب ليبحثها مع مضيفيه، انها عديدة ومتداخلة وابرزها:
أ‌- الموضوعات التجارية وتشمل: العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج وتشمل توسيع الاستثمارات الخليجية في السوق الامريكي، تنظيم العلاقة التجارية بين بلاده ودول الخليج بخاصة في ضوء تأثير رسومه الجمركية، توسيع الاستثمارات الخليجية في مجال المعادن المطلوبة للصناعة الامريكية وبخاصة مع السعودية في هذا المجال تحديدا ،والعمل على المساهمة في ابقاء اسعار البترول منخفضة ، فتح المجال لمزيد من الصادرات الامريكية لاشباه الموصلات(Semiconductor ) للخليج ، مشروع انجاز برنامج نووي سلمي سعودي ، مزيد من صفقات التسلح الخليجي وبخاصة السعودي مع امريكا، حيث تمت الاشارة لصفقة قريبة بقيمة 3.5 مليار دولار مع اسعودية.
من جانب آخر، فان لأبناء ترامب علاقات ومشاريع تجارية قد تكون ضمن حواراته الفرعية الجانبية مع بعض كبار رجال الاعمال الخليجيين بخاصة في السعودية والامارات لفتح المجال لابنائه لتوسيع مجالات ارباحهم ومشاريعهم.
ب‌- الموضوعات السياسية والامنية: تتضمن هذه فيضا من الجوانب مثل: حرب غزة بتفاصيلها حول وقف اطلاق النار والرهائن و ما بعد الحرب والاعمار..الخ ، المشروع النووي الايراني بخاصة والدور الاقليمي لايران بعامة في المنطقة، التطبيع مع اسرائيل بخاصة من الجانب السعودي ، الأمن البحري وكيفية التعاطي مع انصار الله اليمنيين، احتمالات تصاعد التوتر بين تركيا واسرائيل على سوريا ارضا وسيادة ،وقد يدعو سوريا للتطبيع مع اسرائيل من خلال وسطاء خليجيين مقابل رفع العقوبات ، العلاقات الصينية مع دول الخليج وتوظيفها ضمن المنظور الامريكي تجاه الصين ، ناهيك عن تكرار الاتهام لحماس بانها تستغل المساعدات الدولية لصالحها
ت‌- تحديد أدوار وظيفية لكل دولة خليجية منفردة او ككتلة في خدمة المصالح الامريكية مثل: الدور القطري في تكييف موقف حركة حماس في غزة ودفع قطر لاستثمار اموالها في اتجاه الضغط على مواقف المقاومة، توسيع الدور الاماراتي في تقديم الخدمات لامريكا على غرار صفقة السجناء الامريكيين في روسيا، كيفية توظيف المكانة السعودية في حشد دول الخليج لتقديم المكاسب لامريكا مما جعلها مركز التفاوض الروسي الاوكراني ،وقد يتم مناقشة ذلك في مؤتمر يعقد لكل دول الخليج خلال زيارة ترامب القادمة بعد يومين…الخ. ونظرا للتنافس الكامن بين دول الخليج في السودان وسوريا وفي العلاقة مع الاخوان المسلمين وفي التشنج الحالي بين الامارات والجزائر او حتى في العلاقة مع مصر او مع القوى الليبية المتنافسة، ويكفي مقارنة المسافة المتباعدة بين الموقف الكويتي من اسرائيل والموقف الاماراتي مثلا…..الخ..وكل ذلك سيستغله ترامب أيما استغلال.
ثالثا: ما الذي يريده العرب من ترامب؟ لعل الهدف المركزي للدول العربية كافة في علاقاتها مع امريكا هو “ضمان أمن الانظمة الحاكمة” والباقي خاضع للمناقشة ، وهي على استعداد لتقديم اية تنازلات لامريكا إذا كان ذلك هو الالتزام الامريكي تجاه هذه الأنظمة.
رابعا: ظروف زيارة ترامب:
تأتي زيارة ترامب في ظل ظروف دولية في غاية التعقيد، من حرب غزة الطويلة، الى تصاعد التوتر الى مستوى كبير بين دولتين نوويتين متجاورتين هما الهند وباكستان، استمرار الحرب الاوكرانية، الارتباك الشديد في التجارة الدولية اثر قرارات ترامب بمراجعة كل التعريفات الجمركية مع اغلب دول العالم، ناهيك عن انسحابة من عدد من المنظمات الدولية الهامة او شل بعضها( كما هو حال منظمة لتجارة الدولية التي يعطل هيئة الاستئناف فيها) اضافة للارتباك في العلاقات البينية بين دول الكتلة الغربية ,,,الخ.
خامسا المشهد المحتمل:
اعتقد ان ترامب سيلجأ الى تقديم وعود على ثلاثة انماط هي الاولى وعود شكلية والثانية وعود خداع ،أما الثالثة فستكون وعود غير مفهومة وملتبسة الدلالة، ومقابل هذه الوعود سيسعى لتحقيق هدفه المركزي “قبض الثمن الاعلى “لكل وعوده بغض النظر عن طبيعتها . ويكفي التوقف عند بعضها:
1- يعد ترامب دول الخليج ان يسمي الخليج باسم الخليج العربي بدلا من الخليج الفارسي، فما هي القيمة الميدانية لمثل هذا العرض الترامبي؟ ولعله يكرر عرضه بتسمية خليج المكسيك بالخليج الامريكي.
2- قد يخفض بعض الرسوم الجمركية عن بعض الصادرات الخليجية بخاصة التعدينية للايهام بالتبادلية بين الطرفين، وقد يطلب من قطر تخفيض دعمها لبعض الجامعات الامريكية التي تعرف تزايدا في نزعة التاييد للحقوق الفلسطينية…الخ.
3- سيقدم عدم ذهابه لاسرائيل كتنازل لا نظير له لصالح العرب، ولا استبعد أن يجتمع سرا مع نيتنياهو وفي دول عربية او بعد انتهاء زيارته للمنطقة ، فترامب لديه قناعة تامة ان العرب يعطون التنازلات الشكلية وزنا اكبر كثيرا من حقيقتها، ويروجون لها بأن ترامب سيغير السياسة الامريكية مع اسرائيل متناسين انه نقل السفارة الامريكية للقدس واعتبرها عاصمة ابدية لاسرائيل ولم يوقف مبيعات السلاح لها، ولا زال يعطل اي مشروع في الامم المتحدة ضدها، وهو الرئيس الامريكي الذي لا يشير باي شكل من الأشكال الى موضوع حل الدولتين ، وهو من ضرب اليمن ضربا مبرحا ، وقد يعود مرة اخرى رغم الحديث عن اتفاق مع انصار الله، ناهيك انه من فتح باب تهجير غزة وتحويلها لمنتجع سياحي يتمتع فيه كل سائح إلا ابن غزة الذي يريد ترامب نقله للصومال او السودان او غيرهما.
4- ان من يطلب من مصر ان تعفيه من دفع رسوم العبور في قناة السويس سيطلب من دول الخليج زيادة مدفوعاتها نظير حمايتها وضمان استقرارها، ويتجه طموح ترامب لا لعلاقات بمليارات الدولارات بل هو يستعد لعلاقات بترليوناتها..
5- سيطلب من دول الخليج ثمنا باهظا نظير عدم مهاجمته لايران ،مبررا ذلك بانه إنْ ضرب ايران ستقوم ايران بضرب القواعد الامريكية في اراضي دول الخليج وضرب المرافق الخليجية التي تشكل المرافق اللوجستية للقوات الامريكية، لذا فلتجنيب الخليج هذا السيناريو لا بد من فتح خزائن الخليج للتعويض.
الخلاصة:
ارى ان ما سيعد به ترامب لن يكون مهما أيا كان ذلك الوعد، لأنه لن ينفذه إلا إذا كان فيه مكسب له ولاسرائيل ، وهو يعلم ان مدة وجوده في السلطة لا تزيد عن حوالي 3 سنوات ونصف وهي فترة قصيرة جدا لمشروعات استراتيجية، لذا سيكون تركيزه على مشروعات الجني السريعة، تاركا المشروعات الحالمة للعرب …
اما مع ايران – فلن تقبل ايران اي نتائج اقل من ما ورد في اتفاقها الاول زمن أوباما- او بدائل اقتصادية وسياسية وأمنية تتوازى مع ذلك الاتفاق ،ولا مانع لها ان تقدم هذا التنازل حتى على حساب بعض من محورها، المهم ما هو الثمن المقابل.
اخيرا، لا زالت هواجسي عميقة تجاه طبيعة علاقات ترمب مع روسيا، وقد سبق لي ان أنجزت دراسة واسعة حول هذا الموضوع، فإذا كان ترامب ليس مدانا كما قال تقرير المحقق الامريكي مولر، فانه ليس “بريئا” كما قال نفس التقرير…وهنا قد تنقلب الصورة كلية..مع ربما كبيرة للغاية…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب