هل أيلون ماسك هو آينشتاين القرن الواحد والعشرين؟
هل أيلون ماسك هو آينشتاين القرن الواحد والعشرين؟
د.جيرار ديب
ارتفعت أسهم شركة تسلا المملوكة للملياردير الأمريكي أيلون ماسك بنسبة 13% في مبادلات ما قبل فتح جلسات التداول في وول ستريت، الأربعاء 6 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، مدفوعا بدعم الملياردير دونالد ترامب الذي أعلن فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وقد أصبح ماسك مؤيدا صريحا لترامب هذا العام، وروّج للرئيس السابق على منصة التواصل الاجتماعي «إكس» التي يملكها. وقد قدّم حتى الآن ما يقرب من 120 مليون دولار إلى مجموعة أمريكا ـ لجنة العمل السياسي، المؤيدة لترامب لتعزيز جهود حشد الناخبين وتسجيلهم، وفقا لما أظهرته إحصاءات اتحادية.
لا يحلم أيلون ماسك بمنصبٍ في البيت الأبيض، على الرغم من أن ترامب في كلمته التي وجّهها إلى أنصاره إثر إعلان فوزه، توجّه من خلالها مباشرةً إلى ماسك شاكرا إياه على انتخابه ليكون الرئيس 47 لأمريكا، رأى فيها البعض دلالة على أن ترامب يريده من ضمن فريقه السياسي. قدّم ترامب الكثير من الشكر في تلك الكلمة، كالشكر للجالية الإسلامية والعربية في أمريكا وغيرهم من الذين ساهموا في وصوله إلى البيت الأبيض، لكن أن يخصّص رجلا من ملايين أدلت بأصواتها إليه، فهذا ما يجب التوقّف عنده.
أثار ماسك منذ بداية الحرب في أوكرانيا موجةً من الاستغراب والتساؤلات، عندما أصبح هدفا مشروعا للجيش الروسي، بعدما قام بتحدي روسيا، ومنح الجيش الأوكراني الإنترنت، بعدما حاولت روسيا بتقنياتها العالية حجبه عن ساحة المعركة الدائرة في شرق أوكرانيا. ففي خريف عام 2022 قرّر أيلون ماسك شخصيا تفعيل شبكة الإنترنت فوق شبه جزيرة القرم للقوات المسلحة الأوكرانية، الأمر الذي عرقل مخططات الجيش الروسي، وساهم في تواصل الفرق الأوكرانية في ما بينها.
قالت صحيفة «نويه تسورخر تساويتونج» السويسرية، إن الملياردير الأمريكي أيلون ماسك يسيطر على أوكرانيا، من خلال نظام الاتصالات عبر الأقمار الصناعية «ستار لينك». قد يكون ماسك متحكما بمفاصل الصراع في شرق أوكرانيا، كما ذكرت الصحيفة، لكنّ الأكيد أنه استطاع أن يكتب التاريخ بصيغة جديدة مرتبطة بالتفوّق التكنولوجي في عالم الاتصالات والذكاء الاصطناعي، على جيوش تُصنّف الثانية من حيث القوة والقدرة العسكرية والتكنولوجية في العالم. فهو من أثار غضب رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو، عندما دخل في الصراع مع ماسك لاتهامه بتقليب الرأي العام، رفضا لنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وعمل على حجب موقع «إكس» لمدة عشرة أيام. وجّه ماسك على موقع «إكس» تهديدا «بحرق شوارب مادورو من الفضاء». على الرغم من أن البعض أخذ ما كتبه من باب المزاح، إلا أنّ ذلك في الواقع ما هو إلا رسالة واضحة إلى مادورو وكل من يدور في هذا الفلك، بأنه قادر على تغيير الأنظمة، وكتابة تاريخ جديد للبلد المستهدف. لم تكن صدفة أن يقوم ماسك بشراء موقع «تويتر» في 14 أبريل/ نيسان 2022 بقيمة 44 مليار دولار، وقام بتغيير اسم الموقع إلى «إكس»، بل هي تندرج ضمن التخطيط المستقبلي بهدف الاستثمار من خلال التحكّم في مصادر المعلومة ووسائلها التواصلية. إن هذه الخطوة التي أقدم ماسك عليها في شراء أحد أهم مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل الهيمنة الإعلامية ووسائل التواصل، لنقل المعلومة بالسرعة المطلوبة وبكمية كبيرة، قادرة على التشويش والتأثير معا على الرأي العام، وهذا ما تمّ توظيفه في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، وتتوّج بوصول ترامب إلى سدّة الرئاسة؛ صحيح أن منصة «إكس» ليست الوحيدة التي ساعدت ترامب بالفوز في الانتخابات، إلا أن المؤكّد أنها واحدة من الأدوات التي ارتكز عليها لخوض معركته.
يرسم ماسك التاريخ بفضل ما يتمتّع به من مهارات، يستثمرها في إطار التطوّر التكنولوجي فكتابة التاريخ يشارك فيها رجال يعملون على إحداث «قفزة نوعية» في مسار تحركات الشعوب والدول
أيلون ماسك صاحب سيارات تيسلا ذات القيادة الذاتية، وكما فعل في عالم الاتصالات والتواصل الاجتماعي، اقتحم عالم الذكاء الاصطناعي، حيث أعلن أن شركته الجديدة «إكس إي آي» (XAI ) المتخصصة في أعمال الذكاء الاصطناعي، أطلقت في وقت سابق نموذجا جديدا من الذكاء إلى «مجموعة مختارة» من المستخدمين. في هذا السياق أجرى ماسك محادثات مع بعض المستثمرين في الشرق الأوسط في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بشأن جمع أموال شركته الناشئة العاملة في هذا المجال، للحصول على رأس مال جديد للتنافس مع شركات عاملة في هذا المجال على رأسها شركة «أوبن إيه أي». يرسم ماسك التاريخ بفضل ما يتمتّع به من مهارات، يستثمرها في إطار التطوّر التكنولوجي لإحداث ثورة في هذا المجال، ما يسمح له بنقل تاريخ البشرية من جيل إلى جيل آخر مختلف؛ فكتابة التاريخ يشارك فيها رجال يعملون على إحداث «قفزة نوعية» في مسار تحركات الشعوب والدول. اعتبر ألبرت آينشتاين، الذي عاش في القرن العشرين أحد الرجالات الذين صنعوا التاريخ، بما قدموه في مجالات مختلفة. «لقد أدت الأعمال الحديثة في مجال الفيزياء النووية إلى احتمالية تحويل اليورانيوم إلى مصدر جديد ومهم للطاقة»، هذا ما جاء في رسالة مطبوعة إلى الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، موقعة بخطّ يد الفيزيائي العبقري ألبرت آينشتاين، التي أضاف فيها أن هذه الطاقة يمكن استخدامها «لبناء قنابل قوية للغاية».
لم يكتف هذا العبقري بتغيير مسار الحروب، وجعل الدول تسعى لامتلاك القوى العسكرية الردعية، لكنه اقتحم أيضا عالم الفضاء، وكانت له نظريات سابقة لعصره، على رأسها النظرية النسبية. إنه آينشتاين الأمس، المتمثّل في أيلون ماسك اليوم الذي أوجد قوة ردعية جديدة للجيوش مرتبطة بتحكّمه التكنولوجي وعبر قنوات الاتصال من خلال أعمال تجسّسية، ومراقبة عبر ما يطلق عليه «العين فضاء» وهي مجموعة صواريخ مراقبة، الستار لينك، التي يطلقها إلى الفضاء. على ما يبدو لكل عصر عبقرية تتجسّد بشخصٍ يحمل رؤية أبعد ممّا يتوقعه البشر، ويعمل من خلالها على فرض واقع تقدمي مختلف، يستطيع من خلاله التأثير في تغيير التاريخ وأحداثه. هذه العبقرية هي من أتت بدونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة، وهي من سترسم مستقبل البشرية على مختلف الصعد، لهذا يتساءل البعض هل العالم ذاهب نحو إحداث صدمة تغييرية قد تشهد من خلالها سيطرة الآلة الموجّهة بذكاء اصطناعي على العالم المقبل؟
كاتب لبناني