هل ينجح سلاح الجو الإسرائيلي في لبنان كنجاحه في غزة؟

هل ينجح سلاح الجو الإسرائيلي في لبنان كنجاحه في غزة؟
الطائرة المروحية من نوع “بلاك هوك” التي تحطمت في رفح أول أمس بعد منتصف الليل، هي الثانية المأهولة التي يفقدها سلاح الجو منذ بداية الحرب. في 7 تشرين الأول أصيبت مروحية من نوع “يسعور” بصاروخ مضاد للدبابات وهي على الأرض، بعد بضع دقائق على نزول قوة المظليين منها، التي جاءت للإنقاذ في “كيبوتس عالوميم” في غلاف غزة.
في الحالة السابقة، لم تكن إصابات بفضل جرأة طاقم المروحية. النار بالفعل اشتعلت بطائرة “يسعور” القديمة واحترقت بالكامل في غضون دقائق. ولكن جميع الجنود تم إنقاذهم.
الظروف في هذه المرة كانت أصعب. فالمروحية استدعيت إلى جنوب القطاع لإنقاذ جندي من لواء “جفعاتي”، الذي أصيب إصابة بالغة بنار قناص. عندما كانت المروحية في مرحلة الهبوط حدث خلل لم تتبين أسبابه حتى الآن نهائياً. الطائرة تحطمت، قتل اثنان من الجنود الذين كانوا فيها وأصيب ستة آخرون، القتلى وبعض المصابين هم من وحدة الإنقاذ 669. قائدة المروحية ونائب الطيار أصيبا إصابة بالغة. أنقذت القائدة من بين بقايا الطائرة بعد جهد كبير لقوات “جفعاتي” في الميدان. وأيضاً تم إنقاذ جندي من “جفعاتي” الذي من أجله تم استدعاء الطائرة. يقوم سلاح الجو بفحص توجهين أساسيين للتحقيق، خلل فني أو خطأ إنساني. تم استبعاد إمكانية إصابتها بنار العدو في هذه الأثناء.
منذ بداية الحرب، تم إنقاذ حوالي 1800 جندي مصاب من القطاع جواً بنجاح. هذه هي المرة الأولى التي يتشوش فيها الإنقاذ من ميدان المعركة بشكل صعب جداً منذ بداية الحرب. ومثلما نشر هنا من قبل، فإن العلاج الذي يحصل عليه الجنود هو نقطة ضوء في هذه الحرب. سلاح الطب وسلاح الجو بلورا طريقة عمل متقدمة، تسمح للجيش الإسرائيلي باستغلال “الساعة الذهبية” بشكل جيد وجلب المصابين إلى المستشفى خلال ساعة، وبذلك زيادة فرصة إنقاذ حياتهم. الإخلاء السريع مرهون بالمخاطرة، حيث تصل الطائرة في حالات كثيرة إلى مدرج ارتجالي في أراضي القطاع. وبروتوكول العملية يقضي غالباً بإبقاء الطائرة على الأرض أقل من دقيقة، ليقلل المخاطرة بإصابتها بنار الفلسطينيين.
سلاح الجو الذي تعرض للانتقاد في فترة احتجاج جنود الاحتياط ضد الانقلاب، يبذل جهوداً كبيرة لضمان إنقاذ الأرواح. في هذه المرة، كان الثمن باهظاً. بشكل تقليدي، إسقاط طائرة له تأثير كبير على معنويات الإسرائيليين، رغم الخسارة الكبيرة نسبياً التي سجلت في القتال في أحداث مختلفة. إذا تطورت حرب شاملة في لبنان، فستجد القوات الجوية صعوبة في تحقيق توازن مشابه في عمليات الإنقاذ من خط المواجهة، تحت نيران حزب الله. إن تهديد مضادات الطائرات ومضادات للدروع على الطائرات من قبل حزب الله أكبر بكثير من تهديد حماس الحالي في قطاع غزة.
سقوط المروحية يثير الرابط بين فيلم (وكتاب) “بلاك هوك داون”، الذي يوثق قضية حقيقية كانت في منتصف التسعينيات. قوة أمريكية كانت تعمل في مقديشو، عاصمة الصومال، واجهت نار مقاتلي تنظيم محلي من الأرض، وتم إسقاط مروحية. جهود الإنقاذ تعقدت وشملت قتالاً كان فيه عدد كبير من الإصابات لساعات كثيرة، في منطقة مأهولة ومكتظة وخطيرة جداً. المقارنة بين الحادثين مغرية، لكن الحقيقة أنه لا تشابه كبيراً. على الأغلب، سيطرة الجيش الإسرائيلي على مناطق صغيرة في القطاع أفضل، وقوة المقاومة العسكرية التي تظهرها حماس الآن محدودة جداً.
قال وزير الدفاع غالانت للمراسلين الأجانب هذا الأسبوع بأن حماس كمنظمة عسكرية، تم تفكيكها فعلياً على يد الجيش. هذا تقدير متفائل تقف في مركز محاولة غالانت وجهات رفيعة في الجيش الإسرائيلي إقناع نتنياهو بإنهاء المرحلة الكثيفة من القتال في القطاع، والعمل على عقد صفقة تبادل تشمل الانسحاب من أغلبية المناطق. ولكن هذا التقدير غير بعيد عن الحقيقة. غالنت طرح وثيقة تم استغلالها، أبلغ فيها قائد لواء خان يونس في حماس رافع سلامة، الذي قتل بعد ذلك، عن فقدان جزء كبير من قدرة المنظمة في قطاعه (بشكل مؤسف، تبين لاحقاً أن وزير الدفاع أظهر أمام العدسات جزءاً مختلفاً من الوثيقة الذي يناقش شروط المفاوضات. هذا تفكير مشوش. ولكن أليس من الجدير وجود شخص يعرف اللغة العربية بجانب الوزير؟).
الخطر المقلق دائماً هو نجاح حماس في تجديد جزء من قدراتها العسكرية والعودة لزيادة الاحتكاك مع الجيش الإسرائيلي، والتسبب بمزيد من الخسائر. في الوقت نفسه، يتبلور في أجزاء من القطاع وضع يشبه الصومال: حكم مركزي ضعيف جداً، ازدياد العصابات التي يحارب بعضها بعضاً حول امتلاك وبيع المساعدات الإنسانية، عنف داخلي متزايد وحالات نهب كثيرة. كلما ضعف حكم حماس المركزي (الهدف الشرعي الذي وضعته إسرائيل لنفسها في الحرب) ازدادت المخاطرة بسيطرة الفوضى في القطاع التي قد تجذب إليها إسرائيل لفترة طويلة. قد يحدث هذا في ظل غياب خطة بديلة لتأسيس نظام فلسطيني بديل في القطاع، يمكن معه إجراء درجة من التنسيق الأمني والسياسي. احتمالية حدوث هذا السيناريو الإيجابي ضعيفة، بل إن إسرائيل لا تحاول ذلك.
الاستماع إلى تصريحات نتنياهو الأخيرة يدل على أنه لا يعمل على الحسم، بل إطالة الوقت. محرر “هآرتس” ألوف بن، كتب أن رئيس الحكومة يستعد للمرحلة القادمة في الحرب: ضم شمال القطاع وطرد السكان من هناك واستئناف الاستيطان. كل هذه جرائم حرب من منظار القانون الدولي، حتى لو لم تتحقق الإجراءات التي يتم فحصها الآن ضد نتنياهو وآخرين في لاهاي، فإن خطوات كهذه ستأخذه حتماً إلى هناك.
من الجدير عدم تجاهل وزن القوى المضادة، بما في ذلك رفض محتمل داخل الجيش الذي قد يشوش هذه العملية. وإذا ما فازت إدارة ديمقراطية في الولايات المتحدة، كمالا هاريس، في انتخابات تشرين الثاني ربما توقف نوايا رئيس الحكومة. نتنياهو، الذي هو في مرحلة متأخرة من حياته السياسية، يريد في المقام الأول التمسك بالحكم والتملص من عقوبة الاعتقال. ربما يسعى إلى الأهداف التي أشار إليها محرر “هآرتس”؛ ولكن الوصول إليها أمر مشكوك فيه. في المكان الذي يرى فيه ألوف شخصاً مصمماً ولديه خطة رئيسية، فإني أشك في أننا ننظر إلى زعيم ضعيف وخائف، ويجري نضالاً بدون كوابح من أجل الحفاظ على قوته السياسية. صعوبة المعارضة مختلفة: كيف يمكن ترجمة الطاقة الغاضبة التي ثارت في الشوارع في الفترة الأخيرة إزاء قتل المخطوفين الستة في رفح، إلى عملية سياسية ناجعة؟ في هذه الأثناء، ثمة انطباع بأنه لا يوجد لدى أي من رؤساء الأحزاب أي فكرة.
إحباط وجمود
أزمة التسليح مع الولايات المتحدة ما زالت بعيدة عن الحل. قرب حدوث اختراقة تبين أنه أمل سابق لأوانه. في أيار الماضي، أوقف الرئيس بايدن إرسالية سلاح لإسرائيل شملت قنابل دقيقة، بعضها ثقيل الوزن، لسلاح الجو. كان هذا على خلفية معارضة الإدارة الأمريكية لدخول الجيش إلى رفح. صمم نتنياهو، وقام الجيش الإسرائيلي باحتلال محور فيلادلفيا ومعظم المناطق في المدينة. بأثر رجعي، فإن عدد المدنيين الذين قتلوا كان أقل بكثير مما توقع الأمريكيون.
منذ ذلك الحين، قام بايدن بالتليين لكل قنبلة. الأمريكيون يرسلون إشارات بأنه مطلوب تقديم بادرة حسن نية من قبل إسرائيل علناً لتحرير الخنق. هذا الخنق المروري أكبر مما يعتقدون، لأن العملية العلنية للرئيس أدت إلى تعويق المصادقة على صفقات أخرى ما زالت عالقة في الأنبوب، ومرهونة بمستوى الجهد والالتزام الذي سيظهره الموظفون في البنتاغون ووزارة الخارجية.
أثناء زيارته لواشنطن، ظهر شعور بقلق متزايد حول ما يتعلق بالأزمات في الشرق الأوسط. ثمة جمود مطلق في المحادثات حول صفقة التبادل، وفهم بأن نتنياهو يعرقل كل تقدم، حتى الانتخابات الرئاسية الأمريكية. بشكل مفاجئ للمشاركين الإسرائيليين في الحوار، فإن جهات رفيعة في الإدارة الأمريكية لا ترى أن بيدها أداة ضغط ناجعة.
المناظرة بين هاريس وترامب انتهت حسب معظم المحللين بفوز هاريس، على الأقل بالنقاط. القرار البارد والوحشي لكبار الحزب الديمقراطي التخلي عن بايدن العجوز بعد فشله في المناظرة الأولى، يبدو أنه عملية حكيمة تركت احتمالية للفوز في تشرين الثاني. الفجوة في العمر، نحو عقدين لصالح هاريس، كانت واضحة في المواجهة، حيث ظهر ترامب وكأنه عم غير متوازن يصرخ في أذن المقربين منه حول مائدة العيد أثناء تناول وجبة عائلية. هذا لا يعني أنه لن يفوز في تشرين الثاني. إذا كان هناك أمر واحد كان يجب أن نتعلمه منذ فترة طويلة، فهو أنه لا ينبغي التقليل من شأن الرئيس السابق والحب اللامحدود الذي يثيره في نصف الناخبين الأمريكيين تقريباً.
في المقطع القصير في المناظرة الذي خصص لإسرائيل، كرر ترامب الادعاء بأن إسرائيل ستختفي بعد سنتين تحت رئاسة هاريس. أي أنه عزز صورة إسرائيل كدولة ضعيفة تحت الرعاية، وتعتمد بالكامل على الولايات المتحدة. هاريس حفظت وسمعت صفحة الرسائل الحزبية بخصوص إسرائيل، لكنها كالعادة كان ينقصها الدفء البايدني الذي يظهر مع كل تصريح للرئيس الحالي.
عاموس هرئيل
هآرتس 13/9/2024