ثقافة وفنون

«النقد الأدبي الحديث» للعراقي فيصل غازي: رحلة اكتشاف الذات النقدية

«النقد الأدبي الحديث» للعراقي فيصل غازي: رحلة اكتشاف الذات النقدية

مروان ياسين الدليمي

في كتابه المعنون «مدخل إلى النقد الأدبي الحديث» إصدار دار ماشكي للطباعة والنشر والتوزيع 2024 يرى فيصل غازي بأن النقد يتأرجح بين موقفين: الحكم على الأعمال الأدبية، اعتمادا على منظومة من القيم، أو التعرف عليها وتفسيرها، ويفسِّر مَردّ هذا التأرجح إلى التردد في توصيف النقد الأدبي بالموضوعية، أو الذاتية، فتارة يأخذ النقد صفات العلم ويصبح منهجا واضح المعالم والحدود، يعتمد على لغة توصيفية تفسيرية، وعلى علم الجمال وفلسفة الفن. وثانية يأخذ النقد صفة الذوق، فيصبح عملية ذاتية تتحكم فيها مشاعر الناقد وذائقته وأحكامه الشخصية.

منهج أكاديمي

أهمية كتاب فيصل غازي تأتي من أن جهده في البحث يذهب في مسار أكاديمي خالص، ليخرج بفصول أربعة، يلقي من خلالها نظرة فاحصة على النقد الأدبي من حيث المفاهيم، والمناهج النقدية، والنظريات الأجناسية والنظرية الأدبية (الشعرية) والمذاهب الأدبية. فالنقد الأدبي، كما يشير في المقدمة: يبقى نشاطا ارتبط وجوده بالأدب، ومثَّل تحولا في التفكير الإنساني من مرحلة التذوق لأجل المتعة إلى مرحلة التذوق المعرفي، وفي هذه الانتقالة، هناك مساحة شاسعة من الاشتغال الفكري ساهم فيها الفلاسفة الأوائل، بمعنى أن النقد كان وثيق الصلة بالفلسفة ومناهجها وأدواتها فترة طويلة، ومن ثم كان لعلوم البلاغة واللغة والعلوم الإنسانية مثل، التاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس أثرها في النقد. ويضيف في هذا المنحى أن النقد لم يتوقف عند الحدود التي رسمتها الأنشطة الفكرية، بل حاول أن يتخطاها بحثا عن شخصيته وبدت خيارات الانفكاك والخروج عن مسار التبعية واضحة منذ عصر النهضة الأوروبية، فتغيرت اتجاهات أهدافه من الحكم على النص إلى الفحص العلمي، وعدَّ ذلك نقلة نوعية في تاريخه، حيث أصبح النقد نشاطا معرفيا له جذوره وامتداداته، وفي الوقت نفسه له أدواته الخاصة به والمعبرة عن أهدافه.

مفاهيم النقد

في الفصل الأول سعى إلى تحديد مفاهيم النقد، من خلال توصيف العلاقة بين النقد والأدب، فعندما يأخذ النقد صفة الأدبي ويصبح (النقد الأدبي) فإنه بذلك يشير إلى علاقة جدلية ترتبط بين النقد والأدب، وفق مبدأ التأثير والتأثر المتبادل، أيضا لا يمكن إنكار الدور الوظيفي للنقد، باعتباره وسيطا بين الأدب والقارئ، وهنا يتوقف عند الشروط التي ينبغي أن تتوفر حتى يكون الناقد مؤهلا في مهمته النقدية، أولها الاستعداد الفطري أو الموهبة، ومن ثم الثقافة العميقة والمعرفة بالتاريخ والتأريخ الأدبي واللغة وعلم اللغة وعلم الاجتماع والفلسفة، وعلم النفس والكثير من المعارف والثقافات التي تعزز البعد المعرفي لدى الناقد.

المناهج النقدية

وفي إطار تناوله للمناهج النقدية في الفصل الثاني، يشير إلى ارتباط ظهور المناهج النقدية بازدهار الحركة العلمية والعقلية، وتشعب المعارف والعلوم وكثرتها، وبتعدد الآراء والأفكار والتصورات، وارتبط نشوء المناهج النقدية بخلفيات أيديولوجية وعقائدية وفلسفية وعلمية، وقد مرت مناهج النقد الأدبي بمراحل معرفية وتاريخية، إذ بدأت مع المناهج السياقية (التاريخي والاجتماعي والنفسي) منذ منتصف القرن التاسع عشر، وبعد ذلك ظهرت المناهج النصية (الأسلوبية، البنيوية، السيميائية) منذ بدايات القرن العشرين، ومن ثم ظهرت المناهج ما بعد النصية، وهي كثيرة ومتعددة ومختلفة الاتجاهات والمرجعيات والرؤى النقدية (نظريات التلقي، التأويل، النقد الثقافي، النقد النسوي) وغيرها. ولكي تكتمل الصورة عن المناهج، يستعرضها واحدة بعد الأخرى متناولا العوامل التي كانت وراء ظهورها ونظرتها إلى النص الأدبي، ومجالات اشتغالاتها، كما يتوقف عند أبرز الأسماء التي تمثلها.

