مقالات

إسرائيل في أزمة أيضاً

إسرائيل في أزمة أيضاً

محمد عايش

يشتعل الجدل في أوساط الفلسطينيين والعرب، وحتى داخل الفصائل الفلسطينية بشأن الحرب الحالية التي تشنها إسرائيل، وما إذا كان من الممكن تجنبها، كما يشتعل جدل واسع أيضا بالتوازي حول ما إذا كان من الممكن التوصل إلى وقف لإطلاق النار لو وافقت حركة حماس على تقديم شيء من التنازلات أو وافقت على العروض الأمريكية وعروض الوسطاء. لا شك أن الفلسطينيين يعيشون أزمة حقيقية، وربما أزمة غير مسبوقة، وهي أزمة تشبه تلك التي واجهتها منظمة التحرير الفلسطينية خلال حصار بيروت في منتصف عام 1982 عندما أصبح الحلفاء والأصدقاء ينصحون القائد ياسر عرفات بتقديم التنازلات من أجل وقف المجزرة الإسرائيلية التي كانت تُرتكب بحق البشر والشجر والحجر وكل تفاصيل الحياة.
وبينما ينخرط الكثيرون منذ شهور في الجدل الداخلي الفلسطيني، فإن المشهد الغائب عنهم هو، أن ثمة أزمة مماثلة يعيشها الإسرائيليون، وربما تكون الأزمة الإسرائيلية أكثر عمقاً وأشد بأساً، وهذا أصلاً ما يُفسر اندفاع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مزيد من المجازر وتمسكه باستمرار الحرب، لأنه يعلم على المستوى الشخصي، أن حياته السياسية ستنتهي في اليوم التالي لوقف الحرب، ولذلك يحرص نتنياهو على إطالة أمدها من أجل إطالة بقائه في الحكم وفي الحياة السياسية الإسرائيلية.

مآلات الأزمة الداخلية في إسرائيل لا تزال غير معروفة، لكنها بكل تأكيد ستؤدي إلى إحداث تغيير كبير في منظومة الاحتلال وإلى تحول كبير في الموقف العالمي من إسرائيل

في كل أسبوع يخرج عشرات الآلاف من الإسرائيليين إلى شوارع تل أبيب، ينددون بنتنياهو وحكومته، ويعتبرون أن الحرب الدموية التي يخوضها ستكون نتائجها كارثية عليهم، ليس فقط في ملف الأسرى المحتجزين لدى حماس، الذين مات عدد كبير منهم في القصف الإسرائيلي الأعمى والوحشي والدموي، الذي لا يُميزُ أحداً عن أحد، وإنما يتحدثون عن خسارات استراتيجية أكبر من ذلك وأعمق بما في ذلك الخسارة على المستوى الدولي، وتراجع الرأي العام العالمي الذي كان متعاطفاً معهم إلى أبعد الحدود مساء يوم السابع من أكتوبر من العام الماضي. قبل أيام كتب رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت مقالاً في جريدة «هآرتس» العبرية يستعرض فيه دلالات أحداث أمستردام، معتبراً أنها واحدة من المؤشرات والأدلة على الخسائر الاستراتيجية الكبيرة التي تتكبدها إسرائيل بسبب حربها الوحشية غير المسبوقة ضد الفلسطينيين واللبنانيين. يقول أولمرت إن «ما يحدث في هذه الفترة في غزة ليس حربا وجودية لنا (إسرائيل)، وليس تعبيرا عن حاجة مبررة للدفاع عن أنفسنا، بل هو استمرار، من دون أي مبرر لعنف ليس له هدف أو اتجاه واضح». ويعترف أولمرت، الذي ينتمي أصلاً إلى اليمين الإسرائيلي المتطرف، بأن الحرب على غزة ولبنان «تساهم بشكل حاسم في تقليص احتمالية إنقاذ المخطوفين، وتؤدي إلى موت الكثير من الجنود في أحداث لا تؤدي إلى أي نتيجة مناسبة»، ويقول في مقاله إنه «يجب الاعتراف أيضاً بأن هذه الحرب تؤدي إلى موت الكثيرين من سكان غزة غير المشاركين في أعمال معادية لإسرائيل». أولمرت ليس الوحيد داخل إسرائيل الذي يعبر عن قناعة بأن حرب نتنياهو ضلت الطريق ولم يعد لها أي بوصلة ولا جدوى منها لإسرائيل، وإنما هي تُكبد الإسرائيليين خسائر كبيرة بما فيها خسارتهم للرأي العام العالمي وللدعم الأمريكي والأوروبي وغير ذلك الكثير.
والخلاصة هو أن هذه الحرب الدموية خلقت أزمة عميقة وغير مسبوقة داخل المجتمع الإسرائيلي وداخل المستوى السياسي في تل أبيب، وهذه الأزمة لا تقل عن تلك التي يعيشها الفلسطينيون، كما أن مآلات هذه الأزمة الداخلية لا تزال غير معروفة ولا ملموس، حتى الآن لكنها بكل تأكيد ستؤدي إلى إحداث تغيير كبير في منظومة الاحتلال وكيفية تعاطيه مع المنطقة، وستؤدي إلى تحول كبير في الموقف العالمي من إسرائيل.. وفي القرآن الكريم يقول الله تعالى «إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون».

كاتب فلسطيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب