ثقافة وفنون

الفن والطائفية: هل يمكن أن يجتمع الجمال والتحريض؟

الفن والطائفية: هل يمكن أن يجتمع الجمال والتحريض؟

خضير الزيدي

هل يوجد في الفن ما يثير النعرة الطائفية ويشوه الطائفة؟ قد يبدو مثل هذا التساؤل غريبا على المتلقي، لكننا حينما نرجح منطق العقل والدعوة إلى رؤية جماليات الفنون الحديثة، لا أجد من الطبيعي تقبّل تصورات كهذه لأسباب واضحة من جملتها، أن الفن عابر لفهم الطائفية والفنان المثابر والمجتهد سيكون في منأى من منطق التفكير في هذا المجال، وإلا ما معنى أن ننعت الآخر بـ(الفنان) وهو لا يمتلك رؤية جمالية وفكرية، ليكون في إطار ضيق فكريا.
لن اتفق مع أي شخص يذهب في رؤياه أن الفن يثير الطائفية، أتصور أنه تمجيد لعقلية التخلف وتفاقم في الإحساس بمسؤولية فهم الفن ورسالته.نعم هناك أعمال نراها في هذا الطابع لكنها محددة وساذجة، ولا تأخذ في الحسبان لجوءها إلى تعقيدات من الشعور بنجاح هدفها. التصور في الفن وأقصد الطرح لن يكتسب خطابا جماليا وهو يرجح الابتزاز للآخر، لأن رسالة الفن لا تمنحنا هذا الاعتقاد، لكن المؤسف أن ذهنية الكثيرين من الطائفيين تذهب إلى مستويات غامضة ومشوشة، حينما يلجؤون إلى إذكاء النعرات الطائفية في تأشيراتهم لبعض الأعمال الفنية.

سأكون صادقا مع شرح الأمر بكل بساطة كيف يمكن أن نتفق على أن هذا فنان، وننعته بصانع لوحات ماهر، ومن جهة أخرى نراه طائفيا، بمجرد التفكير بالأمر سنسقط في وحل الأمراض، فلنكن واضحين أكثر في رؤيتنا أن من حق كل فنان أن يعبّر ويطرح وجهة نظره حتى لو اختلفنا عقائديا معه، لأن مساحة الفنون الحديثة والتركيز على مستوياتها، قابلة للتأويل وللفهم وللعب والإثارة، وكل تلك العوامل لا تمنحنا القدرة في مصادرة حق الفنان في ما يرسم وما يراه مناسبا، والأمر مركون لطروحات الفن المجدية، فهي ضرورة لها. من خطاب المراجعة ما ينبهنا إلى قوة التعبير وصدق المشاعر واتخاذ المواقف، ولنتساءل معا ما قيمة رسومات تنتج خطابا طائفيا؟ لنعترف أولا بأن هناك منطقا يتماشى مع التاريخ وينتصر لعقيدة ما دون أخرى، لكنه في الوقت ذاته، لن يكون عابرا للمعرفة وكأي خطاب يتصاعد عاطفيا ثم يهبط لمستويات أدنى بحكم خطاب التنوير، وقد تبدو وجهة الفن وهو يدخل معترك النزعة العاطفية الحادة في اتجاه بوابة الطائفية، أنه أسير عقل لا يتنامى فيه الإحساس بما يتركه الفن جماليا. الأمر المخيف هنا أن عقلية الآخر تشوه نزعة الاعتقاد الذي يلجأ لمنظومة أساسيات وهيمنة تصورات، بينما تطمس طبيعة الإبداع الفني وتنكمش حينما تنحصر في أفق عقلية الآخر بأنه فن طائفي. من الواضح وعبر كل سنوات فهم طبيعة الفن نحتا ورسما وخزفا، لا يمكن أن نمزج بين المفردتين (فن/ طائفية) ولا ما يمتلكان من اشتراطات أنهما في تناقض ولا يقود أحداهما الآخر إلى إيقاع السلام أو الجمال.. وظيفة الفن تعتمد في الأساس على طبيعته المعروفة، بأنه يبث طاقة الجمال وتربية الذائقة الإنسانية على رؤية جماليات الطبيعة ومكوناتها ليناهض التخلف والجهل وينمي قدرات الإنسان نفسيا وذهنيا، وأضيف له فقرة ثانية تكمن في الجانب التسويقي، وهذا لوحده يحتاج لشرح مطول، مع التأكيد على الوثائق الرسمية، لكن لنرجع قليلا بذاكرتنا في العودة لما قاله ريموند مولان من تعبير صادق وصريح (حينما تسوء أحوال البورصة تسوء الأحوال الفنية، إنها حقيقة يقرها تجار الفن ومقتنو اللوحات) وسنضرب مثلا في ذلك الأزمة التي تبلورت عام 1929 في بورصة نيويورك في الخامس والعشرين من أكتوبر لذلك العام فقد وضحت بعمق صناعة الفن وتجارته ووفق هذا الاعتقاد ستكمن قيمة الفن في جانبي الجمال والمال، وإذا عدنا لرؤيتنا في اتجاه الفن والطائفية سنقف عند قواعد الفن واتجاهاته ولن نفلح في القول، إن الفن يتجه إلى إذكاء النعرة الطائفية، لأن مهمته لا تتمحور جماليا في اتجاه هذا التوجه، مفردة (فن ) لوحدها وما تحمله من دلالة لن تلتقي مع الطائفية، كون الوعي النظري التشكيلي في منأى من الدخول إلى هذا المختبر المليء بالعقد النفسية والجهل وفقر الثقافة.

كاتب عراقي

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب