العروبة في التراث العربي
بقلم د-عزالدين حسن الدياب-
قراءة التراث بعين عربية،أقصد بعين ترى العروبة بحقائقها على الأرض،وكيف رأى الناس في هذّه ألأرض أنسابهم،وسلالاتهم،وأصولهم،وجذورهم،وصلات الرحم بينهم.
العروبة في منهجنا القومي،وفي فكر البدايات الذي أسسناه،ليكون دالة الجيل العربي الجديد،بأن العروبة ليست نظرية من النظريات،ولا تؤخذ في مقارنتها مع القوميات الأخرى،فلكل قومية نشأتها،ولكل قومية إنسانها، وأرضها،وتاريخها الزمني،وشخصيتها الثقافية،ومعالمها.
العروبة تؤخذ بأرضها وأمّتها،وتؤخذ بنشأتها وما مرت بها من أخداث،وتحارب احتماعية،وليدة هذا التفاعل الخلاق بين الإنسان العربي،وأرضه وما يحيط بها من أحوال،وظروف طبيعية ومناخ،ومافي الارض من ثروات،وسبل عيش،وما يجاورها من أمم،وشعوب لها ثقافاتها وحضاراتها،ومابين الأمة العربية،وجيرانها من تواصل ثقافي وحروب،كان لها دورها في نضج العروبة
ولاء وانتماء واعتزازاً،حتى صار هذا الإعتزاز جزءاً من شخصيتهاالاجتماعية،والتاريخية،والثقافية.
وكانت الثقافة العربية،ثقافة شفاهية،يتناقلها الناس في أحاديثهم اليومية،وفي جلساتهم،ومناظراتهم ومبارياتهم الشعرية وفي تراثهم الشعبي،حكايا وأقاويل متداولة،وفي شعر شعبي يمجد الآباء والأجداد،ويشهر القبيلة،حامية الحمى،لأفرادها وناسها،بل قل لأسرها وعائلاتها،وبطونها وأفخاذها،وعشائرها،وقبيلتها،ثم من بعد قبائلها.ففيها القضاء،وفيها السلاح الذ يحمي أمنها وكان للنسب والأصل والجذور،صحفه وإعلامه،بلغة اليوم،فكان له أمثاله الشعبية،وشعره الشعبي،والشعر الموزون،وكان
للمفاخرة بالنسب ديوانه،وفي هذا الديوان،تتعرف،على تاريخ القبيلة،وكرها ،وفرها،وغزوها،وما قدمت من بطولات.
وقد أتى الأدب،بكل أصنافه وأنواعه،على هذه الاحداث،وسجلها،وحفظها في صفحاته المكتوبة،والشفاهية المتداولة.
وإذا عدت إلى هذا الديوان،التاريخ بصفحاته،وجدت العروبة المشترك بين كل ماكتب ودون في هذا الديوان،وماتناقلته الأجيال،الجيل وراء جيل،ولا تستثني أي مستوى من مستويات البنى الاجتماعية،من هذه الخصيصة الثقافية،حتى هذه اللحظة،وإن بقيت حاضرة في الحياة البدوية الراهنة.
العروبة عندما نقرأها في تاريخها،وفي ثقافتها،نستدل عليها بأنها كانت هوياتنا ،وكانت شخصيتنا الاجتماعيّة والثقافية،
وكانت دالة على قدمها هوية عربية لكل العرب. والقراءة بهذه العين المنهجية،ترشدنا إلى قدم العروبة
هوية،وولاء،وانتماء،وتقول لنا إذا أردتم معرفتي معرفة تاريخية فعليكم العودة إلى التراث العربي الشعبي، وعليكم إحضار
الشعر في ديوانه الشعبي/العامي،وفي قصائده ومعلقاته تجدون العروبة حاضرة في عصور موغلة في قدمها،وتحول دون وقوعنا في خطيئة المقارنة،المصادرة على حساب المركزية الأوربية ،تاريخاً، وثقافة،وفكراً.
غداة طوفان سد مأرب،ومن قبل وبعد بقرون اجتاحت القبائل العربيةبلاد الشام والعراق،ومصر والمغرب العربي،وتمركزت في
فيافيه وبلدانه،وهناك قصائد دونت هذه الهجرات بدافع الولاء والاعتزاز،والتغني والتباهي،بالأصول والأنتساب،والمفاخرة بالعروبة هوية وتعريفًابمن هاجروا وطافوا قبائل عربية، مربوطة بأصولها وتاريخها،فكم من قصيدة حكت عن رحيل الغساسنة،على سبيل المثال،وكم من قصيدة روت لنا من عصور موغلة في قدمها،عن قبيلة مرت بفلسطين ودمشق وحماه،وعن أجداد من العرب العمالقة،سكنوا في صيدا لاتحضرني المراجع لأوثق ماقلته،وإنما بدعوتي القول الصحيح والسليم والموضوعي للكتابة عن العروبة،أن نقرأها في تراثنا الشعبي،أو الفلكلور العربي،في محلياته وأبعاده الجهوية والوطنية والعربية،ومن هذا المنطلق نقرأ عروبتنا على أنها قوميتنا،غداة مولد مفهوم”القومية”،ونقرأها على أنها هويتنا،
وهي المواطنة والوطنية،لأن الوطنية عربية،وهي نشيدنا الوطني والعربي الإسلامي،وهي آمالنا وآلامنا ومهامنا التاريخية،وهي مستقبلنا،وإذا أخذناها قراءةبهذه العين،نعرف أن “العروبة حبٌ قبل كل شيىء”،وما للحب من دور وؤظيفة بنائية،في التماسك والتضامن،وقوة العصبية الوطنية العربية،وثقافة الحب الغائبة من حياتنا العربية،بفعل تخلفنا،وتبعيتنا للمركزية الأوربية،ودور الأنظمة العربية في غياب ثقافة المحبة المجتمعية.وفي نزعتنا الانقسامية التفكيكية،وفي المبالغة بأنانيّتنا،وباعها الطويل في تشرذمنا وانقسامنا،وتفريخها لمفردات الانقسام،ومصاحباته من ثقافة الكراهية،والمولدة لعصبيات التفرقة،والكر والفر ومع ذلك تبقى صلة الوصل بيننا،والقاسم المشترك بين الأجيال العربية،أليست النداء التاريخي في جوانيتنا
د-عزالدين حسن الدياب-