بيروت تودع “عاشق فلسطين” إلياس خوري بعدما أغلق «باب الشمس»
بيروت تودع “عاشق فلسطين” إلياس خوري بعدما أغلق «باب الشمس»
سعد الياس
بيروت ـ من بقاع الأرض في كل لبنان ومن المخيمات الفلسطينية، أتى الرفاق والكتّاب والصحافيون لوداع الروائي اللبناني وأحد كتّاب أعمدة جريدة «القدس العربي» الياس خوري الذي أغلق «باب الشمس» ورحل بعد «عام من الألم» في زمن لبناني صعب دون أن يكمل باقي روايته حول فلسطين وما تعيشه من معاناة منذ نزوح الفلسطينيين عام 1948 ومن نكبة مستمرة في غزة، ودون أن يحقق حلمه بزيارة القدس «زهرة المدائن» والقيام بجولة في شوارعها العتيقة رغم العواصف والهدير فيرفع الصوت هو الذي كان نصيراً دائماً للقضية الفلسطينية «بلكي بيوعى الضمير» كما غنّت السيدة فيروز.
وقد أقيمت الصلاة لراحة نفسه في كنيسة سيدة الدخول للروم الأورثوذكس في الاشرفية برئاسة متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الاورثوذكس المطران الياس عودة ولفيف من الكهنة، بحضور عائلة الفقيد زوجته نجلا جريصاتي وابنته عبلة وإبنه طلال وشقيقه وشقيقاته وحشد من النواب والفنانين والإعلاميين والشخصيات السياسية اللبنانية والفلسطينية وممثل عن أسرة «القدس العربي» ورئيسة تحريرها سناء العالول.
عودة: مدافع شرس عن الحرية
وألقى المطران عودة عظة تحدث فيها عن مآثر الفقيد واستهلها بالقول «لا يَخافُ المَوْتَ سِوى مَنْ يَسْلُكُ في رَخاوَةِ السِيرَة. مَصْـلـوبِيَّـةُ الـحَيـاةِ فـي المَسـيـحِ كـافِيَـةٌ لِتُعْتِقَنا مِنْ مَخافَةِ المَوْت، فلا تَـخَفْ مِـنَ المَوْتِ بَلْ مِنَ الخَطيئَة». وتطرّق إلى مآثر الفقيد خوري قائلاً «حَبيبُنا الراقِدُ الياس، الذي نُوَدّعُهُ الآنَ جَـسَـدِيًّا، قـالَ: «مـا يَسْتَـحِـقُّ أَنْ نَموتَ مِنْ أَجْلِهِ هُوَ ما نُريدُ أَنْ نَعيشَهُ». هَذا القَوْلُ يَنْطَبِقُ على كُلِّ شَيْءٍ فـي الـحَيـاةِ الأَرْضِيَّـة. فإِذا مـا طُبِّقَ على الحَياةِ الرُّوحِيَّةِ فَإِنَّهُ يُوصِلُ إلى المَلَكوتِ السَّماوِي. الشـهَداءُ في المَسيحِيَّةِ ماتوا مِنْ أَجْلِ إيمانِهِم بِالله، فَعاشوا في اللهِ عِنْدَما انتَقَلوا مِنَ الأَرضِ، وأَصبَحوا قِدِيسين. كَذَلِكَ شُهَدَاءُ الوَطَنِ الحَقيقيُّونَ، الذين آمَنوا بِوَطَنِهِم، وماتوا مِنْ أَجْلِ أَنْ يَحيا هُوَ لا غَيْرُه، تُزْهِرُ دِماؤُهُم انتِصارًا وحُرّيةً ووَعيًا وثَقافَةً لِمُواطِنيهِم. يَقولُ الياس: «لَوْلا الشُّهَداءُ لَمْ نَكُنْ نَحْنُ هُنا، لَوْلا الشهَداءُ لَمَا اسْتَطَعْـتُمُ النَّوْمَ في مَنازِلِكُم…لَوْلا الـشـهَداءُ لَأَخْرَجُونـا مِنْ دِينِنـا وإِيـمـانِنـا».
الياس خوري قـاصٌ، رِوائِي، كاتِبٌ مَـسْـرَحـي، مُثَقـفٌ، مُفَكِّرٌ، مُنـاضِـلٌ، مُلتَزِمٌ قَـضـايـا الإنـسـان، لـكـنه قَـبْـلَ كُـل شَـيْءٍ مُؤمِـنٌ. كانَ مُحِبّاً لِلْمَسيح. والمَسيحُ حاضِرٌ في حَياتِه وتَأمُّلاتِه وكِتاباتِه، بِصورةٍ ظاهِرةٍ غالِبـاً، ومُضْـمَرَةٍ أحيانـاً».
وتابع «في مَقالٍ لهُ عَنِ المُعاناةِ في المَرَضِ والألَمِ كَتَبَ: «لن أَعودَ بِكُم إلى آلامِ المسيح». وكـأنّه عادَ إليـها فـي قَلْـبِـه! وكَثيراً مـا عَبَّرَ عَنْ ذُهولِـهِ أمامَ استِطاعَةِ الـمسيحِ «الشَفّافِ» أنْ يَعيشَ في عالَمِ الخِياناتِ والخَيْبات. كان المسيحُ غَريباً فاحْتَضَنَ الغُرَباء. كذلك كانَ الراهِـبُ المَسيحيُّ في رِوايَتِه «مَمْلَكَةُ الغُرَباء».
مُنذُ أشْهُـرٍ كَـتَـبَ: «المَسيحِيون تَغَـيَّـروا في الكَثيرِ مِنَ الأماكِن، أما يسوعُ الناصِري فَكانَ ولا يَزالُ شَمْسَ العَدْلِ، كما يُـسَمّونَه في صَلَواتِ الـميلادِ في الكنيسةِ الشَرْقيّة. أزالَ قَسْوَةَ العَدالَةِ بالمَحَبَّةِ والغُفْران». كَـمـا كَتَبَ: «المسـيحُ هو جُرْحُنا، وهو جُرْحُ اللهِ في اللاهوتِ المَسيـحـي». شُغِـفَ بـالـطُقوسِ الأرثـوذكـسـيـة، بِخِدَمِ أسبوعِ الآلامِ والهَجْمَةِ وعيدِ مـار الـيـاس، وواظبَ عـلى الـمُـشـاركَـةِ فـيـهـا. أمَّا غُرفَتُه فـكانتْ مليئَةً بـالأيـقـونـات. أحبَّ بيروتَ حُبّاً كبيراً وقالَ عندَ انفجارِ 4 آب/أغسطس: «كلُّ زُجاجِ بيروت سَقَطَ في عَـيْنَي/ بيروتُ لَسْتِ بقايا/ تُعيدينا إلى الأول/ وفي الأولِ تَتَعَمدينَ بِدَمِ الضَحايا». هـذا الإِنسانُ نَشَرَ كَلِمَتَهُ كَالقَمْحِ، فَـأَزْهَرَتْ فـي كُل الـعـالَـمِ بِـلُـغاتٍ مُـخْتَلِفَة، وأَثْمَرَتْ فـي فِكْرِ كُلِّ مَنْ تَلَقَّاهـا، وقَلْبِـه».
وقال «وعـى الـيـاس أَن اللهَ قد خَـلَـقَ الإِنْسـانَ عـلى صـورَتِهِ ومِـثـالِهِ. حُرًّا خَلَقَهُ. هَذا يَـعْنـي أَنَّ الـحُـريةَ عَطِيَّةٌ إِلَـهِية، فإذا بِـهِ مُدافِعٌ شَرِسٌ عَـنـهـا وعَـنِ الدِّيمُـقراطِيةِ، وكُل قَـضِيةٍ عـادِلَةٍ ومُـحِقَّةٍ. لِـذلـك أحَبَّ فِلَسطينَ حُبّاً كبيراً لَمْ يُفارِقْه طِوالَ حَيـاتِه. كـانتْ قَضِيـتُها في قَلْبِ كتابَتِه، ولم تَغِـبْ عنها يَوْماً، فـي ظِـل النَكْبَةِ المُسْتَمِرة. لـيستْ فِلَسْطينُ عِـنْدَه أرضاً أو تاريخاً ضائِعاً وَحَسْب، بل هِـيَ قَـضِيةٌ إنسانِيةٌ كُبْرى. وهِـيَ لَكَذلك. ولأَنَّـهُ آمَنَ بِـالكَلِمَـةِ، بِاْبنِ اللهِ الكَـلِمَـة، لَمْ يَفْـقُـدْ يَوْمًا أَمَلَـهُ ورَجـاءَهُ بِـأَنَّ الكَـلِمَـةَ سَتَفْـعَـلُ فِعْلَـها ولَـوْ بَـعْدَ حـيـن. الكَلِمَةُ لا تَـمـوتُ، وإِنْ طُـمِسَتْ أو بَدَتْ كَـأَنَّهـا مـاتَتْ، لا بُدَّ أَنْ تَقومَ مُجَدَّدًا، لأَنَّ «الـمَـوْتَ لَيْـسَ سَبَبًـا كافِيًـا لِلـنِّـسـيـان» حَسَبَ تَـعْـبيرِ عَـزيزِنا الـياس».
وختم «تَنْطَلِقُ غالبِيـةُ رواياتِـه مِنْ مَوْتٍ ما لِتَحْكي قِـصةَ الحَياةِ وأحْلامَ الناسِ البُسَطاءِ وآلامَهُم. لَمْ يَكُنْ الـيـاس يَقْـبَلُ فِـكْرَةَ الظُّلْـمِ والإسـتِبـداد، لِـهَذا كـانَ دَائِـمَ اللُّـقـيـا بِـالـنَّـاس، والـشَّـبـابِ مِـنْـهـم بِخاصَةٍ، لِـيُسـاعِـدَهُـم عـلى التَّـحَرُّرِ مِـنْ التَّبَعِـيَّةِ ومِـنْ ظُـلْمِ الـمُـسـتَـعْـبِديـنَ. لَـمْ يَرَ فـي الـمَـوْتِ ظُلْـمًـا، بَـلْ بَـلاغَـةً، إِذْ قـالَ: «رُبَّـمـا كـانَـتْ بَـلاغَـةُ الـمَوْتِ الكُبْرى أَنَّ أَبْـطـالَـهُ لا يَـسْـتَـطـيـعُـونَ رِوايَتَهُ». هَذا مـا تَـعْـنيـهِ الـكَـنـيـسَةُ عِنْـدَما تُرَتِّلُ: «فَلْـيَكُنْ ذِكْرُهُـم مُؤَبَّدًا» لأَنَّ الرَّاقِدَ يُغـادِرُنـا جَـسَـدِيًّـا ولا نَـعودُ نَـعْرِفُ عَنْـهُ شَـيْئًـا إلـى حـيـنِ اللُقيا مُـجَدَّدًا فـي الـحَـيـاةِ الـثَّـانِـيَـة، لَـكِنَّنـا نَـسـتَـطيـعُ تَـخْلـيدَ الرَّاقِـدِ عَـبْرَ نَشْـرِ الـمَـبـادِئِ الَّـتـي أَرْسـاهـا فـي حَـيـاتِـهِ ودافَـعَ عَنْـهـا مُنـاضِـلا حَتَّـى الرَّمَقِ الأَخـيـر.
كَيْفَ يَكـونُ ذِكْرُ حَـبـيـبِـنـا الـيـاس مُـؤَبَّدًا؟ عِنْدَمـا نَـعيـشُ الـمَـحَـبَّـةَ الَّـتـي جَـعَلَ لَـهـا مَكـانًـا رَحْـبًـا فـي كِـتـابـاتِـهِ، وعِنْدَمـا نَـسـتَـمِـرُّ فـي نِـضـالِـنـا مِـنْ أَجْلِ الـحُـرِّيَّـةِ والـدِّيـمُقراطِيَّـةِ والـعَدالَـةِ وكَـرامَـةِ الإنسان، وعِنْدَمـا نَثِـقُ بِـأَنَّ الكَلِـمَـةَ الـحَقَّةَ لا تَـعودُ فـارِغَـةً، بَلْ تُؤَثِّرُ وتُثْمِرُ إلـى مِـئَـةِ ضِـعْفٍ».
العويط: حِبر الملحق
من جهته، ألقى الكاتب عقل العويط كلمة في ختام الصلاة، توجّه فيها إلى الراحل بالقول «بيلبلقك تعيش يا الياس، وبلبقلك تكتب وبيلبقلك تخبّر. وتحكي. انت بتعرف منيح كيف تحكي، يا الياس. وكيف تروي. وكمان كيف تشرب الكاس. وفنجان القهوة. وتقعد مع الصحبة الطيبة. واللقمة الطيبة. وتروح بالاشياء لـ آخر الاشياء. وعن جدّ. وفجأةً، يا الياس، بتصير كأنك قاعد بالخريطة. بالمكان الواسع. بالأمكنة. والأزمنة. بمطارح بتشبه المتاهة. وبتصير تعبث. وتزعبر. وتسخر. وتتمسخر. وتتخيّل. وتفبرك. وتختلق. وتخترع. وبتصير تخلط الاشياء ببعضها. وتربطها. هيدي هيي الرواية. وهيدا هو الروائي، يا الياس. وهيدا انت، يا الياس».
وأضاف «شو صعبة ها الشغلة. وشو حلوة وممتعة، وفيها لذّة. وقت بيقدر الكاتب يكون عم يزرع قمح الواقع بأرض المتخيّل، ويكون شخصيّاتو، وبالوقت نفسه بيضحك علينا، ويقول أنا ما خصّني، وقاعد ع جنب، وإنّو أبطالي بيتصرّفوا ع ذوقهن، وتاركهم يلعبوا بالحياة والمصائر. لها الحدّ بيقدر الروائي يمزج الراوي بالكاتب، والماضي بالحاضر، والحقيقة بالمنام وباختراع الحقيقة. وتكون، يا الياس، عم تتفلسف ع الدني. وتتمرقع. وبالوقت نفسه تكون قابضها عن جد. كيف بدي صدّق إنو الرواية مش سيرة ذاتية وسيرة مجتمعية بنفس الوقت، وإنّو الكاتب ب يتبرّأ من أبطالو؟! كيف بدّي صدّق إنّو ما خصّك بشخصياتك وأبطالك؟ يالو ويونس وخليل وآدم ومأمون وأليس ونورما وميليا وفاطمة ووداد وشمس ومنال؟ كيف بدّي صدّق؟».
وتابع «الياس، فايق، يا الياس، ع «الملحق»؟ ع الأفكار؟ ع المواضيع اللي ما حدا كان يتجرّأ يكتبها وينشرها، وكنا بليالي ما فيها ضوّ قمر، نطلّع الضوء، كأنو الفجر كان يطلع من حبر «الملحق»؟ فايق ع الثورات اللي كانت تولد بمطبخ «الملحق» وكيف كانت تكبر وتطير، وتعيش حريتها للآخر، كأنّوا خلقت لوحدها؟ وما حدا وراها؟ هيدا «الملحق». وهيدا انت، يا الياس، وهيدا نحنا. والرفاق. والأصحاب. وصحبة الحرية. وهيك بتكون الحرية. والله، بيلبقلك العيش، يا الياس كأنّو بينطرك ت تعيشو. وهيك بتكون الحكايات والقصص. وهيك انتَ بتعيشها وبتكتبها. أحلام ماشية بنهر الواقع. وأحداث حاملها نهر الخيال. وبتروح تغرق ببحر واحد. وبتصير هيي الحقيقة. وهيي الرواية».
