ثقافة وفنون

العُرس الفلسطيني من الخُطبة حتى الزّفاف

العُرس الفلسطيني من الخُطبة حتى الزّفاف

سهيل كيوان

لحفل الزّفاف تقاليده لدى كل الشّعوب، فهو حدث مفصلي في حياة الرجل والمرأة، وقد شغل العُرس الفلسطيني الكثير من الأعمال الأدبية والفنّية للكتاب والشّعراء والرّسامين الفلسطينيين.
يمتاز التراث الشَّعبي الفلسطيني بغناه بالأهازيج الخاصّة، التي تبدأ منذ لحظة التشاور ثم خطبة الشّاب للفتاة، وطلب يدها من ذويها حتى انتقالهما إلى عشِّ الزّوجية.
طلَبُ يد الفتاة يرافقه استعراض لميزات العريس وأسرته، كذلك فهو يرفع من شأن والد وأسرة العروس، وسبب اختيارهم لها.
يتفاخر ذوو العريس بقوّتهم وغناهم وقدراتهم، وبرجالهم وسِلاحهم.
طلّينا من فوق علالي
أمارة والصِّيت عالي
ويش تُطلُب يا بو فلان
ألفين مسلّح شَباري
طلّينا من فوق عقود
أمارة والصّيت موجود
ويش تطلب يا بيّ فلان
ألفين مسلّح بالبارود
عندما يزوّج الرّجل والمرأة آخر أبنائهما وبناتهما، يعتبران أنّهما أدّيا رسالة أساسية في الحياة، «الحمد لله زوجنا كلّ الأولاد، تفرحوا من أولادكم».
وإذا لم يكن قد زوّج أبناءَه بعد، سيذكّره الناسُ بذلك من خلال المجاملات «تِفرح من أولادك» تِفرحي من «حبيبتك»، تِفرح من عزبانك. متى سنفرح من فلان؟
حفل الزّفاف فرصة للصلح بين متخاصمين، يتدّخل أصدقاء أو أقرباء ومعارف قبل الزفاف كي يتيحوا للجميع المشاركة، فهذه تعتبر لحظة مفصلية في العلاقة بين الناس، الفرح أو التّرح.
لكل مرحلة طقوس لها أهازيجها، منها ما هو مشترك بين جميع المناطق في فلسطين، ومنها ما تجده في منطقة أو بلد ما، ولا تجده في بلدة أخرى.
يصرُّ الفلسطينيون على الفرح وحفل الزفّاف حتى إذا توفي شابٌ لم يقترن بعد، أقمن له في مأتمه زفّة كأنّه عريس، وإذا كان خاطباً أحضروا للمتوفى حلة العريس على طبق عليه الورود والعطر وأقمن له في مأتمه طقس زفاف، مع كثير من الدّموع والألم.
هنالك أهازيج لطلب يد الفتاة، وأخرى للخطبة، وأخرى لطقوس يوم الزفاف، وهذا يشمل الموكب الذي يحضر العروس من بيت ذويها، هنالك طقوس للعروس وأخرى للعريس.
الحنّاء للعروسين، والحليقة والحمّام، وهو طقس، يقوم فيه الحلاق بعمله ومن حوله النسوة يهزجن بالأهازيج الخاصة بهذا الطقس.
نازل على الحمّام
الأمير ابن الأمير
يا بَدِلته بيضا
يا زرارها حرير
نازل ع الحمّام الأمير ابن العرب
يا بدلته بيضا
زْرارها من ذهب
إلخ.
للحلاق نصيبٌ من الأهازيج
أشهرها أهزوجة: بالهنا يا ام الهنا يا هنيّة
والتوَت عيني على الشّلبية. إلخ.
واحلق يا حلاق
التي مطلعها:
احلق يا حلاق واتمهّل عليه
احلق للعريس واصحابه حواليه
ثم يجري وصف الموسى والصّابون ويدِ الحلاق الماهر، والتنبيه من جرح وجه العريس، ودعوات للأصدقاء والأقرباء للمشاركة.
يرافق هذا أهازيج خاصة لوالدة العريس.
وخروج العريس من الحمام:
طلع الزين من الحمّام
والشباب تُضرب سلام.
طلع الزين من لِعْقود
والشّباب تضرُب بارود
إلخ.
وتحية لوالده الذي يأتي ليبارك له، وقد ارتدى حلّة الزّفاف.
تبدأ الزّفة بعد الحمّام، ويمتطي العريس الفرس، ولهذا توجد أهازيج للمهرة.
عدّدوا المُهرة وشدّوا عليها
تا ييجي محمد ويركب عليها.
إلخ.
بالزّفة يا عريس وامشي على مهلك
شباب بترقص لك، جيرانك مع أهلك
إلخ.
طاحت الخيل تلعب في ميدان العريس
يا صلاتك يا محمد يا خزاتك يا ابليس
إلخ.
كذلك لدعوة الجيران إلى الزّفة أهازيجها.
زفّة العرسان بدها شطارة
عَزَم على الجيران وعلى أهل الحارة
إلخ.
وهناك أهزوجة للعِطر
رُشّوا ع العريس عُطُر من الابريق
يا زفّة العريس بعد العصر بِتليق
إلخ.
وللورد الذي في يده أهزوجة:
طالع من الحمّام بإيده ضمّة وْرود
نادوا ورا بيّو يقوّس له بالبارود
طالع من الحمام بإيده ضُمّة ياسمين
نادوا ورا بيّو يقوّس له بالمَرتين
إلخ.
وهنالك أهازيج للشَّراب الذي يقدّم للضيوف والمحتفين.
شرابا يا رُمّان شرابا يا رمان
مشروبُه للعرسان مشروبُه للعرسان.
ثم تُذكر مُعظم فاكهة فِلسطين.
وللإبريق الذي تقدم فيه الضيافة أهزوجة.
ملّي لي الابريق ملّي لي الابريق
بَعطش ع الطّريق بعطش ع الطّريق.
ومن عادات الزّفاف الشعبي أن يحمل العريس شمسيّة، فنجد أن للشَّمسية أهزوجتها.
ويُطلب من العريس الانتظار دقيقة حتى حضور الجميع:
قولوا لمحمد يستنى دقايق
طلع يا فلان يعزم الرفايق
قولوا لمحمد يستنى دقيقة
طلع يا فلان يعزم عالموسيقى
وطبعاً لا ننسى الصلاة على النّبي، والتحذير من عين الحسود.
من جهة أخرى، هنالك طقوس العروس مثل الحناء وغيرها حتى طلعتها من بيت ذويها.
الليلة حِنا العرايس يا سلام سلّم
واخضرّ عُشب الجناين يا محمد قلِّمْ
الليلة حِنا العرايس يا لطيف الطفْ
وفتّح ورْد الجناين يا محمد اقطفْ
المصمودة بنت أمير العرب
صيت أبوها من الشام لحلب
يشمل هذا تحيّات للعروس ولمن أنجباها ولخؤولتها وعمومتها.
خروج العروس من بيت ذويها، ترافقه الدّموع والأهازيج كذلك:
سجّل يا قاضي سجّل
واطلَعوني مْن الحارَة
وأمّي في البيت تعيّط
وأختي تْقول يا خسارة
***
لما جابوا السَّيارة
لبّسوني عباتي
صرت اغني وصرت أقول/ بخاطركن يا عماتي.
إلخ. يشمل الوداع جميع أفراد الأسرة والأقرباء والجيران والأتراب.
تُمنح العروس الخيار.. هل تريد أن تنتقل على الفرس أم في سيارة؟
بدّك مُهرة ولا تكسي يا روحي
بدّي تَكسي ورجالي على الصّفين
بدّك مُهْرة ولا تكسي يا عِزّي
بدّي مُهرة ورجالها من غزّة
ثم تدور على مختلف مُدن فلسطين وبلاد الشام.
ولا تنسى النسوة وصف حقائب العروس التي ترافق موكب خروجها من بيت ذويها.
حطوا شنتاتي ع بوز التَّكسي
حطّوا شنتاتي
واكثر سلامي لإمي وخواتي.
حطوا شنتاتي.
**
يجري إحضار العروس بموكب من السّيارات المزيّنة، يسمونه «الفاردة».

دوس ما انت دايس يا شوفير
وحواليك عرايس يا لالا
شِدّ لا ترخينا يا شوفير
ع البلد ودينا يا لالا
وادعس ولا يهمك يا شوفير
واحنا بنات عمك يا لالا
حتى سنوات الخمسينيات من القرن الماضي كان ذوو العروس من بلدة أخرى لا يسلّمون العروس إلا بعد أن يرفع واحدٌ من طرف العريس «الشّرعة»، والشّرعة هو حجر كبير وزنه عشرات الكيلوغرامات، على أحد مرافقي أهل العريس أنْ يرفعه فوق رأسه علامة للقوة، ودليل على أنّهم يسلّمون ابنتهم إلى رجال أقوياء. وكان في كلّ قرية واحد أو أكثر، يرافق موكب العريس لهذه المَهمّة، وبعض كبار السِّن يتفاخر بقوّته أيام شبابه «أنا كنت أرفع الشَّرعة في الأعراس».
عند وصولهم بيت والد العروس، تهزج النسوة
واحنا مشينا من بلد لبلد
ت اوصلنا بنتِ شيخِ البلد
واحنا مشينا من وادي لوادي
ت وصلنا بنات الأجواد
هذه الأهازيج اقتبستها من كتاب «باقات غنائية تراثية من عبق نساء باقة الغربية»، إعداد المكتبة العامة في باقة الغربية، صادر عن دار الهدى للطباعة والنشر كريم.
يقع الكتاب في حوالي 440 صفحة من الحجم الكبير، ويحوي مئات الأهازيج والزغاريد المقسّمة إلى أحد عشر فصلاً، تبدأ من لحظة التّشاور والخُطبة حتى النّهاية السعيدة، دون أن تهمل أي تفصيل.
في هذه الأيام العصيبة الثقيلة التي يمرُّ بها شعبنا، التي تغلب عليها رائحة الموت حتى الإبادة، نؤكّد حب شعبنا للحياة واحتفاءه بها وبتفاصيلها، إذا ما استطاع إليها سبيلاً، وبلا شك أنّه قادر ويستطيع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب