السنوار “على رأس عمله” وخامنئي يمنح الأوسمة والمخطوفون خارج الحسابات.. ونتنياهو لبايدن: الهاتف مقابل غالانت

السنوار “على رأس عمله” وخامنئي يمنح الأوسمة والمخطوفون خارج الحسابات.. ونتنياهو لبايدن: الهاتف مقابل غالانت
تم إحياء يوم السنة الأولى لـ 7 أكتوبر ليس باحتفالين فقط، وطني وآخر شمال كوري، بل بعدة جولات من الصواريخ والمقذوفات الصاروخية إلى وسط البلاد من ثلاثة اتجاهات مختلفة: قطاع غزة في ساعات الصباح؛ اليمن في ساعات ما بعد الظهر؛ ولبنان مع حلول منتصف الليل. صحيح أن أبواق نتنياهو استعدت مسبقاً للإمكانية وحذرت من نار اليساريين – الكابلانيين على الجبهة الداخلية، لكن يخيل أن أغلبية ساحقة في الجمهور الإسرائيلي تعترف بأن الصورة أعقد. وحتى بعد القصور والمذبحة، وبعد انتعاش الجيش الإسرائيلي تدريجياً، وضربة حماس في القطاع، وبعد سلسلة الضربات المبهرة التي أوقعت على حزب الله في الشهر الأخير… لسنا قريبين من حسم الحرب.
ليس هناك أي تسوية إنهاء حتى الآن. وأعداء إسرائيل، الذين كانوا يحلمون بخطة لإبادة إسرائيل، يستعدون الآن لمعركة استنزاف طويلة لجباية ثمن من سكانها المدنيين ومن اقتصادها والمس بمكانتها.
أما إزاء إيران، فثمة جدال حول مدى نجاح هجمة الصواريخ الباليستية، الأكبر من نوعها، في 1 أكتوبر. فقد أطلقت إيران 181 صاروخاً. قتل شخص واحد– فلسطيني أصيب بشظايا اعتراض في أريحا، وأصيب بضعة مواطنين إسرائيليين بجروح. ولحق بـ “هود هشارون” ضرر جسيم بإصابة مباشرة لصاروخ؛ ضرر إضافي، لم تفصل طبيعته، كما لحق ضرر بعدة قواعد للجيش الإسرائيلي ومنشآت أمنية. يصر الناطق العسكري على أنه لم يلحق أي ضرر بأداء قواعد سلاح الجو المستهدفة.
نشرت وسائل إعلام دولية تحليلات استناداً إلى صور الأقمار الصناعية، يتضح منها عدد جم من الإصابات لقاعدتي “نيفاتيم” في الجنوب، وعدد أقل في “تل نوف” وفي معسكرات في منطقة “غليلوت”. يمكن الافتراض أنه نجاح جزئي لسياسة اعتراض عاقلة: القبة الحديدية لم تتصدى لصواريخ بالستية، وأساس العبء ملقى على منظومات “حيتس” و”شربيت”، التي تبلغ كلفة كل صاروخ أعلى بأضعاف من صواريخ اعتراض القبة الحديدية.
السياسة الدفاعية الصحيحة وتحديد سلم أولويات الدفاع، أملت طبيعة الرد الإسرائيلي في ظل أخذ مخاطر محسوبة. الموضوع أن النتيجة متعلقة بشعرة. تضرر نحو 500 منزل وشقة من إصابة الصاروخ الوحيد في “هود هشارون”. كان سقوطاً مباشراً على مبنى متعدد الطوابق، بدلاً من أرض مفتوحة قرب البيوت، ربما أدى إلى قتل مكثف.
قائد سلاح الجو بالحرس الثوري، الجنرال علي حاجي زاده، تلقى هذا الأسبوع وساماً خاصاً من الزعيم الأعلى علي خامنئي، اعترافاً بالهجوم الناجح. ثمة رضا إيراني بإرسالها ملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ، وتروي لنفسها بأن النظام الصهيوني يخفي خسائره. ينبع هذا من رغبة خامنئي بإنهاء جولة الضربات قبل إلحاق ضرر إضافي، من فشل المطلق في إلحاق إصابات بإسرائيل، في الهجوم الثاني – بل ويفضل التجاهل. في هذه الأثناء، ثمة افتراض معقول بأن النظام أضاع قرابة ثلث مخزونه من الصواريخ البالستية النظامية.
بعد الهجمة الإيرانية، أعلن نتنياهو بتوجيه ضربة شديدة. محللون وجنرالات متقاعدون مصدومون من وصول التهديد قريباً من بيوتهم في الوسط، تنافسوا في توزيع تهديدات حادة على الإيرانيين، وتراوحت الوعود بين تدمير مواقع نفط إيرانية، وإبادة البرنامج النووي، بل وإسقاط النظام. وكلما مر الوقت يثور الاشتباه بأن على إسرائيل الاكتفاء بالأقل. تحدث الرئيس الأمريكي بايدن في هذا الموضوع مرتين، وألمح برقة لنتنياهو بأن الأفضل له الامتناع عن هجوم على مواقع النووي والنفط، والحرص على تنسيق مسبق مع الإدارة. واستدعي وزير الدفاع، غالانت، على عجل لزيارة البنتاغون اليوم.
قدر محللون أمريكيون بأن الرد الإسرائيلي سيتركز على مواقع عسكرية، في محاولة لإيجاد طريق وسطي، إشارة أخرى لطهران عن قدرات سلاح الجو، ومحاولة لإغلاق هذه الجولة. على هذا أساس، البحث الجاري في إسرائيل في الأسبوعين الأخيرين، بين رد “مغلق” ورد “فاتح”، بمعنى مُصعد، في إيران ولبنان. غير أنه طل تعقيد جديد في هذه الأثناء؛ فقد قرر رئيس الوزراء نتنياهو أمس، أن يؤخر رحلة غالانت إلى الولايات المتحدة، في اللحظة الأخيرة. يبدو أن خطوة نتنياهو الشاذة هذه تقف وراءها نية مزدوجة: إجبار بايدن على مهاتفته بعد أن تملص الرئيس من ذلك، حتى في ذكرى مرور سنة على المذبحة، ثم إهانة غالنت مرة أخرى. لقد سبق لنتنياهو أن قام بمناورة مشابهة قبل بضعة أشهر حين نشر شريطاً مسجلاً هاجم فيه الإدارة الأمريكية قبل لحظة كان يوشك بايدن فيها على تحرير إرسالية ذخيرة جوية احتاجتها إسرائيل على عجل. غالانت، الذي كان وقت الحادثة السابقة في الولايات المتحدة، قلق من حدوث صعوبة من بعد في التنسيق مع الأمريكيين لتفعيل عناصر حيوية للدفاع عن إسرائيل.
في لبنان ميل تصعيد واضح؛ فقد انضمت فرقة رابعة، فرقة الاحتياط 146، هذا الأسبوع إلى القوات المناورة في جنوب الدولة. ومع ذلك، يستند محللون في الولايات المتحدة إلى صور جوية ليؤكدوا أن العملية البرية محدودة نسبياً.
على حد قولهم، تركز قوات الجيش الإسرائيلي حالياً على قرى قليلة لا تبعد كثيراً عن الحدود، وتمشيط أراض مفتوحة مشجرة بكثافة أقام فيها حزب الله مجالات قتالية قرب الجدار. مقاومة حزب الله في الميدان قليلة حتى الآن، وأقل شدة مما خشي الجيش بداية. لكن في الأماكن التي يتفاجأ فيها الجيش، مثلما حصل لقوة من وحدة “أغوز” عشية رأس السنة، لا تزال وحدات حزب الله المتبقية في الجنوب قادرة على إحداث مشاكل وإسقاط قتلى.
لقد كان الأسبوعان الأخيران من أيلول، حدثاً موازياً جداً لـ 7 أكتوبر من ناحية حزب الله، قياساً لما تلقاه الجيش على أيدي حماس. فقد تلقت المنظمة سلسلة ضربات مفاجئة يصعب معها الانتعاش. ولما كانت هذه منظمة أصغر من الجيش الإسرائيلي وتركز جزء من الهجوم على قيادتها بما في ذلك أمينها العام نصر الله، فقد كانت الضربة مؤلمة جداً. لكن من يوم إلى آخر، يظهر انتعاش محلي. فالنار استؤنفت إلى وسط البلاد وإن على نطاق صغير، وتطلق من شمال البلاد إلى جنوب حيفا مئات قليلة من الصواريخ يومياً، شوش الحياة اليومية.
السؤال هو: هل يكفي الضغط العسكري الذي تمارسه إسرائيل الآن لإقناع الإيرانيين وحزب الله بتقليص الخسائر والسعي إلى إنهاء القتال حتى بثمن أن يسمح الأمر بإنجازين كبيرين لإسرائيل: قطع العلاقة التي أقامها نصر الله بين إنهاء القتال في غزة ووقف النار في لبنان، وإعادة 60 ألف إسرائيلي من سكان حدود الشمال إلى بيوتهم. أحد المخاطر من وجهة نظر إسرائيل هو نشوب حرب استنزاف سنوات طويلة. يكفي صاروخ أو اثنان في اليوم نحو المركز لتشويش هنا الحياة وأداء الاقتصاد لزمن طويل.
كان هناك شبه إجماع في القيادة الإسرائيلية على قرار اغتيال حسن نصر الله. فبعد سنوات اعتبر فيها زعيماً ملجوماً في استخدام القوة، ورغم مواقفه الراديكالية، تغيرت الأمور في السنة التي سبقت الحرب. فإصراره على مواصلة القتال بعد 7 أكتوبر وعدم القدرة على فرض عودة السكان إلى الشمال، أديا إلى قتله. الضرر الذي لحق حزب الله هائل، وسيمر زمن حتى تجد المنظمة زعيماً بمستواه. في المقابل، تبحث إسرائيل الآن عن عنوان: من يتخذ القرارات في لبنان، وعلى من ينبغي الضغط حتى تعقد معه صفقة لإنهاء الحرب؟
صفقة كهذه لا بد أن تتصل بشكل ما بالجنوب. ففي الأسابيع الأخيرة، أهملت الحكومة المخطوفين تماماً. وتبدو وعود نتنياهو الفارغة لتحريرهم عليلة أكثر من المعتاد (هذا الأسبوع، تباهى حتى بنجاحه في إعادة 155 مخطوفاً، ونسي أن نحو 20 في المئة منهم عادوا جثثاً). لكن ربما يوجد تطور ما في موضوع السنوار، زعيم حماس في القطاع. فبعد أسابيع من الشائعات، تبددت التقديرات حول موت السنوار، إذ أقام اتصالاً غير مباشر مع الوسطاء من خلال رجاله في قيادة حماس الخارج. قبل ذلك، وجدت أدلة على وجوده في أنفاق رفح، في المكان الذي قتل فيه لاحقاً ستة مخطوفين إسرائيليين على أيدي حراسهم من حماس. السؤال هو: هل الضربات العسكرية الأخيرة لحزب الله ولحماس ستشفي المنظمة من أملها في توجيه هجوم متعدد الساحات ينتصر على إسرائيل وتقنعه بالعودة إلى طاولة المباحثات. في هذه اللحظة، وحسب تصريحات مسؤولي حماس في الخارج، هذا لا يحصل الآن.
قبل الاكتئاب الجماعي الذي ساد يوم ذكرى المذبحة، بدت نشوة ما في وسائل الإعلام على خلفية سلسلة النجاحات العسكرية والاستخبارية التي حققتها إسرائيل. كالمعتاد، ينبغي التحذير من قانون الآثار غير المتوقعة، الذي يعمل في الحرب ساعات إضافية. فلا إيران ولا حزب الله ينازعان الآن الروح انتظاراً بخوف لضربة إسرائيلية ساحقة. فالأمور كفيلة بأن تتعقد، جداً، خصوصاً عند الحديث عن دولة كبرى تستثمر عشرات السنين ومئات مليارات الدولارات في المعركة التي تديرها ضدنا. يحاول نتنياهو يحاول إثبات رواية تقول إن الحرب التي فوجئت بها إسرائيل تحت مسؤوليته، هي في واقع الأمر حرب انبعاث، لكن هذا لا يستوي حقاً مع الحقائق حين يصطدم النشاط العسكري المحسن بصفر فعل سياسي من جانبه.
عاموس هرئيل
هآرتس 9/10/2024