وختم العويط»… يا ستّ نجلاء، وأنتِ يا عبلة، ويا ابن أخي طلال، وأنتَ يا يامن، حفيد أخي الياس، وسائر العائلة، والأحباب والرفاق، وجموع بيروت ولبنان وفلسطين، وهلمّ، راجيًا اعتبار هذا الرقاد تعزيةً وانتقالا. المسيح قام».
كذلك، نوّه المشاركون في وداع خوري بمسيرته الأدبية وبرواياته التي بدأها في عام 1975 بعنوان «لقاء الدائرة» ثم كتب سيناريو فيلم «الجبل الصغير» في 1977 حول احداث الحرب الاهلية في لبنان، ليستمر في اعماله فيكتب «رحلة غاندي الصغير» التي تدور حول مهاجر ريفي يعيش في بيروت خلال الحرب، لتكرّ بعدها سُبحة الاعمال وأبرزها «أولاد الغيتو» «أبواب المدينة» «الوجوه البيضاء» «رائحة الصابون» «يالو» «مجمع الأسرار» «كأنها نائمة» «النكبة المستمرة» و«سينالكول».
متري: تعلّق بفلسطين
وقد حضر إلى كنيسة السيدة النواب ميشال الدويهي، غسان حاصباني، مارك ضو، ملحم خلف وفراس حمدان، الوزير السابق زياد بارود، الرئيس السابق للجنة الحوار اللبناني الفلسطيني الوزير السابق حسن منيمنة، الوزير السابق طارق متري الذي قال ل «القدس العربي»: «كان لدى الياس خوري تعلق كبير كل حياته بفلسطين وتعلق بلبنان، وكان يعبّر عن هذا التعلق بطرق مختلفة بكتاباته أو بكتاب حياته، ولا شك أنه ترك لنا نحن أصدقاؤه أو للعرب جميعاً تراثاً غنياً من الكتابة الإبداعية والتي كانت تحضر فيها دائماً همومه الكبرى. وعندما كان يتحدث عن فلسطين كان يقول بالنسبة إلي فلسطين ليست فقط أرضاً وتاريخاً ضائعاً، بل هي فكرة انسانية، وأعتقد أن الياس بالرغم من أنه كان مسيّساً جداً كان يذهب إلى ما وراء السياسة إلى الفكرة الأخلاقية وراء التزامه. وان التزامه بفلسطين وبلبنان هو التزام اخلاقي وسواء اتفقت معه بالسياسة أم اختلفت لا يمكن إلا أن تلتقي معه بهذا الالتزام الأخلاقي الكبير».
عطالله: كان شريكي مع سمير قصير
كما حضر للتعزية رئيس حركة «اليسار الديمقراطي» الياس عطالله، ووفد مؤسسة الدراسات الفلسطينية برئاسة رامي الريّس ووفد من نقابة الممثلين برئاسة نعمة بدوي. وقال عطالله ل «القدس العربي»: «حزني وعمق حزني الآن لا يخصني أنا شخصياً فحسب بل يخص كل «اليسار الديمقراطي» لأن الياس كان شريكي بعدما كان قال لي سأبقى على الرصيف لكنه عاد وكان من مؤسسي «اليسار الديمقراطي» هو وسمير قصير». وأضاف «أعرفه منذ سنة 1969 وبدأنا كمجموعة مشاكسة، البعض معنا عاد وتعقّل لكن الياس يمكن يكون يشاكس الآن في التابوت، والحياة دونه مملة. مسكين تألم على مدى سنة دون أن يتمكن من المشاكسة، لكنه شاكس الموت. كان موهوباً منذ كان عمرة 20 سنة وكان يرى الأمور من منظار مختلف وكان صادقاً، وكنت ألومه لأن فلسطينيته لم تكن قليلاً متوازنة مع لبنانيته وربما بقيت كذلك، وأنا في بدايتي كانت فلسطينيتي أقوى من لبنانيتي. واليوم أقول لا تستطيع أن تساعد أحداً اذا كنت مريضاً ولا يمكنني أن اساعد محمود عباس اليوم اذا لبنان ليس قادراً «يفرك» رقبة خصمه الإيراني، واذا لم أكن قادراً على توقيف المؤامرة واللعبة الوسخة الامريكية والإسرائيلية والإيرانية على الفلسطينيين والعرب».
خليفة: مثل حلم جميل أتيت ومضيت
من جهته، الفنان مارسيل خليفة الذي تم التداول بصورة تجمعه بالراحل خوري والشاعر الفلسطيني محمود درويش تلا لـ«القدس العربي» ما نشره «فايسبوك» تحت عنوان «الجبل الصغير». وقال : «الفضاء رمادي أمام حروف الرثاء هو الرمق الأخير يتوحّل في الخَلق
هو شهقة النهاية تختلط بصرخة الحياة
هو الحِداد يتشّح بدمعتين ساخنتين ويجلّله البياض
هو البداية تنتهي لتبدأ مرّة أخرى
إلى «الياس» الذات التي تأخذنا إلى الأعالي
في مدارات الذكريات
اليك صديقاً وروحاً مبدعة وأنيقة
حُبّاً
تبدو الرواية في يديك فراشة
وتفرّ من إيماءة الحبر
تستدرج نحل الذاكرة كلّه
لفضائك المسكون بالسِّحر
كتاباتك المسفوكة قرباناً لديمومة الحياة
حبرك حبر السائل على الصخريّ
نداء الروح في نفرتها من شقوتها
أتصفحك
أبحث عنك
الدنيا ملعباً لهواك
فأطلق فيها يداك
وأركب صهوة الخيال
« صاعداً نحو التئام الحلم «
كيف خلعت عن رقّة الماء
نعاس الغزالات
وعمّدت هذا التراب شهادة
من شروق قصيّ
من غروب شريد
أشعلتَ
عند «باب الشمس» فلسطين
فتَسَامَى الكلام البهيّ
تَسَامى الهوى
مثل حلم جميل أتيت
ألقيت تحيتك العابرة
ومضيت…».
الريّس: خسارة مؤلمة
وقال مدير مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت رامي الريّس لـ«القدس العربي»: «خسارة الياس خوري في هذا الزمن الصعب كبيرة ومؤلمة. أن يفقد لبنان وفلسطين هذا الأديب والروائي المتميز فهو محزن جداً. لقد ترك الياس إرثاً أدبياً كبيراً وغنياً سيبقى بمثابة رسالة إلى الأجيال الطالعة، وحبه لفلسطين بمثابة درس لكل المناضلين والأحرار حول العالم» مضيفاً «باسم مؤسسة الدراسات الفلسطينية ومجلة الدراسات الفلسطينية التي تولى رئاسة تحريرها لسنوات طويلة وكرّسها مرجعاً للأقلام الحرة الفلسطينية والعربية، نعبّر عن حزننا العميق لفقدانه في هذه اللحظة المصيرية التي تمر بها قضية فلسطين».
الممثلة برناديت حديب التي تعرّفت على خوري منذ كان عمرها 17 سنة والتي بدا عليها التأثر الشديد، قالت لـ«القدس العربي»: «لا أعرف ماذا أقول عن الأديب والروائي الياس خوري، هل أتكلم عن الصديق عن الأب عن الحنان عن الاحتضان الذي منحنا في مسرح بيروت؟ عن الشخص الذي يُمسك يدك ويرشدك كيف وإلى أين تذهب بطريقة لائقة وبطريقة لا تجدها لدى أناس آخرين. هو الصادق هو الحقيقي بأحاسيسه وبكلمته الصادقة والحرة بغض النظر عن وقعها لدى الناس. الياس خوري لا يتكرر ولسنا نحن فقط من فقدناه في لبنان، بل العالم العربي وكل من يعشق الكلمة الحرة».
ديما صادق: لا تُعوّض
ومن المعزين: المنتج السينمائي والمسرحي طارق كرم وشقيقه عادل والممثلون بديع أبو شقرا، سعد حمدان، باسم مغنية وعدد من الإعلاميين بينهم مالك مروة وجاد الأخوي وطوني فرنسيس ومنير الربيع وعلي الأمين وديما صادق التي نشرت عدداً من الصور التي جمعتها بالراحل، وأرفقتها بتعليق استهلته بعبارة لخوري جاء فيها «ما يستحق ان نموت من أجله، هو ما نستحق أن نعيشه». وأضافت «سامحني الياس، لغتي وكتابتي كتير كتير أضعف من اني اقدر عبّر عن قيمتك الأدبية، قيمتك السياسية، قيمتك الإنسانية وقيمتك عندي. يا ريت عندي كلمات تشرح قدي الخسارة كبيرة، قدي الفراغ كبير. شكراً الياس ع كل النصايح، ع كل الأفكار، شكراً على جلسات الحديث والنقاش بالأدب والسياسة والحياة، كنت بعد كل قعدة معك حس اني ضهرت إنسان أجدد، شايف الاشيا أوسع وأعمق، شكراً على الدعم الاستثنائي اللي كنت تعطينا ياه كلنا. ما بتتعوض انت يا عمه، ما بتتعوض. حبيب قلبي انت، انشالله تكون مرتاح هلق».
السنيورة: خسارة فادحة
وكان توجّه الرئيس فؤاد السنيورة بالتعزية من عائلة الفقيد، معتبراً ان «لبنان والوطن العربي والقضية الفلسطينية، خسروا برحيله خسارة فادحة لا يمكن تعويضها. لما كانت تشكله هذه الشخصية من قيمة أدبية وفكرية وصلابة في الدفاع والتمسك بالقيم الوطنية والإنسانية» .وقال: «كان الياس خوري مثقفاً طليعياً واستاذاً جامعياً واديباً ملتزماً بقضايا وطنه وأمته مدافعاً صلباً عن الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وفي الوقت عينه، علماً من أعلام الرواية والثقافة والفكر الذي مثلته مدينة بيروت التي أحبها الياس وكتبها في روايات عديدة على مدى ثلاثة عقود من «الجبل الصغير» إلى «باب الشمس» وغيرهما من الروايات».
أما الكاتب المسرحي يحيى جابر فكتب «لما بتسكر جريدة السفير وملحق النهار بيغيب قبل صياح الديك، ولما بتروح الحلوة جيزيل لتشوف سمير الحبيب، ولما بيترنح اليسار عالشمال واليمين، ولما بتفوت بيروت بغيبوبة وفلسطين مسجاة في الهواء، أكيد الياس خوري سيموت من الزعل. بخاطرك يا رفيق. ماتزعل كلنا مكسور خاطرنا».
وفي ختام الجنازة والتعازي، ووري جثمان الياس خوري في الثرى في مدافن العائلة في مار الياس بطينا، لكن أشهر رواياته «باب الشمس» الصادرة عام 1998، التي حُوّلت إلى فيلم سينمائي بتوقيع المخرج المصري يسري نصرالله ستبقى تؤرخ للنكبة ولكيفية اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، وسيرافقه وسام الثقافة والعلوم والفنون الذي منحه إياه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عام 2017 تثميناً لمواقفه القومية والملتزمة تجاه فلسطين أرضاً وشعباً وقضية، وسيبقى ذكراه مؤبداً كما رتّل الآباء في ختام الجنازة، هو الذي لم يفقد الأمل ولا الشجاعة كما سبق وكتب، سائلاً «كيف يفقد الشجاعة من امتزجت تجربته بالتراب منذ بداية المقاومة الفلسطينية؟».