
الأعداد العربية
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ
كنت ذات يوم (ربما صيف 1982) في مكتب طباعي ببرلين بالقرب من الجامعة التكنيكية، مكتب يضم بين 10 ــ 15 جهاز طباعي / أستنساخ (فوتوكوبي)، يرتاده الطلبة لغرض استنساخ بحوث كنت قد قمت بإعدادها. وحين بدأت بالاستنساخ، كانت طالبة ألمانية تنتظر دورها للطباعة، والقت نظرة على أوراق البحث، وسألتني، عن اللغة المكتوبة بها البحث، فقلت لها أنها باللغة العربية، فقالت ولكن حوالي نصف الصفحات بالألمانية ..؟ أجبتها نعم هذا بحث، سأقدمه للجامعة، وهكذا دخلنا في موضوع الاطروحة، فسألتني، ” ولكنك تستخدم الارقام الألمانية ..!” فقلت لها هذه الارقام عربية، وأنتم في اللغة الألمانية تسمونها هكذا ” Arabische Zahlschrift ” الاعداد العربية، فتراجعت وقالت … نعم صحيح .. فبادرتها، ولكن هل تعرفين لماذا الأرقام بهذا الشكل ..؟ فأبدت عدم معرفتها، وهنا أمسكت بورقة وصرت أرسم لها الأرقام (1 2 3 4 5 6 …… ) وبينت لها أن فكرة الرقم هي بعدد الزوايا، وبينت لها ذلك، فدهشت عظيم الدهشة وشكرتني كثيراً.
ثم أني ذات أمسية كنت مدعوا على طعام العشاء في دار دبلوماسي أجنبي، وكان من بين المدعوين شخصية إعلامية ألمانية مميزة، وكانت زوجته وهي سيدة جميلة هنغارية الأصل، مغنية أوبرا، والحديث بالطبع يدور عن الشؤون الثقافية، والإعلامي الالماني شخصية ثقافية مهمة، قال من المفارقات الغريبة أن تتشابه اللغة الألمانية مع اللغة العربية في مسألة مهمة، وحين أبدى الحاضرون الدهشة، ” قال لاحظوا رجاء فقط اللغة الألمانية من دون لغات العالم نحن نلفظ الأعداد كاللغة العربية الرقم 17 هكذا سبعة عشرة (siebzehn)، هذا غير التأثير الكبير للغة الغربية على اللغة الألمانية وآدابها. كان هذا موضوعاً أثار الدهشة، وأثار في نفسي الهمة لمواصلة البحث المعمق في تأثيرات اللغة العربية على الثقافة الألمانية. وفعلاً وجدت حقائق مذهلة، ربما ستتاح لي يوما الفرصة لنشرها.
في جامعة لابيزغ، في تلك السنوات التي كنت أدرس الماجستير، (التاريخ السياسي المعاصر)، كان هناك شاب ألماني ربما لم يبلغ الثلاثينات، يحضر أطروحة دكتوراه في اللغة العربية ما زلت أذكر أسمه ” أرمين أرنست “، وكان طالبا مجتهدا بحق، يتحدث العربية بطلاقة وبلغة سليمة، وخلال دفاعه عن أطروحته وكانت تدور عن تأثير اللغة والثقافة العربية على اللغة والثقافة الألمانية. وقد توصل إلى أن التأثير كبير جداً، وهذه الحقيقة العلمية التي أستطاع تأكيدها، أثارت عدم أرتياح البعض، لكن الباحث تمكن من إثبات أن رسالته تؤكدها مصادر اللغة (وقدمها لهيئة الدفاع لائحة بالكلمات) وجود 550 كلمة عربية في اللغة الألمانية وقدمها للهيئة.
وهناك كتاب باللغة الألمانية مشهور (شمس العرب تسطع على الغرب) والمؤلفة خبيرة ألمانية هي الدكتورة زيغريد هونكة، (DR. Sigrid Hunke) وفي هذا الكتاب وفي مكتبتي نسخة باللغة الألمانية، وأخرى مترجمة للعربية، رابطه أسفل المقال، يجد فيه القارئ تفاصيل دقيقة علمية عن التأثير العميق جدا للثقافة العربية على أوربا وعالم الغرب. وببساطة يكتف القارئ، عمق التأثير إذ كانت هناك 550 كلمة عربية في اللغة الألمانية، مع أن حجم اتصالنا التاريخي بالشعب الألماني ليست بالدرجة المتينة كما مع الإنكليز والاسبان، والفرنسيين ..!
بحوث اللغة والتبادل الثقافي والحضاري هي من الموضوعات المهمة، وما يزال العالم يكتشف الجديد في هذا المجال. وأدعو قراءي الأعزاء أن يتصفحوا كتاب الباحثة الألمانية.
• كتاب شمس العرب تسطع على الغرب pdf – زيغريد هونكه | كتوباتي (kotobati.com)