النظرية الأجناسية

أما الفصل الثالث من الكتاب فقد تناول النظرية الأجناسية والنظرية الأدبية (الشعرية) فالتجنيس كما يوضح، مسألة قديمة وفطرية ولدت من التأمل الطبيعي للكون والحياة، واستمر الإنسان حتى الآن يمارس التصنيف والتجنيس. ويرى أن الجنس الأدبي مقولة تُمكِّنُ من ضم عدد من النصوص بعضها إلى بعض، بناء على معايير مختلفة، أما نظرية الأجناس الأدبية فهي مبدأ تنظيمي، فهي لا تصنف الأدب وتاريخه، حسب الزمان والمكان، بل حسب بنية أو نظام يحيل على أنواع أدبية متخصصة. ثم يقف عند معايير تقسيم الأجناس الأدبية، وفكرة المعيار، وفكرة العدد وفكرة الترتيب، إضافة إلى أنه يستعرض مدارس النظرية الأجناسية، فيقدم عنها صورة موجزة. كما يقدم جملة أفكار حول النظرية الشعرية، ومفهوم الشعرية كما يقدمه، يعد من المفاهيم النقدية القديمة، التي حاول الشكلانيون الروس أن يبعثوها من جديد، وأن يجعلوا منها الأساس الفني الذي يميز بين الأدب واللاأدب، ويضيف أن مفهوم الشعرية في جذوره التاريخية يعود إلى أرسطو في كتابه «فن الشعر» وفيه غيّر أرسطو مفهوم الشعرية ونقلها من المستوى الفلسفي والوصفي إلى المستوى الأدبي، إذ أن الفن عند أرسطو محاكاة، والمحاكاة في الأصل نظرية أفلاطونية تبناها أرسطو وأعطاها طابعا مزدوجا، فهي من جهة، محاكاة خارج نطاق الطبيعة، أي محاكاة الخيال، ويطرح أرسطو المحاكاة بوصفها قانونا للفن بشكل عام.
وعن رومان ياكوبسن (1896 – 1982) يقول إنه يتصدر الشكلانيين الروس نظرا لما قدمه من مفاهيم دقيقة ورصينة حول الشعرية، وهو مؤسس الشعرية الحديثة، ويعود إليه الفضل في توحيد الرؤية الشكلية وتعميقها بوضعه الأسس النظرية وتطبيقها على النصوص.

المذاهب الأدبية

تناول الفصل الرابع من الكتاب المذاهب الأدبية، وقبل أن يمضي في عرضها يقدم وجهة نظره حول مفهوم المذهب الأدبي، فيقول إنه مجموعة من الخصائص والمبادئ الأخلاقية والجمالية والفكرية، تشكل في مجموعها المتناسق لدى شعب أو مجموعة من الشعوب في فترة معينة من الزمان، تيارا يصبغ الإنتاج الفني والأدبي بصبغة غالبة، تميز ذلك الإنتاج عمّا قبله وما بعده في سياق التطور، والمذهب الأدبي مجموعة صفات ومبادئ مشتركة لخط فني أو أدبي أو كتابي يسود في فترة زمنية محددة. كما يشير إلى أن المذاهب الأدبية لا تعني الأنواع الأدبية، فالمذهب اتجاه جمالي وأسلوبي يدل على المجموعة ـ أما النوع فيمكن أن ينضوي تحت المذهب أكثر من نوع أدبي، أو قد يمتد النوع الأدبي على أكثر من مذهب أدبي.
ثم يعدد شروط المذهب الأدبي: أولا، الأساس الفكري، حيث يُشترط لكل مذهب أدبي أساس فكري. ثانيا نماذج إبداعية، إذ تشكل الأساس التطبيقي لهذا المذهب ومن هذه النماذج يستمد النقاد قواعد المذهب وأصوله. ثالثا، مجموعة من المبدعين يتبنون هذا الاتجاه ويكتبون فيه. رابعا، نقاد ينبهون إلى المذهب الأدبي ويستشعرون أسسه وقواعده، بعدها يقدم عرضا عن المذاهب الأدبية والعوامل التي ساعدت على ظهور كل مذهب، والمبادئ التي يستند إليها والخصائص التي تشير إليه.
المؤلف فيصل غازي النعيمي يعمل أستاذا في جامعة الموصل، ويتولى تدريس النقد الأدبي الحديث، وعلم الجمال الأدبي، ونظريات السرد الحديثة والأصول الفلسفية للنقد، وسبق له أن أصدر المؤلفات الآتية: «العلامة والرواية» (دراسة سيميائية في ثلاثية أرض السواد لعبد الرحمن منيف) 2010 ، «شعرية المحكي» (دراسات في المتخيل السردي) 2013، «جماليات البناء الروائي عند غادة السمان» (دراسة في الزمن السردي) 2014، «حساسية النص القصصي» 2012. «في آفاق النص القصصي» (تحرير وتقديم ومشاركة) 2013، «سرديات التجريب» (قراءة في متخيل الرواية العربية الجديدة ) 2020، «السرد وخطاب الأيديولوجيا» (دراسات في الرواية العربية الجديدة) 2022

كاتب عراقي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب