
في وداع إلياس خوري 1
أ.د.عادل الاسطة
لم يكتب لي القدر أن أتقابل مع إلياس خوري وجها لوجه ، مع أننا اتفقنا في آخر حديث هاتفي بيننا ، وكان قبل مرضه ، وتحديدا بعد أن كتبت سلسلة مقالات حول رواية ” رجل يشبهني ” ، اتفقنا أن نلتقي واقترحنا أمكنة لذلك . أنا اقترحت بيروت وهو اقترح عمان أولا ثم ، لشدة تفاؤله بتحرير القدس ، تمنى أن يكون اللقاء في القدس ، ليرش المسجد الأقصى بماء الورد .
وفجأة شاع خبر مرضه ، وفجأة انقطع التواصل بيننا ، فهو في المشفى ولا يقوى على الردود على كثيرين .
في العام ٢٠٠٠ كتبت أول مقال لي عن رواياته ، وتحديدا عن روايتيه ” مملكة الغرباء ” و ” باب الشمس ” مختارا صورة اليهود فيهما ، ثم عندما صدرت رواية ” يالو ” في ٢٠٠٣ خصصتها بمقالة عن اللعب الروائي فيها ، وهو أسلوب أثير لديه سينعكس في معظم أعماله منذ ” مملكة الغرباء ” وسيتوطد فيما تلاها من روايات ليبلغ ذروته في ” ثلاثية ” أولاد الغيتو ” .
سأكتب ، بعد كتابتي عن اليهود في روايتيه واللعب الروائي في “”يالو ” ، عن ” كأنها نائمة ” وعن ” سينالكول ” التي ترددت في بداية الأمر في اقتنائها .
يوم صدرت ” سينالكول ” ، وهي ، من وجهة نظري، أجمل ما كتب ، كنت أزور عمان ، وكلما زرتها عرجت على مكتبة فتحي البس ” دار الشروق ” . عرض علي أبو أحمد وسعدي البس نسخة من الرواية ولم آخذها . قلت لهم إنني قرأت أكثر أعمال إلياس ويجب أن أقرأ لغيره . وبعد عودتي ندمت .
كان شعوري بالندم لعدم اقتناء النسخة الأصلية من الرواية الصادرة عن دار الآداب يعود إلى أنني قرأت في مجلة ” الكرمل ” الجزء الخاص من الرواية الذي نشر إلى جانب جزء خاص من رواية لإبراهيم نصرالله .
ما إن انتهيت من قراءة الجزء المقتبس من سينالكول حتى ترددت على مكتبات نابلس أبحث عن الرواية كاملة ، وتمكنت من الحصول على نسخة مصورة منها .
سوف أقرأ الرواية بشغف وأكتب عنها مقالا نشرته في جريدة الأيام الفلسطينية عنوانه ” إشكالية المؤلف والراوي والشخصية ” ، وفيما بعد سوف أقترح الرواية على طالبتي نوال الستيتي لتكتب فيها رسالة ماجستير ، كما اقترحت من قبل على طالبتي أمل أبو حنيش Amal Abu Hanesh أن تكتب رسالة ماجستير عن رواية ” باب الشمس ” ، وقد تواصلت الطالبتان مع إلياس قبل أن أتواصل معه شخصيا .
عندما صدر الجزء الأول من ثلاثية ” أولاد الغيتو ” وهو ” إسمي آدم ” شرعت في كتابة سلسلة مقالات عنه نشرتها في زاويتي ” دفاتر الأيام ” ، ولما وصل عدد المقالات ال سبعة عشر مقالا هاتفني إلياس .
كان اليوم يوم جمعة ، وبدأ تعارفنا عبر الهاتف . يومها تحدثنا مدة ساعتين ، وكان يظنني من الأرض المحتلة ١٩٤٨ .
أحب إلياس كما قال لي أن يتعرف على هذا الناقد الذي كتب عنه سبعة عشر مقالا دون أن يكل أو يمل . أراد أن يعرف سر شغفي بالرواية وربما أراد أن يتغابى كما كان إميل حبيبي يتغابى معي كلما حدثني ، فتظاهر بتجاهل العارف . أما سبب ذهاب تفكيره إلى أنني من فلسطينيي ١٩٤٨ فيعود إلى ما كتبته عن صلة روايته بالأدب الإسرائيلي الذي وظفه في روايته كما لم يوظفه كاتب فلسطيني من قبل ، حتى إميل حبيبي نفسه أشهر من دحض الرواية الصهيونية في أعماله ، بل وحتى غسان كنفاني الذي كتب في ١٩٦٦ كتابه الشهير ” في الأدب الصهيوني ” .
يتبع …..
١٨ / ٩ / ٢٠٢٤