
تعرف على سقف الموقف ….!
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ
نصادف في الحياة أشخاصاً، على الأرجح ممن يعملون في السياسة، من يقبل خيارا مراً، عندما يجالس (يحادث / يفاوض) عدوا ما من محادثته / مفاوضته من بد، وهذه بالطبع من نكد الدنيا، ولكن من غير السياسي مقدر له أن يواجه نكد الدنيا ومكائدها بشجاعة وصبر ..؟
بعض الناس، والأسوء حين يتعاطى البعض منهم السياسة وهو يعتقد أنه يسير في درب معبد مليئ بالزهور والرياحين، فيتصرف على أن المكاسب السياسية سهلة المنال، وكأن الأطراف الأخرى والكثير منها من الخصوم العلنيين، أو المتسترين، أو ممن لا يقف موقفاً لصالحك بدون ثمن، وآخرون كتبت عنهم، يعتقد أن الموقف الأفضل، هو الموقف الأكثر قوة، وأن رأيه أهم من كل الآراء، وبالتالي رغبته أو إرادته ” يجب ” أن تنفذ، فيبالغ ويتطرف في طرح الموقف بأقصى درجاته، والأقل من ذلك يعتبره تراجعاً غير مقبول، هذا ما لم يضع عليه ظلال من الشكوك …!
اليوم أريد الإشارة إلى بعض من يعملون في السياسة، لا أتطرق إلى حسن النوايا وصدق التوجه الوطني ، فمن خواص السياسي ولا سيما في المراتب المتقدمة أن يعرف كيف يقود الدفة بحكمة، وتهمني عمق الرؤية التي نحتاجها في تحليل الأوضاع السياسية، تخترق السطحي، بغير انفعال.
في عالم السياسة قواعد مشهورة، ومن تلك :
1. ليس الذكاء في معرفة الخير من الشر، بل في أختيار أهون الشرين .
2. تجنب اتخاذ القرارات بناء على أحكام الهوى .
3. إذا أشتبه عليك أمران، فأنظر أقربهما إلى قلبك وأجتنبه.
4. لا أستخدم سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أستخدم سوطي حيث يكفيني صوتي. (في اقتصاد القوة).
5. ” أن السياسة هي فن الممكن ” في علم السياسة الحديث، يتفق علماء الشرق والغرب على هذه القاعدة .
6. (أن الموقف السياسي هو تحليل مادي ملموس لواقع مادي ملموس ” في علم السياسة.
7. عليك أن تميز بين التناقض الثانوي (الذي يمكن التعايش معه)، من التناقض الجوهري (الذي لا يمكن التعايش معه). ولكل من التناقضين مستوى معين من الصراع معه له أدواته.
8. السياسي الحكيم يقبل بنصف نجاح مضمون، على النجاح التام بمجازفة وأتباع المغامرات.
9. كل سياسي يريد المجازفة، فليفعل ذلك بماله الخاص، وليس على حساب الشعب.
10. ” بيني وبين خصومي شعرة أحرص أن تنقطع، إن شدوها أرخيت، وإن أرخوها شددت “. هكذا يتكلم القائد السياسي، وليس القائد العام للأساطيل الجوية والبحرية ..!
11. في السياسة هناك سيئ، وهناك أقل سوءاً … وعلى السياسي إيجاد الفرق.
12. السياسي لا يعمل بالمزاج، بل بالممكن ..!
هذه بعض من قواعد العمل السياسي، قواعد صالحة للعمل وليس للمناقشات التي لا تفضي إلى شيئ .. هناك فرق كبير في أن تفاوض / تتحادث، بحجم كبير من المسؤولية، وبما متاح لك من هامش مناورة ضئيل جداً .. وبين مناقشات لتزجية الوقت …. أو محادثات جدية يجب أن تفضي إلى نتائج، لتستحق أن تسمى محادثات جدية .
الفرق بين قائد سياسي محنك يعرف قدراته ومقدار تأثيرها، ويناور بها ولا يستخدمها كلها ليبقي لنفسه احتياطياً للمواقف المقبلة… وقائد آخر يطيع هواه ويقذف بنفسه ومن معه في أتون نار محرقة. وبوسع القائد أن ينتحر (بدنيا أو سياسيا) ولكن ليفعل ذلك بعيداً عن الناس.
حين درسنا اللغة الألمانية، هناك كتاب صادر من معهد غوتة في الخمسينات ” تعليم الألمانية لأبناء العربية ” فيه مقطع لا يجوز أن تقرأه على أنه نص لتعليم اللغة فقط، الذي يدور عن صديقان مراهقان: ألماني وعربي بل وللعبرة والحكمة، ولأستخدامات سياسية واجتماعية. النص :
Ich habe viele Wünsche, aber leider nicht genug Geld …..! “
” لدي أمنيات كثيرة … لكن للأسف ليس الكثير من المال …! “
بالعربي نقول مثلاً جميلاً :
” مدر رجليك على قدر لحافك ..”.