ثقافة وفنون

كادَ الخَجَلُ أنْ يُفْسِدَ زَواجي من مَعشوقَتي…

كادَ الخَجَلُ أنْ يُفْسِدَ زَواجي من مَعشوقَتي…

بقلم: علي او عمو.
كاتب من المغرب.

أنا شابّ في الخامسة و العشرين
من عمري، أرغب في الزواج من
فتاة في سنّي، تقريباً و لم أستطع
فتحها في الموضوع لكوني شخصاً
خجولاً إلى أقصى الحدود، رغم حُبّي
لها و انسياق قلبي إليها و شغفي
الشديد للجلوس بقربها و الحديث
معها، لقد صار قلبي ملكاً لها لا
يميل إلّا إليها، لا أحس براحة
النفس إلا برؤيتها و النظر إلى
وجهها الوسيم الجذّاب..
كانت هذه الفتاة الجميلة، الوديعة
الرّائعة المُهدبة و المؤدّبة مريمُ
زميلتي في الدراسة، في كلية
العلوم، كنا دائماً نلتقي في حديقة
رائعة بالمدينة نراجع دروسنا
سويةً، نتبادل الآراء و الأفكار حول
كل الموادّ العلمية، نُنجز معاً تمارينَ
مختلِفةً في الرياضيات و الكمياء و
العلوم الطبيعيّة، و كانَ ذلك هو
عملنا الروتيني الذي نقومُ به في كلّ
مرّة نلتقي فيها، فمُشكلتي العويصة
و المُعقَّدة هو انعدام القدرة لديَّ

للتصريح لها بما يُخالج فؤادي تُجاهَها، و عشقي اللّامتناهي لها و رغبتي في الزواج بها..
في يوم من أيام الإجازة الأسبوعيّة قرّرنا الذهاب إلى الشاطئ للاستجمام بعيداً عن ضوضاء المدينة و كسر الدأب و ملل
الدراسة و المطالعة. توجّهنا صباح ذلك اليوْم إلى الشاطئ على متن سيارة للأجرة، لان المسافة بين المدينة و البحر
يُقارب ثلاثة كيلومترات. و فور وصولنا المكان المقصود، لجأنا إلى صخرة كبيرة مطلّة على البحر و التي تتكسر عليها
الأمواج و يصلنا رشاشُها المُنعش يبعث على الحيوية و النشاط..
أخذنا نتبادُل أطراف الحديث مُبتعدين فيه عن الدراسة و ما يتّصل بها. كانت مريمُ تتحدّث بطلاقة دون أي خجل، و كلما
ألقت نظرةً على وجهي احمرّ من شدة الاستحياء الذي يملأ فؤادي يضيق من جرّائه صدري و يدق بفعله دقّاتٍ متتالية
صاخبة لم أعهدها من قبل، مرّ الوقتُ عليّ صعباً شاقّاً و عسيراً، فكلّما خاطبتني طأطأتُ رأسي كي أُجيبها و أتجاوَب
معها. تمنيتُ خلال تلك اللحظات الجميلة، لو مُنحتُ قوّة و شجاعةً كي أبوح لها بالأسرار التي يُخبِّئُها قلبي، تلك الأسرار
التي عجز اللسان عن التعبير عنها لِعشيقتي التي تشبتتْ بها نفسي و علِقت بِمُهجتي و بِنفسي و هاجت لها عواطِفي و
أحاسيسي و مَشاعري..

أوشكت الشمس على الغروب، و مضى الوقتُ و انتهت المُقابلة العصيبة، نهضنا، غادرنا المكان و اتجهنا نحو سيارة
للأجرة من أجل العودة إلى المدينة، أخذت بيدي و أنا أشعر بِقُشعريرة تمتدّ من قدميَّ إلى رأسي من ضراوة الحياء و
إفراطه.. وصلنا إلى المدينة و في مفترق الشارعيْن، توادَعنا، على أمل اللقاء غداً في الكلية لاستئناف دروسنا و
الذهاب إلى الحديقة المعهودة لِلمراجعة و المطالعة و إنجاز التمارين استعداداً للامتحانات التي على الأبواب..
فوجِئتُ يوما، و نحن في الحديقة، عندما دَعتني للذهاب معها لبيتِها لِتناوُل وجبة الغداء، لبَّيتُ دعوتها عن مضد و
بترَدّد، دلفنا البيت و وجدنا أمها في انتظارنا، لأنها كانت على علم مسبَق بقدومي، قبَّلتُ يدها و جلست مُخفضَ الرأس
من شدة الحياء، كعادتي، ما رأيتُ في حياتي، مثيلاً لهذه الأسرة المحافِظة الأصيلة المؤدبة و المهدبة ذات أخلاق جدّ
عالية.. تحلّقنا حول مائدة الطعام و مريم بجانبي تأمرني من حين لآخر بالأكل و عدم الخجل أثناء الأكل. أخذ والدها
يسألني عن الدراسة و مدى استعدادنا لخوض غمار الامتحانات. و كنت أجيبه بأنّنا في أتمّ الاستعداد لتحقيق نتائج
إيجابيّة في امتحان شهادة الليسانس و اجتياز مباراة الطبّ..
ودّعت زميلتي و عشيقتي بالباب و اتجهت نحو بيتي، و أنا أُسائل نفسي، لماذا كلّ هذا الحياء؟ و لماذا لم أصارح مريَمَ
بِحبي لها و لْيكُنْ ما يكون؟؟..
مرّت الامتحانات بسلام و فُزنا فيها معاً بِميزة (جيّد جدّاً)، تعانقنا في ساحة الكلية من شدة الفرح و السرور و افترقنا و
ذهب كل منا إلى منزله لإخبار أسرته و تبشيرها..
اجتزنا امتحان وُلوج كلية الطبّ و نجحنا سوياً بحمد الله و منّته، و بعد مُضي الأيام و تَوالي السِّنون حصلنا على شهادة
الطبّ، فأصبحتُ طبيب أطفال و أصبحت مريمُ مُتخصِّصةً في طبّ الأسنان…

في يوم من أيام الله، بادرت إلى دهني فكرة، لم تخطر ببالي طيلة مدة ارتباطي بمعشوقتي، فكرة اللجوء إلى أمّي كي
تتدخّل في حلّ مشكلتي. خاطبتُها في استحياء شديد: أمي لديّ مشكلٌ و أنتِ المفتاح الوحيد لِحَلِّه، أجابت: و ما هو هذا
المشكل؟ قلتُ: إنني أحبّ مريمُ بنت عبد الله و أريد منك خِطبتها حتّى أشفي غليل عشقي لها. وافقت على ذلك، قصَدتْ
بيتها على التوّ و تحدثت مع مريم، قبل الحديث مع أمها و أبيها في الموضوع، وافق الجميع على طلَبها، و ركضت
مريمُ من الفرح.. تمّ الزواج خلال ذلك الشهر. و ها نحن نعيش في سعادة لا مثيل لها، رزَقَنا الله بطفل و طفلة و نحن
في انتظار الثالث و اكتملت فرحتنا، و حمدتُ الله على نعمته و فضله و عطائه. و منذ زواجنا و أنا أردِّد: لعنة الله على
الخجل و قبّح الله الحياءَ الذي كاد أن يُفرِّق بيْني و بينَ معشوقين…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب